النائب ولد سيدي مولود في مقابلة مع "الجديد نيوز" : لا توجد أغلبية حاكمة، ولا حزب حاكم بل أغلبيّة محكوم بها

 

ضيفنا في هذه المقابلة من جيل المعارضة الشابة، انتخب في السنوات الأخيرة.. عُرف بقول الحق والمنافحة عن مصالح الشعب بالبرلمان.

 

رسم ضيفنا صورة سوداوية عن الفساد بالبلاد، مؤكدا على خمس قطاعات لو نالت الاهتمام اللازم من طرف الحكومة لتغير الواقع نحو الأفضل: "نزرع مما نأكل، ندرس في مدرسة جمهورية، نتداوى في مستشفياتنا، نقوي أمننا وجيشنا، ونُوجّه المال اللازم لتعزيز العدالة"

 

رحب ضيفنا بالخطوات الأخيرة في سبيل مكافحة الفساد (الإقالات الجماعية  لبعض المسؤولين) مستدركا بأنها غير كافية، بل يجب أن تتواصل الحرب على الفساد، بشكل أكبر ويُحرّم تعيين المفسدين نهائيا .

 

 يرى ضيفنا أن المعارضة  في البرلمان لا تمثل  إلا 15%  وأنها  مشتتة في كتل وضعيفة، وأكد أنه على الناخب في المستقبل أن يراجع علاقته بمن ينتخبه، ولا يعطي صوته مقابل الترغيب بالمال، بل لمن يدافع عن مصالحه فقط.

 

ضيفنا في هذه المقابلة هو البرلماني العصامي المعارض الشاب: محمد الأمين ولد سيدي مولود .

 

المقابلة كاملة 

 

الجديد نيوز: الوضع السياسي ضبابي في البلاد.. فالمعارضة منقسمة، والأغلبية صامتة.

ما رأيكم في هذا التوصيف؟

أهلا وسهلا .. فعلا الوضع السياسي ضبابي في البلاد، وصحيح ما أوردتموه في تصنيفكم من أن المعارضة منقسمة، بل وضعيفة، حتى إن المعارضة التقليدية تقاعدت دون أن تسلم زمام الأمور للأجيال الجديدة، فالأحزاب التقليدية التي ناضلنا في ظلها وكنا وقودا لها في التسعينيات من القرن الماضي ومطلع الألفية، لم تستطع تجديد هياكلها ولا خطابها السياسي في الوقت المناسب، ومضى العمر، وتقدمت القيادات في السّن، وضعفت أمام النضال، وحاصرتها الأنظمة وشوهتها، وتقاعس عنها الرأي العام والجمهور، فتقاعدت لأسباب ذاتية تتعلق بقياداتها وخطابها، ولأسباب موضوعية تتعلق بالحرب التي تشنها الأنظمة المتعاقبة عليها، ولموقف الشعب منها حيث كانت تحاربها القوى التقليدية الاجتماعية والمالية والسلطوية.

المعارضة الجديدة أو الشابة مازالت تعاني انشطارا وفوضى وأنانية، نتيجة لمعاصرة أغلب قياداتها سواء المنتخبون منهم، أو المستقلون، ثم جاء الفضاء الافتراضي والأنشطة عليه في البث المباشر وغيرها  واكتفى كل فرد منهم بما يقوم به من توعية ونقد وتوجيه على الفضاء الاجتماعي، ولم يستطع أن يستوعب هؤلاء أنه بدون العمل الجماعي المنظم في أطر سياسية وقانونية، فإنهم لن يستطعوا تغيير الواقع، أما بالنسبة للأغلبية فهي ليست صامتة الصمت الإيجابي، بل إن رموزها في السلطة تطال أغلبهم تُهَمُ الفساد بما في ذلك من يتوخى منهم الرقابة، مثل بعض البرلمانيين المتورطين في صفقات فساد وصفقات مشبوهة، والجهاز التنفيذي المنبثق عن هذه الأغلبية، أغلبه تطاله تهم الفساد، وما تقارير محكمة الحسابات ومفتشيات الدولة والمفتشيات القطاعية منا ببعيد، هذه أغلبية مائعة تدور مع كل نظام حيث دار، تغرق الرؤساء بخطابات الولاء والتشجيع الوهمي وبنفخ المشاريع، وبتأليه الشخص الحاكم، ثم تتخلى عنه في أول لحظة، فيسبون الرؤساء ويلعنونهم، ويحملونهم ما لا يتحملون، فهي أغلبية مائعة باهتة إلا من رحم ربك، ومع ذلك هنالك أقلية نظيفة في الإدارة وفي السلطة وفي الوزارات وفي القطاعات، وحتى في الأغلبية السياسية حافظت على بعض ألقها وبعض نظافتها في خطابها السياسي وسلوكها في تيسير المهام.

