كبرياء رجل
في قلب العاصفة التي تهزّ الشرق، تتكشّف أوراق الزمن العربي المهترئ: دولٌ تستكين عند أقدام “الشرعية الدولية”، وأخرى تتربّص تحت عباءة العدو، وثالثة تمضغ صمتها بين فكيّ الخوف والتبعية.
لكن العاصفة هذه المرّة ليست عادية.
فالحرب بين طهران والكيان ليست مجرد تبادل نارٍ أو رسائل نارية تُحرَق في الظلال. إنها حرب تخلع أقنعة التوازن، وتفتح نوافذ الفرص على مصراعيها، وتضع العرب أمام سؤال وجودي لا مجال للهروب منه:
> “هل نبقى شهودًا على احتراق العالم من حولنا؟ أم نُمسك بالنار ونوجهها حيث يجب أن تحترق؟”
لسنا بحاجة إلى مبايعة إيران ولا تقبيل عمامتها…
ما نحتاجه فقط أن نُبصر جيدًا من يقف ضد عدونا، ومن يقف على ركبتيه أمامه.
أن نكفّ عن الغيبوبة السياسية التي تجعلنا نخشى الوقوف مع كل من يوجّه رصاصة نحو قلب المحتلّ، ولو كان بالأمس خصمًا أو غريبًا.
الكيان الغاصب لم يكن يومًا خصمًا لطهران وحدها.
هو غولٌ يمدّ يده في خاصرة كل عاصمة عربية، يزرع الفتنة، ويمتص السيادة، ويغرس سكاكينه في فلسطين كل يوم.
وكلما ارتجف من صاروخ، أو صرخ من ضربة، هرول إلى واشنطن، يستجدي حمايتها ويقتات من مالها وسلاحها.
فأيُّ فرصةٍ أنقى من أن يكون عدونا مكشوف الظهر؟ مستنزف الأعصاب؟
أيُّ لحظةٍ أكرم من لحظة التمزق هذه، كي يتجرأ العرب – ولو مرة – على الإمساك بالخيط ونسج ثوب قرارهم بأيديهم؟
العرب ليسوا بلا أنياب، كما يوحي ارتخاؤهم.
بل يملكون مفاتيحًا يُرعب بها العالم، لو شاءوا:
الطاقة: عصب الحياة العالمية، بيدهم، يسيل النفط من بين أصابعهم كالماء، لكنهم لم يرموا به في وجه أحد.
الجغرافيا: موقعهم أشبه بقلب العالم، لا تُبحر ناقلة إلا تحت أنظارهم، ولا تُحل أزمة إلا من ممراتهم.
المال: ثروات تُعيد تشكيل اقتصادات، لو استُخدمت كأداة ضغط بدل أن تُحشر في بنوك العدو.
الوجدان: شعوبٌ لم تمت، تئنّ وتبكي وتحلم… لكنها لم تَخُن.
أما العدو، فمهما صرخ وتوحّش، يبقى هشًّا:
يخاف من الزمن… لأن تاريخه مزوّر.
يخاف من المدى… لأن أرضه مسروقة.
يخاف من الصواريخ… لأن درعه حديدي ظاهري، ورقيّ في الأعماق.
يخاف من الوحدة… لأنها الكلمة الوحيدة التي لا يملك لها ترجمة.
والولايات المتحدة؟
ذلك التمثال المذهّب بدأ يُصدِر أصواتًا من الصدأ، تفرّغ من هيبتها على جبهات متعددة، وتغرق في تضخمها، وفي صراعاتها مع عوالم جديدة لا تأبه كثيرًا بمنطق الهيمنة القديمة.
فما الذي ننتظره؟
هل ننتظر أن تنتهي الحرب وتُحسم لصالح العدو، فنعود مجددًا نرثي غزة ونجمع تبرعات للدموع؟
أم نُدرك أن اللحظة الذهبية الآن، حيث كل ضربة على الكيان، مهما كان مصدرها، هي استثمار في أمننا، في كرامتنا، في مستقبل أولادنا؟
الحياد – في هذه المعركة – جبن مقنّع بثياب الحكمة.
والصمت – في هذه اللحظة – خيانة للصوت الذي يسكن أرواحنا منذ النكبة.
قفوا مع من يُقاتل عدونا، لا حبًا فيهم، بل كُرهًا في من احتلّ أرضنا، وقتل أحلامنا، وجعلنا أيتامًا على موائد الأمم.
إنها لحظة الانحياز. لحظة النهوض. لحظة الوعي بأن عدونا لم يعد وحيدًا… فلماذا نظل نحن وحدنا
المصدر: الفيسبوك – صفحة كبرياء رجل