المرحوم الخليل ولد الطيب: السياسي المجرّب الذي حوّل الألم إلى سكينة!! ــ الجديد نيوز

 
محمد ولد أعمر/ الجديد نيوز

 

ذاع صيته بفضل صراحته وجرأته كنائب برلماني يستخدم منبره التشريعي للنقد من الداخل بحثا عن الإصلاح الحقيقي..

 

صال وجال في سوح الحركة الناصرية وهو في ريعان شبابه،  تشرب تلك العقيدة الأيديولوجية ليس للتفاخر بها، وإنما للدفاع عن وطنه وأمته .

 

تعمقت روافده للفكر العروبي الناصري خلال دراسته الجامعية، حين التقى بناشطين في التيار وبدأ يضع الخطوط العريضة لرؤيته السياسة .

 

قاده الترحال السياسي إلى عدة أحزاب  حُظِر بعضها، وفرقت الرؤية للشأن السياسي بينه وبعض قادة أخرى .

 

في السطور التالية نقدم صورة قلمية عن السياسي الراحل الخليل ولد الطيب .

 

شخصية سياسية مرموقة 

لم يكن الراحل شخصية سياسية موريتانية ـ فقط ـ  بل مثل نهاية حقبة مزجت بين الفكر الناصري و العمل البرلماني والنضال الحزبي، جعلت منه رمزا من رموز الحركة الناصرية، وشخصية جسدت ما يمكن تسميته في السياسة بفن الممكن في بلد شهد الكثير من التقلبات.

 

كان سياسيا مخضرما، يعرف الساحة السياسية المحلية ومايسود فيها من تيارات فكرية، ورؤى سياسة تتصارع على بساط الديمقراطية الوليدة، وما يحفّها من أطماع مغلفة بحب السلطة والولاءات القبلية والأفكار الأيديولوجية .

 

ظل وفيا لمبادئه القومية؛ لايساوم عليها أبدا .. كان يؤمن بالثوابت الحضارية وينادي بالحرية، و قف ضدّ الاستبداد، وتقاسم مع رفقائه في التيارالناصري خبز السياسة حافيا، لكنه كان مغموسا في الكبرياء.

النشأة ... والمسار السياسي الصّعب

ترعرع المغفور له الخليل ولد الطيب في بيئة محافظة بمقاطعة "كرو" ... حفظ القرآن وهو صغير، وتضلع من العلوم المحظرية، 

دخل التعليم النظامي وقاده المسار الدارسي  لمعهد بتليميت  بعد نجاحه في مسابقة شهادة ختم الدروس الإعدادية .

 

كان متقد الذكاء؛ كما يصفه من عرفه،واصل دراسته في شعبة الرياضيات في الثانوية عقد السبعينات .

 

عرف السجون خلال دراسته الثانوية مع رفاق له في الحركة، وتعرض لصنوف التعذيب في الثمانينات من القرن المنصرم، بسبب النضال في الحركة الناصرية وأكمل دراسته ليتخرج أستاذا مساعدا.

 

بعد انقسام التيار الناصري، مثل المرحوم حلقة وصل بين قادة الحركة ونظام الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع في مرحلة العهد الديمقراطي، حيث كان من مؤسسي الحزب الجمهوري، ودخل بعض رفاقه بالحكومة، لكن شهر العسل هذا لم يدم طويلا، فقد استقال رفاقه من مناصبهم الحكومية وأسسوا حزبا أطلقوا عليه: التحالف الشعبي التقدمي.

مواقف شخصية خالدة ...

من المواقف الخالدة للمرحوم  الخليل وطنيا، رفضه للتعيين كوزير من طرف ثلاثة رؤساء هم: معاوية ولد سيد أحمد الطايع، والراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله، والرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وهذا موقف نادر جدا في زمن تطغى فيه الولاءات الشخصية، وحب المادة والمظاهر بالبلد، فضل ولد الطيّب أن يبقى صوتا حرا يدافع عن قناعاته دون منة تجبره على الدفاع عن سياسات من قلده المنصب الرفيع.

من مواقفه القومية الخالدة عربيا، قراره مقاطعة قمة المناخ في مراكش، احتجاجا على رفع العلم الإسرائيلي خلال انعقادها، حيث قال في بيان له وقتها:"لا أرضى بأن تطبع سماء دولة عربية بوجود علم كيان أعتبره غاصبا".

يتفق كثير ممن زاروه في مرحلته الاستشفائية الطويلة بالخارج، أنه كان صبورا وشكورا ولا يبدي تذمرا رغم استفحال المرض وشعوره بأنه يحزم حقائبه لمغادرة دار الفناء .. إنها قدرة المؤمن الذي يرى الشكر مفتاحا للصبر في انتظار الفرج .

الخليل ...السياسي المجرب

يقول الخليل النحوي في تقديمه لمذكرات الراحل التي صدرت قبل وفاته وحملت  عنوان (سيرة ومسيرة)  "إنها  ليست مجرد سيرة ذاتية، بل  قطعة من تاريخ موريتانيا، ولقطات من تاريخ الأمة العربية والقارة الإفريقية، كما رصدها سياسي مجرّب.

وأنها رحلة في الزمان والمكان، تبدأ من فتى موريتاني يقتحم أحراش الحياة، إلى دولة فتية تحاول شقّ طريقها وسط وعورة الطريق وتقلبات الزمن"

ويشيد الخليل النحوي بصبر الخليل وجَلَده، وبقدرته على تحويل الألم إلى سكينة وطمأنينة، خصوصًا على سرير المرض وهو يصارع داء عضالا مستفحلا.

ويؤكد ن مذكراته تكشف عن رصيدٍ من الصبر والإيمان والشكر، وأنها كُتبت بمداد من اليقين حلّ فيه الشكر محل الشكوى.

ويرى النحوي في نصوصها إشراقات أدبية، وأسلوبًا يزاوج بين السياسة والشعر بنفس عربيً عميق.