وكما قلتم يبقى الوضع ضبابيا جدا ومفتوحا على كل الاحتمالات بما فيها السلبية جدا لا قدر الله. 

 

الجديد نيوز: يرى مراقبون أن الحوار المنتظر تأخر انعقاده كثيرا. هل الأسباب تعود للمعارضة أم للأغلبية، وما هي؟

 

بخصوص الحوار المرتقب وتعثر انطلاقه، هذه كلها أمور ترجع إلى الأغلبية وإلى النظام، لأنه لا توجد أغلبية حاكمة، ولا حزب حاكم، وإنما توجد أغلبية محكوم بها، وحزب حاكِم يدور مع كل حاكم حيث دار.

 التجارب السابقة مع هذا النظام مقلقة، فقد أطلق حوارا إدعى أنه سيكون شاملا قبل أربع سنوات، وأنه لن يستثني موضوعا، ثم أوقف هذا الحوار بصفة فجائية ودن أي مراعاة لاحترام الشركاء السياسيين في الوطن، ثم فشل الحوار الانتخابي الذي جرى بين الأحزاب ووزارة الداخلية، كل هذه تجاربُ وسوابقُ لا تشجّع على الثقة في النظام بخصوص أي حوار جديد.

الحوار الحالي لم يطلق بصفة موفقة، فقد تم حصر من يمثل الشعب في رؤساء الأحزاب السياسية ومرشحيها للرئاسيات، وإن كان هؤلاء يمثلون نخبة كثيرة من البلد، لكنهم لا يمثلون الشعب حصريا، فهنالك ـ أيضا ـ شخصيات سياسية مؤثرة ومنتخبون وسياسيون وكتل وجمعيات وحقوقيون.. يستحقون أن يستشاروا  في هذا الحوار.

ثم إن الجهات التي تولت الحوار لم يُستشر فيها السياسيون، وإنما تمّ تعيينها كما يتم تعيين الجهاز التنفيذي، ولم يتم تعيين شخص مستقل لتنسيق هذا الحوار، وإنما وقع الاختيار على شخص من الأغلبية الموالية للرئيس، وهو شخص كان نشطا في حملة رئيس الجمهورية، وهذا خرق آخر، كما أن السلطات لم تُولِي اهتماما كبيرا بما يكفي لإنجاح هذا الحوار، ولذلك فإن تأخر انعقاده وتعثره هو سلوك من سلوك السلطة والأغلبية، تعودنا عليه منهم، فلم يوفوا لنا بعهودهم، ولم يلتزموا بالتزاماتهم.    

 

الجديد نيوز: بحسب تقرير محكمة الحسابات الأخير، فإن الفساد مستشري في البلاد رغم الحرب المعلنة رسميا عليه. كيف ترون هذه المفارقة؟

 

تقرير محكمة الحساب الأخير، وتقاريرها قبل ثلاث سنوات، وتقارير مفتشيات الدولة، وتقارير اللجان البرلمانية، وتقارير المفتشيات القطاعية، وتصريحات رئيس الجمهورية، وتصريحات الوزير الأول الحالي والأسبق، وجميع الوزراء والسياسين ، تتفق جميعها على انتشار الفساد في البلد.

