يتوجَّه التشيليون إلى صناديق الاقتراع، الأحد، في انتخابات تهيمن عليها قضايا الجريمة والهجرة، مع أفضلية لمرشَّحة يسارية وآخر من اليمين المتطرف للتقدم إلى الدورة الثانية.
وعلى مدى العقد المنصرم، شهدت تشيلي، التي تُعدُّ من أكثر دول أميركا اللاتينية أمانًا، ارتفاعًا حادًّا في جرائم القتل والخطف والابتزاز، ما يثير الذعر والقلق لدى السكان.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن جانيت خارا، وهي شيوعية تبلغ 51 عامًا وتُعد المرشَّحة البارزة لليسار، ستفوز في الدورة الأولى، لكن الاستطلاعات تمنح مرشَّح اليمين المتطرف خوسيه أنتونيو كاست الأفضلية في الدورة الثانية الحاسمة في كانون الأول/ ديسمبر.
وقالت جاكلين روز (56 عامًا)، المؤيدة لكاست خلال آخر تجمع انتخابي له في سانتياغو هذا الأسبوع: «نحتاج إلى شخص يعتمد (في سياسته) قبضة من حديد».
ووعد كاست مؤيديه بأن «الثالثة (ستكون) ثابتة»، بعدما خاض الانتخابات الرئاسية أول مرة عام 2017، وفي 2021 حين خسر أمام غابريال بوريتش.
ويُمنع على اليساري الوسطي بوريتش، الذي أصبح قبل أربعة أعوام أصغر رئيس لتشيلي عن عمر 36 سنة، أن يترشح لولاية ثانية متتالية.
وحقَّق بوريتش خلال ولايته بعض التقدُّم في مكافحة الجريمة، إذ انخفض معدَّل جرائم القتل بنسبة 10 بالمئة منذ عام 2022 ليصبح 6 لكل 100 ألف شخص.
تعذيب
رغم ذلك، تبقى الجرائم مسألة أساسية بالنسبة للتشيليين الذين يهولهم العنف المتزايد من المجرمين، ويُحمِّلون المسؤولية في ذلك إلى عصابات آتية من فنزويلا ودول أخرى في أميركا اللاتينية.
وتعهَّد كاست، الذي يُعرف بـ«ترمب تشيلي»، بوضع حد للهجرة غير النظامية عبر تشييد جدران وأسوار وحفر خنادق على طول الحدود الصحراوية مع بوليفيا، وهي نقطة العبور الرئيسة للآتين من الدول الفقيرة الواقعة إلى شمال البلاد.
وقبل الانتخابات، أمهل كاست 337 ألف مهاجر غير نظامي لبيع ممتلكاتهم والعودة إلى ديارهم، أو التعرض للطرد وخسارة كل ما يملكونه في حال فوزه.
وشهدت الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية تقدم النائب الليبرالي يوهانس كايزر (49 عامًا)، المعروف بمواقفه الأكثر يمينية من كاست، والحادة في مسائل الهجرة والشيوعية والقيم العائلية.
اختبار لليسار
ويُنظَر إلى عملية الاقتراع الأحد على أنها اختبار لمستقبل اليسار في أميركا الجنوبية، بعدما تراجع في الأرجنتين وبوليفيا، ويواجه تحديات كبيرة في الانتخابات الكولومبية والبرازيلية المقرَّرة العام المقبل.
وقال الخبير في «المركز الأميركي للسياسة الاقتصادية والبحث»، غيوم لونغ، لوكالة فرانس برس، إن فوز اليمين المتطرف في تشيلي «سيكون له تأثير كبير على السياسة في أميركا اللاتينية».
وأضاف: «أعتقد أن تشيلي ستؤدِّي دورًا هجوميًّا للغاية على الساحة الدولية، على الأرجح في تحالف وثيق مع (الرئيس الأرجنتيني خافيير) ميلي و(الرئيس الأميركي دونالد) ترمب».
وتواجه المرشَّحة اليسارية خارا مهمة شاقة للتغلُّب على المواقف المناهضة للشيوعية والاستياء من أداء إدارة الرئيس بوريتش المنتهية ولايته.
وتفوَّق بوريتش، وهو قيادي سابق في الحركات الطلابية، على كاست في انتخابات 2021 من خلال تعهُّده إقامة دولة رعاية اجتماعية بعد تحرُّكات احتجاجية ضد عدم المساواة شهدتها البلاد قبل ذلك بعامين.
لكن رئاسته أُضعفت كثيرًا بعد رفض غالبية ساحقة من الناخبين دستورًا تقدُّميًّا جديدًا بعد أشهر من تولِّيه المنصب.
ظل بينوشيه
في حال فوزه، سيُصبح كاست أول رئيس من اليمين المتطرف منذ الديكتاتور أوغستو بينوشيه، الذي حكم البلاد بين عامَي 1973 و1990.
وسبق لكاست، وهو نجل جندي في الجيش الألماني إبَّان حكم أدولف هتلر، أن دافع عن بينوشيه، الذي أطاح بالرئيس الاشتراكي المنتخب ديمقراطيًّا سلفادور أليندي بانقلاب عسكري مطلع السبعينيات، وأرسى نظام حكم استبدادي وأشرف على قتل الآلاف من المعارضين.
أما خارا، فقد انضمَّت إلى الحزب الشيوعي وهي في الرابعة عشرة، لكنها خاضت الحملة الانتخابية كمرشَّحة معتدلة، مستندة إلى سجلِّها الإصلاحي أثناء تولِّيها سابقًا وزارة العمل، حين خفَّضت عدد ساعات العمل الأسبوعية من 45 إلى 40، ورفعت الحد الأدنى للأجور.
وتعهَّدت خارا بضمان أن «يكون في إمكان كل عائلة تشيلية تأمين مصاريفها بسهولة حتى آخر الشهر».
ولقي هذا التعهُّد صداه في صفوف المؤيدين، وقالت ميرييا أورتيز (76 عامًا)، التي تعمل في تنظيف المكاتب لتأمين مدخول إضافي إلى راتبها التقاعدي الضئيل: «الخبز غالٍ للغاية، السكر غالٍ، الشاي غالٍ، الفاكهة غالية، لذلك علينا أن نصوِّت لها!».
وتعتمد تشيلي هذا العام إلزامية التصويت للمرة الأولى منذ 2012، ما يُضيف نحو خمسة ملايين ناخب، وبالإضافة إلى اختيار رئيس جديد، سيقترع الناخبون لمصلحة أعضاء في مجلس النواب ونصف أعضاء مجلس الشيوخ.