ماذا يعني تفكيك إيران؟

من الأهداف المعلنة وغير السرية للهجوم الإسرائيلي على إيران هو إزالة النظام القائم والقضاء على الجمهورية التي تحكم إيران منذ 46 عاماً. وإن كان هذا الهدف إسرائيلياً معلناً، فإنه أيضاً يعتبر هدفاً استراتيجياً لا يقتصر على الإدارات الأميركية، بل تلتقي معها كل العواصم الغربية التي تعتبر هذا النظام عائقاً أمام تحقيق مخططاتها ومشاريعها في هذه المنطقة الحيوية اقتصادياً واستراتيجياً.

ولا تخفي الإدارات الأميركية العمل من أجل الوصول إلى هذا الهدف، وقد دفعت بالكثير من مواقفها المعلنة والسرية من أجل تحقيقه، ولم تخلُ مواقف وتصريحات كبار المسؤولين الأميركيين من الإشارة إلى هذا الهدف بشكل مباشر أو بشكل موارب. ولعل آخر هذه المواقف ما ألمح إليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل أيام عندما تحدث عن وجود خطط وتصور لما ستكون عليه طبيعة الحكم في إيران بعد القضاء على النظام القائم ومن هي الجهة التي ستحكم.

هذا القرار وهذه الخطة كشفها ترمب في سلسلة اجتماعات متوالية ومتتالية لمجلس الأمن القومي الأميركي، والتي خلصت إلى اتخاذ قرار بالتدخل في الحرب القائمة بين طهران وتل أبيب، مع احتفاظ الرئيس بقرار البدء بالتدخل في التوقيت المناسب.

لكن ماذا يعني تنفيذ مخطط التخلص والقضاء على النظام الحاكم في إيران؟

سؤال قد يبدو للبعض في غير محله انطلاقاً من رغبة لديهم في تحقيق هذا الهدف من دون التوقف أمام تداعياته أو الاهتمام بالآثار التي قد تترتب على ذلك. إلا أن قراءة موضوعية واستشرافية لمثل هذا الحدث، لا يمكنها إلا أن تتوقف عند المآلات التي ستكون عليها المنطقة برمتها وليس فقط إيران.

حروب داخلية

فإسقاط النظام الإيراني القائم والقضاء عليه، لن يكون بالسهولة التي يتوقعها الراغبون به، لأن المؤسسات التي عمل النظام على بنائها خلال العقود الأربعة الماضية من الصعب عليها الاستسلام بسهولة. وهي من أجل الحفاظ على مكتسباتها والدفاع عن مصالحها، لن تتردد في اللجوء لأي إجراء مهما كانت تداعياته. أي إنها ستعمد لاستخدام ما في يدها من قدرات عسكرية وتنظيمية للتصدي وقمع محاولات التغيير، حتى وإن أدت إلى حروب داخلية. ولا شك أن منظومة السلطة الإيرانية أو الدولة العميقة قد وضعت الخطط العملياتية لمواجهة مثل هذه الاحتمالات، وقد فوضت القوى المحلية في كل الأقاليم الإيرانية باتخاذ الإجراء المناسب للحفاظ على النظام.

وإذا ما كان السيناريو الأول المتوقع هو حروب داخلية، فإن السيناريو الثاني الذي يقوم ويرتكز على السيناريو الأول، هو ذهاب إيران نحو التقسيم والتفكيك. ولمعرفة خطورة هذا السيناريو وأبعاده، لا بد من التوقف عند مسألة مهمة وأساسية في معرفة التركيبة السكانية وخريطة توزع القوميات داخل الحدود الإيرانية، كمدخل ضروري لمعرفة وفهم ما ستكون عليه الحال في حال ذهبت الأمور نحو التقسيم.

ولأن التقسيم في إيران لن يقتصر على حدود الهضبة الإيرانية، بل ستكون له تداعيات على كل خرائط المنطقة الجيوسياسية التي قامت منذ قرن مع اتفاقية سايكس– بيكو، لا بد من معرفة خريطة المستفيدين من هذا التفكيك والتقسيم ومن هم المتضررون.