 الفساد وباء منتشر إلى أبعد الحدود في جميع مفاصل الدولة، لكن المشكلة ليست في هذا لأنه متفق عليه، المشكلة أنه يوجد فساد دون وجود مفسدين، فبين آلاف المفسدين المتورطين في عمليات الفساد، ومن بين مئات المليارات التي نُهبت خلال السنوات السبع الماضية إلى الآن، لا يوجد  شخص واحد معتقل في السجون الموريتانية بسبب الفساد، بناء على تقارير محكمة الحسابات الماضية أو الحالية، ولا على تقارير مفتشيات الدولة، وهنالك مسؤولون مازالوا إلى هذه اللحظة يتقلدون مناصب سامية، وهم مشمولون بتقارير محكمة الحسابات السابقة أو الحالية ،وكأن الفساد في موريتانيا كله يعود إلى عشرين شخصا التي أقيلت بالأمس.

إقالة المفسدين خطوة إيجابية، أنا أشجعها وأشجع إنزال أقصى عقوبة بمن يتم تورطه في عمليات فساد، ولكن هذه جزئية بسيطة جدا، وهذا عدد قليل جدا، وما تم إلى الآن لا يكفي سواء بناء على تقرير محكمة الحساب الأخير، أو تقاريرها السابقة، والتي شملت أشخاصا هم أعضاء الآن في الحكومة الحالية، ولذلك فالكلام عن الفساد دون فعل هو استهلاك سياسي فقط .

 

الجديد نيوز: يرى البعض أن الفقر يزداد، والخدمات تتدنى، رغم الثروات الهائلة، وقلة السكان. ماهي أسباب ذلك؟ وأبرز الحلول المقترحة من طرفكم؟

 

الفقر في موريتانيا يزداد رغم تضاعف الميزانيات، فميزانية موريتانيا سنة 2019 وهي فترة وصول الرئيس الحالي للسلطة، كانت 560 مليار أوقية، وميزانية العام الماضي 1170 مليار أوقية قديمة، هذا يعني أنها تضاعفت بأكثر من 100% وهو مالم ينعكس على تضاعف رواتب المعلمين، ولا الجنود، ولا الممرضين، ولا عناصر الحرس والشرطة والدرك، ولا موظفي الإدارة، ولا تحسنت ظروف المتقاعدين الذين يخدمون البلد 30 أو 40 سنة لم يستفيدوا من تقاعدهم إلا الازدراء من مؤسسات الدولة التي أفنوا أعمارهم في خدمتها، ومن الرأي العام، وقد تبلغ هذه المخصصات التقاعدية في بعض الأحيان 12000 قديمة .

إن تضاعف هذه الميزانيات يوازيه انتشار في معدلات الفقر والبطالة.

30 ألف شاب موريتاني في سنة واحدة تسلقوا الحائط الفاصل بين المكسيك وأمريكا، من بينهم حملة شهادات، وموظفون في الإدارة، والأجهزة العسكرية والأمنية، كلهم فروا بكرامتهم من جحيم الفقر والفساد هذا.

الرواتب في الحضيض، وسعر الأوقية ينهار، وقد كان ذلك ملموسا في الأسبوع المنصرم عند مقارنتها باليورو والدولار، كل ذلك بسبب الفساد وسوء التسيير.

المقترحات عندي هي أولا محاربة الفساد، ورفض إعادة تدوير المفسدين، فمن شملته تقارير محكمة الحسابات ومفتشية الدولة والمفتشيات القطاعية أو أحكام قضائية، لا ينبغي بل يحرم يعاد تعيينه، وهذا ما نراه مع الأسف، حيث يوجد أشخاص تمت إدانتهم قضائيا، وأشخاص تم تجريدهم، وأشخاص تم تورطهم طبقا لتقارير محكمة الحسابات وهي هيئة دستورية كما تعلمون، ومفتشيات الدولة، ومع ذلك تم تعيينهم وما زالوا إلى هذه اللحظة يحتلون الصدارة في المناصب وفي المجالس السياسية وحتى في المجتمع الذي عليه أن ينبذ المفسدين.

