مـحّــم ولد الطيب من مواليد (1985) بمدينة مقطع لحجار أستاذ في الفلسفة وكاتب ينحاز إلى الأجناس الأدبية الحديثة، فيبحر قلمه بين الهايكو والومضة والقصة القصيرة جدا..
ألف العديد من المجموعات القصصية والدراسات الفكرية (قيد النشر) حاصل على المركز الأول في مسابقة مضمار البيان، والثاني في مجال القصة القصيرة جدا من مجلة "أنامل الإبداع" والترتيب الثالث في مسابقة شعر الهايكو من "منتدى الجياد للثقافة"
التقته (الشعب) بغية تسليط الضوء على مشاركاته الخارجية ومعرفة المزيد عن لونه الأدبي المُفـضّــل (القصة القصيرة جدا) وهو يبحث له عن مكان في مجتمع يعلي الثقافة الشفهية على ما سواها.
فكان لنا معه الحوار التالي:
الجديد نيوز: في البداية نرحب بكم على صفحات جريدة (الشعب) ونبدأ بالسؤال التقليدي الذي يبقى مهما على كل حال؛
كيف يعرف الكاتب محم ولد الطيب بنفسه،ومتى اكتشف موهبته السردية؟
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على من بعث رحمة للعالمين
أولا أشكركم جزيل الشكر على الاستضافة الكريمة التي أتَـحْــتُـــم لنا من خلالها فرصة ثمينة نعبر من خلالها عن فكرنا ورؤانا المتواضعة بطريقة حرة.
كما أشكركم على دوركم الريادي في خدمة الوطن واهتمامكم الكبير بالمثقفين والكتاب والأدباء على اختلاف مشاربهم الفكرية.
أما بخصوص سؤالكم فإنني أقدم نفسي بوصفي قاصا وكاتبا قد وضع قدمه على بداية طريق الكتابة، ولا أرى أنني موهوب- كما تفضلتم- بالمعنى الذي تدل عليه الموهبة في حقيقتها، ولذلك كنت أرى أن السؤال كان ينبغي أن يكون: كيف بدأت الكتابة، ومنذ متى ظهر اهتمامي بالكتابة السردية؟ هذا لكي يكون السؤال أكثر إنصافا لوصف قدراتي المتواضعة.
بالنسبة للكتابة بدأتها منذ 2011، حينما كنت على أبواب التخرج من جامعة نواكشوط، هذا على الرغم من أن محاولات الكتابة عندي قد بدأت بوادرها الأولى قبل ذلك حين كنت أحضر للباكالوريا، كنت حينذاك أكتب نصوصا أحاكي فيها مقامات الحريري، وبديع الزمان الهمذاني، لكن بداية كتاباتي بشكل فعلي بدأت 2011، حينها كنت قد شرعت آنذاك في تأسيس مكتبة خاصة بي وبدأت حينها أطالع؛ لأنني كنت أدرك تمام الإدراك أنه لا سبيل لي للمحافظة على مكتسباتي العلمية من الجامعة وصقلها إلا بالمطالعة المستمرة، فكنت أزور المراكز الثقافية في نواكشوط على غرار المركز الثقافي المغربي، والمركز الثقافي المصري، وأقرأ كتبي في المنزل، فلم تمر فترة وأنا على هذه الحال حتى ظهرت عندي رغبة جامحة إلى الكتابة، فكنت أكتب المقالات على الورق، لا لشيء إلا لأكتبها، إلا أنني ما لبثت أن أدركت ما في المقالات من قصور عما أريد التعبير عنه بشاعرية، فقادني ذلك إلى التفتيش عن كتب أدبية من شأنها أن تكسبني مهارة و ثقافة أدبية تخولني أن أكتب ما أريد، عندها اكتشفت جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة ، وعباس محمود العقاد ومصطفى لطفي المنفلوطي، وكتابات لبعض المفكرين العرب أمثال محمد عابد الجابري، ومحمد أركون ، وفؤاد زكريا، وغيرهم، فكان هذا الخليط حافزا كبيرا تفجرت من خلاله قريحتي بالكتابة، فانطلقت منذ ذلك الحين ضمن مشوار الكتابة، ولا زلت أطمح إلى تطوير خبراتي في الكتابة الأدبية يوما بعد يوم.