وإذا ما توقفنا فقط عند خريطة توزيع القوميات الرئيسة في التركيبة الإيرانية، فإننا سنكون أمام خريطة جداً معقدة، تشمل كل المحافظات والمناطق الحدودية بين إيران والدول المجاورة لها، والتي تعتبر مناطق تداخل قومي بين إيران وهذه الدول، إذ تتوزع هذه القوميات على طرفي الحدود المشتركة. ما يجعل من العلاقة بينها وبين هذا الامتداد متداخلة بين الطموح الداخلي الخاص وبين الأبعاد الإقليمية أو المرتبطة بدول الجوار الإيراني. وهي خريطة تحتل فيها قوميات أساسية صدارة المشهد، وتملك القدرة على لعب دور محوري في مستقبل إيران والصورة التي ستكون عليها خريطة التقسيم المحتمل واستراتيجية تقليم أظافر إيران الداخلية.

ففي الشمال والشمال الغربي، هناك تمركز واضح لأبناء القومية الأذرية التركية في محافظات أذربيجان الشرقية والغربية وأرورميه وأردبيل وزنجان التي تشكل امتداداً طبيعياً لأتراك وأذريين دولة أذربيجان بقيادة إلهام علييف، وبالتالي فإن أي تفكيك لوحدة الأراضي الإيرانية يعني اقتراب علييف والقيادة الأذربيجانية من تحقيق حلم توحيد مناطق انتشار هذه القومية وإقامة دولة أذربيجان الكبرى. ولا شك أن هذا الطموح سيكون مدعوماً بوضوح من الحليف الأساس لباكو، أي إسرائيل التي تقيم علاقات استراتيجية عميقة معها، وقد ظهرت أثار ذلك في الهجوم الإسرائيلي على النظام الإيراني والتعاون العسكري والأمني الكبير بين الطرفين والذي ساعد في تسهيل مهمة الضربة الإسرائيلية في العمق الإيراني.

الحلم الأذري بإقامة دولة أذربيجان الكبرى، من المحتمل أن يولد صراعاً بينها وبين دولة تركمانستان من جهة، وبين أبناء القومية الأذرية والقومية التركمانية في إيران من جهة أخرى، بخاصة وأن مناطق انتشار التركمان في المحافظات الشمالية لإيران تعتبر مناطق تداخل مع قوميات أخرى مثل الكيلك والأذريين، وبالتالي فإن الأمور قد تذهب إلى صراع بين باكو وعشق أباد التي ترتبط أيضاً بتحالفات وعلاقات عميقة واستراتيجية مع تل أبيب.

وإذا ما كانت دولة أذربيجان تتصدر قائمة المستفيدين من هذا التفكك، فإنها تواجه معضلة قد لا تكون بسيطة مع المكون الكردي- الإيراني، لجهة التداخل في انتشار هاتين القوميتين، بخاصة بين محافظات الشمال والشمال الغربي والمحافظات الغربية لإيران التي تشمل كردستان وكرمنشاه وإيلام الكردية. وبالتالي فإن هذا التداخل قد يفجر صراعات على مساحات النفوذ وسلطة كل منهما.

الطموحات الأذربيجانية

وإذا ما كان حيدر علييف قد ذهب إلى خيار التحالف مع إسرائيل منذ الأعوام الأولى لإعلان إقامة دولة أذربيجان على أنقاض الاتحاد السوفياتي وتفككه، باعتباره خياراً استراتيجياً يضمن له توطيد علاقاته مع واشنطن والدول الغربية، ويوفر مظلة لاستمرارية نظام سلطته وسلاسة انتقالها إلى ابنه الرئيس الحالي إلهام علييف، فإن مساراً تاريخياً وأكثر رسوخاً قام بين إسرائيل والقيادة الكردية في محافظات الشمال العراقي الكردية، منذ محاولة إعلان الدولة الكردية في مهاباد مع قاضي محمد والملا مصطفى البارزاني، وصولاً إلى التاريخ الحالي، بخاصة بعد التغيير الذي حصل في العراق والقضاء على النظام السابق وتشكيل الدولة الفيدرالية العراقية، والذي لم تعد القيادة الكردية مجبرة على إخفاء هذه العلاقة والتعاون مع تل أبيب.

المصدر "اندبندنت عربية"