الحل أستاذي الكريم في محاربة الفساد، في توجيه المال إلى التعليم ثم التعليم ثم التعليم، وتوجيهه إلى الخطط الاستراتيجية  في الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي غذائيا، فعلا لا قولا، ثم في توجيهه إلى قطاع الصحة والتأمين الشامل، واكتتاب الأطباء والممرضين بمعدلات لائقة، وتغيير الأجهزة والتجهيزات، ومحاربة تزوير وتهريب الأدوية، ثم في توجيه المال ـ أيضاـ  إلى قطاع الأمن لتحسين ظروف عناصر الشرطة والحرس والدرك والقضاء .

هذه هي القطاعات الخمس التي ينبغي أن تُعطى لها الأولوية.

فحين نأكل مما نزرع، وندرس في مدرسة جمهورية تجمع أولاد الفقراء مع أبناء الأغنياء، ونتداوى في مستشفياتنا، ويوفر لنا الأمن، ونحظى بقضاء عادل، بهذه الأركان الخمس يمكن أن تنطلق دولتنا انطلاقة سليمة.   

 

الجديد نيوز: يرى البعض أن المعارضة في البرلمان الحالي ضعيفة الأداء، والأغلبية لا تتعاون معها كما يجب. كيف يمكن أن نغير هذه الوضعية لكي يكون البرلمان فعالا؟

 

هذا صحيح؛ المعارضة في البرلمان ضعيفة، لأنها معارضة قليلة ومعزولة، تمثل أقل من 15% من نواب البرلمان، وهي كتل متناثرة سياسيا مندثرة بين أربعة أو خمسة كتل، فهناك كتلة الصواب وإيرا، وكتلة تواصل وهي الأكثر، وأمل موريتانيا و كتلة AJDMR .. هذا يجعلها معارضة ضعيفة جدا، في مقابل 85% من الموالاة لا ترفض أي شيء باستثناء اثنين أو ثلاثة، وهم منبوذون في هذه الموالاة، وليسوا من المعارضة، وهذه من المفارقات السياسية.

الحل يكمن في أن يراجع الناخب لماذا ينتخب هؤلاء النواب، لماذا يمنح 85% للون سياسي واحد، هل ذلك لقناعته به أم لإنجازاته السياسية والتنموية أم لأسباب أخرى، إذا كان لإنجازاتها السياسية والتنموية فهذه معجزة، لأنه لا يوجد حزب في العالم يستطيع أن ينجز ما يَستحق عليه هذه النسبة المرتفعة، وإذا كان لأسباب أخرى منفعية أو قرابة أو شراء ذمم فعلى الناخب أن يراجع هذا الموقف، لأن هؤلاء النواب بينهم  من  تورطوا في صفقات مشبوهة.

 وصلوا للبرلمان بشراء ذمم الناخبين وأصوات الجهة  والقبلية أولأسباب  سلطوية، وآخر ما يفكر به أغلب الناخبين من الموريتانيين هو المصلحة العامة، متمثلة في الصحة والتعليم والزراعة والمعادن والصيد البحري ومصلحة أبنائهم ومستقبلهم، لذلك تجد الفرد نتيجة لفقره والضغط الذي يمارس عليه اجتماعيا وسلطويا، يبيع مصير أبنائه ومستقبلهم ليصوت لنائب لم يهتم قطّ بالشأن السياسي، أو ليصوت على الأصح لتاجر أو رجل أعمال، ليمكنه من رقبته خمسة أعوام، مقابل عشرة آلاف أوقية قديمة وأحيانا مقابل خمسة آلاف قديمة للصوت، وقد تهبط إلى ألفي أوقية.

الحل الأول هو أن يبدأ الناخب في مراجعة علاقاته بالمنتخب، فيجب أن يكون هنالك عقد اجتماعي، أنا أنتخبك مقابل الدفاع عن مصالحي والرقابة على الحكومة وعزل المفسدين وتعديل القوانين، إن قمت بذلك منحتك الثقة مرة أخرى، وإن عجزت عن ذلك عزلتك وجئت بنواب آخرين، أما حين أصوت لك لأنك أغريتني بمبلغ مالي زهيد، فلا أستطيع أن أحاسبك طيلة خمس سنوات، فقد بعتُ ضميري ومستقبل أبنائي في التعليم والصحة والزراعة والأمن بعشرة آلاف أوقية لن تسمن ولن تغني من جوع .