الجديد نيوز: في مجتمع يعلي الذائقة الشفهية؛ أي دور للقصة القصيرة جدا؟
صحيح، المجتمع الموريتاني تطغى فيه الذائقة الشفوية ويبدو اتساعها وانتشارها أكثر من غيرها، ولعل هذا هو السبب في شبه التراجع الملحوظ لحضور القصة القصيرة جدا التي لا يزال كتابها في موريتانيا يعدون على الأصابع، لكن هذا طبيعي من وجهة نظري، خاصة إذا علمنا أن القصة القصيرة جدا هي فن أدبي جديد موجه بالدرجة الأولى إلى الطبقة المثقفة التي قطعت أشواطا لا بأس بها في مجال الكتابة الأدبية، ولذلك كان طبيعيا أن التربة الثقافية والأدبية الموريتانية ما تزال تتمنع عن استقبال القصة القصيرة جدا، ولعل ذلك ناتج عن أمرين: أولهما الكسل الكبير الذي يسيطر على طائفة كبيرة من الشباب الموريتاني من جهة، ومن جهة أخرى لانقسام الناس بين اهتمامين أساسيين: من يركزون جل اهتمامهم على الفنون الشعبية الشفهية، ومن قصروا اهتمامهم على القصة القصيرة، والرواية والشعر العمودي.
ليس هناك تعارض بين هذا كله، لكن كل هذا ساهم في ضبابية مستقبل القصة القصيرة جدا في موريتانيا، وشل عجلة تطورها.
الجديد نيوز: ماهي بدايات ظهور هذا الجنس الأدبي في بلادنا؛ ومنهم رواده الأوائل؟
بالنسبة للقصة القصيرة عرفت انتشارا كبيرا في بلادنا منذ التسعينيات من القرن الماضي ، ولها كتابها الذين حظيت معهم بإقبال كبير، فظهرت مجموعات قصصية نذكر منها:العبور للجسر الآخر لجليلة منت معلام، وانتظار الماضي للكاتب أحمد ولد إسلم ومجموعات أخرى.
في حين أن القصة القصيرة جدا، والتي تعرف أدبيا بـ " الققج" ، والتي لا تزيد كلماتها على 50 كلمة، فيعود ظهورها بشكل فعلي في العالم العربي إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولظهورها أسباب يضيق المقام عن ذكرها، ولها روادها المعروفون أبرزهم: العراقي نوئيل رسام، واللبناني توفيق يوسف، كما ذكر ذلك الناقد العراقي عباس عجاج في كتابه " مقاربات نقدية في إشكاليات القصة القصيرة جدا ".
أما في موريتانيا فما يزال هناك شبه غياب لكتاب القصة القصيرة جدا، باستثناء قلة قليلة .
أما روادها في موريتانيا فليس هناك رواد يمكن إعزاؤهم للقصة القصيرة، إلا أننا مع ذلك استطعنا رفقة بعض الزملاء الشباب من كتاب القصة القصيرة جدا أن نؤسس منتدى أدبيا يولي اهتماما كبيرا للقصة القصيرة جدا، سميناه "المنتدى الموريتاني للأدب والثقافة " ولازلنا نسعى إلى تطوير هذا الفن وإرسائه في التربة الأدبية في موريتانيا.
الجديد نيوز: المتأمل للمشهد الثقافي العربي يلاحظ عودة القصة القصيرة إلى الواجهة بعد هيمنة الرواية.
ما تفسيركم لذلك؟
ربما يكون هذا صحيح، لكن لا ينبغي أن ننسى أن الأدب هو نبض الحياة أو هو الحياة نفسها، فهو إن لم يكن كذلك فهو كائن حي كغيره من الكائنات الحية لها دورة حياة خاصة بها ، فترى هذا الجنس الأدبي يصعد ويختفي الآخر ، لا ليختفي نهائيا، وإنما ليعود متى ما ألحت الحاجة إلى ظهوره، وهذا ما نلاحظه مثلا في موريتانيا، ففي فترة معينة كان هناك سيطرة تامة للشعر العمودي، إلى حدود مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ، بدأ بعض الشباب الذين سافروا إلى الخارج واحتكوا بالثقافة العربية الوافدة، يضيقون ذرعا بالشعر، ويسعون إلى التخلص من هيمنته فكان ذلك مناسبة لميلاد القصيدة الموريتانية الحديثة، وظهور أول رواية موريتانية؛ تلك التي كتب الشاعر أحمد ولد عبد القادر(الأسماء المتغيرة)، وهكذا بدأت الرواية تشق طريقها بفضل الله.
