21 عاما على رحيل عرفات.. الجُرح الفلسطيني المفتوح لا يجد من يغلقه

21 عامًا مرَّت على رحيل الزعيم ياسر عرفات، الذي لم يغادر الذاكرة الفلسطينية، وفي ذكرى رحيله، يعود الحديث عن غيابه الذي لا يزال حاضرًا في كل انقسام وتشتت ومع كل حلم بوحدة القرار.

ياسر عرفات الذي جمع بين غصن الزيتون وبندقية المقاومة، ترك إرثًا أكبر من شخصه، إرثًا لا يزال الفلسطينيون يبحثون عن طريق لاستعادته.

وجاء في تقرير لمدير الأخبار بقناة «الغد»، الدكتور يوسف الأستاذ، أن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رحل ولم يرحل، فالجرح المفتوح لم يجد مَن يغلقه ولا مَن يداويه، وليس من طبيعة البشر أن يستذكروا راحلًا بعد أكثر من 20 عامًا استذكار حاجة إليه.

فعرفات لم يكن رمزًا وطنيًّا فحسب، بل كان تجسيدًا فرديًّا للوحدة الفلسطينية، يعرف متى يقول نعم فيُرضِي ويُغضِب، ويعرف متى يقول لا فيُرضِي ويُغضِب أيضًا.

«فتح» وغيرها من الفصائل الفلسطينية كانت معه وضده، ولا تجد مفرًّا من قدرته على الجمع فيما بينها.

«فتح» كانت موحدة بقيادته، لكنها ممزقة الآن، لا رؤية تجمع، ولا قيادة ترسم استراتيجيات الرفض والقبول في السياق الذي يجمع بين الممكن والمستحيل.

عصب الوحدة الوطنية

وبدلًا من أن تكون «فتح» عصب الوحدة الوطنية، صارت جزءًا من شتات الرأي والقول.

بغيابه قبل 21 عامًا، غابت الرمزية، وصار الفلسطينيون يتامى التيه والضياع لسنوات تعكس غياب الرؤية الواضحة، وخارطة الطريق إلى المستقبل.

رمزية عرفات كانت نقطة التقاء للجميع، يختلف معه الكثيرون ولا يختلفون عليه، الرمزية غابت، وغابت المؤسسة أيضًا، والجميع صاروا فرادى يتصارعون ويتناثرون.

القرار الفلسطيني الذي أمسك عرفات به منذ قمة الرباط في العام 1974 باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني يضيع اليوم، لتصبح إدارة الملف الفلسطيني شأنًا إقليميًّا ودوليًّا.

 غصن الزيتون

وفي خضم منعطف العام 1974، خاطب أبو عمار الأمم المتحدة من على منبرها، ورفع غصن الزيتون بيد وبندقية التحرير بالأخرى.

اليوم، ضل الذين رفعوا غصن الزيتون بمفرده كما ضل الذين رفعوا البندقية وحدها، وأصل الضلالة هو غياب استراتيجية وطنية تقوم على وحدة القرار ووحدة الطريق وإن اختلفت خطوات السائرين.

ولكن ماذا لو كان عرفات حاضرًا اليوم؟ ربما كانت فتح موحدة، وربما ظلت الحالة الفلسطينية في إطار واحد، وربما بقيت البوصلة الوطنية ثابتة، ومؤسسات القرار فاعلة، وربما امتلك الفلسطينيون موقفًا جامعًا وأقوى في المواجهة السياسية والميدانية.

رحل أبو عمار، لكن ظله لا يزال شاهدًا، رجلٌ يشبه فلسطين في عنادها، في جراحها، وفي قدرتها على النهوض من الرماد.

 

بعد 21 عاما على رحيل ياسر عرفات.. فلسطين تعاني جرحا لم يندمل وسط انقسامات بلا حلول

ياسر عرفات.. سيرة ومسيرة

ولد الرئيس الراحل ياسر عرفات في القدس في الرابع من أغسطس/ آب 1929، واسمه بالكامل محمد ياسر عبد الرؤوف داود سليمان عرفات القدوة الحسيني، وتلقى تعليمه في القاهرة، وشارك بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر في 1956.

درس عرفات في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، وشارك منذ صباه في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في صفوف اتحاد طلبة فلسطين، الذي تسلم زمام رئاسته لاحقًا.

كما شارك عرفات مع مجموعة من الوطنيين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» في الخمسينات، وأصبح ناطقًا باسمها عام 1968، وانتُخِب رئيسًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في فبراير/شباط 1969، بعد أن شغل المنصب قبل ذلك أحمد الشقيري، ويحيى حمودة.

ألقى أبو عمار عام 1974 كلمة باسم الشعب الفلسطيني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وحينها قال جملته الشهيرة «لقد جئتكم بغصن الزيتون في يدي، وببندقية الثائر في يدي، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي».

وبصفته قائدًا عامًّا للقيادة المشتركة لقوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، قاد أبو عمار خلال صيف 1982 المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، كما قاد معارك الصمود خلال الحصار الذي فرضته القوات الإسرائيلية الغازية حول بيروت طيلة 88 يومًا انتهت باتفاق دولي يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من المدينة.

حلَّ عرفات وقيادة وكادر منظمة التحرير ضيوفًا على تونس، ومن هناك بدأ استكمال خطواته الحثيثة نحو فلسطين.

وفي الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 1985، نجا ياسر عرفات من غارة إسرائيلية استهدفت ضاحية حمام الشط بتونس، وأدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من الفلسطينيين والتونسيين.

مبادرة السلام الفلسطينية

وعقب إعلان الاستقلال في الجزائر في الخامس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1988، أطلق عرفات في الثالث عشر والرابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول للعام ذاته في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة السلام الفلسطينية لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، حيث انتقلت الجمعية العامة وقتها إلى جنيف بسبب رفض الولايات المتحدة منحه تأشيرة سفر إلى نيويورك، وأسست هذه المبادرة لقرار الإدارة الأميركية، برئاسة رونالد ريغان، في 16 من الشهر نفسه، والقاضي بالشروع في إجراء حوار مع منظمه التحرير الفلسطينية في تونس اعتبارا من 30 مارس/آذار 1989.

وفي العشرين من يناير/ كانون الثاني 1996 انتُخِب ياسر عرفات رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية في انتخابات عامة، وبدأت منذ ذلك الوقت مسيرة بناء أسس الدولة الفلسطينية.

وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000 نتيجة التعنت الإسرائيلي وحرص ياسر عرفات على عدم التفريط بالحقوق الفلسطينية والمساس بثوابتها، اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2000، وحاصرت قوات ودبابات الاحتلال الرئيس عرفات في مقره، بذريعة اتهامه بقيادة الانتفاضة، واجتاحت مدنًا عدة في عملية أُطلِق عليها اسم «السور الواقي»، وأبقت الحصار مطبقًا عليه في حيز ضيق يفتقر للشروط الدنيا للحياة الآدمية.

في عام 2004 تدهورت الحالة الصحية للزعيم ياسر عرفات وأعياه المرض، وقرر الأطباء نقله إلى فرنسا للعلاج، وأُدخِل إلى مستشفى بيرسي العسكري، مع تزايد الحديث عن احتمال تعرضه للتسمم، وبقي فيه إلى أن استشهد فجر الخميس 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004.