لكن ظهور القصة القصيرة مجددا إلى الواجهة، وطغيانها على المسرح الثقافي له ما يبرره خاصة أن القصة القصيرة من ناحية الحجم أقل من الرواية، فيمكن أن تعالج حدثا أو قضية ما ومع ذلك لا تأخذ كتابتها من الكاتب من الوقت ما قد تأخذ منه كتابة رواية، مع أن القصة القصيرة أدق تعبيرا وأقل تكلفة، كما أن هناك عامل آخر يعزز سيطرتها وهو تشجيع المؤسسات الثقافية عن طريق المسابقات العديدة، ورصد الجوائز التي قد تغري بعض الشباب بالانخراط في دوامة هذا التنافس، لكن هذا لا يعني البتة أن الرواية قد تراجعت أهميتها أو تناقصت، وإنما هو أمر تفرضه الحياة الاجتماعية العصرية، ولذلك فالقصة القصيرة تتعايش جنبا إلى جنب مع الرواية، وكيف لا؟ وهي البنت الشرعية لها، ولا غرابة أن تشاطر البنت أمها الأعمال، أو تنوب عنها حتى ، في بعض الأعمال التي قد لا تجيدها أو لا تقدر على تأديتها.
الجديد نيوز:هل أنتم مع الطرح الذي يقول: إن القصة القصيرة جدا،جنس أدبي هجين يلتقي
مع الشعرالنثري في التخييل والغموض؟
قبل الجواب عن هذا السؤال أقول إن الغموض أسلوب خاص يتبناه بعض الكتاب إراديا أو لا إراديا، ولهم فيه مآربهم الخاصة، لكنه ليس سمة أدبية لصيقة بجنس أدبي محدد.
صحيح أن القصة القصيرة جدا (الققج) أحيانا تتميز ببعض الغموض، ويعود ذلك إلى صغر حجمها بحيث لا تزيد كلماتها على 50 كلمة، الأمر الذي يفرض على الكاتب لكي يعبر عن فكرة كبيرة في كلمات قليلة إلى أن يلجأ إلى الرمز واستلهام أساطير قديمة وتوظيفها أدبيا، لتعطي للقصة أفقا أوسع، وتوسع من دائرة التأويل، لكن مع ذلك بمجرد أن نهتدي إلى خيط الرمز أو الأسطورة ، عندها يمكن فك طلاسمها بسهولة، فقارئ القصة القصيرة جدا بطبيعته مثقف، زيادة على ذلك لا بد أن يكون العنوان الخاص بالقصة دالا لأنه هو المفتاح، ولأنه من المفروض أن يكون متغلغلا في أروقة القصة بشكل عام، وليس عنوانا عشوائيا، كما أن أنه لا بد للكاتب من وضع قرينة تفسر مراده، وإلا تحول ترميزه إلى عبث لا طائل من ورائه.
أما بخصوص التقاء القصة القصيرة جدا، وقصيدة النثر في الغموض، فإنني أرى أن هذين الجنسين الأدبيين من إفرازات الحداثة ومن ثمرات الحرية الفكرية ، وأنهما محاولتان لإشراك أكبر كم من الناس في الحدث الأدبي، لكنهما مع ذلك ظلتا جنسين أدبيين لم يتقبلهما المتلقي العربي بصدر رحب حتى الآن، لكن المثقفين لا ينفكون يحاولون فرضهما في الساحة الأدبية رغم تمنعهما، لكن على الأقل من ناحية استشرافية أرى أنه عن قريب ستحدث هجرات أدبية جماعية كبيرة نحو هذين الجنسين الأدبيين لما يحظيان به من أهمية تتزايد باضطراد.
الجديد نيوز: هل لهذا اللون الأدبي علاقة بالإيقاع السريع للزمن المعاصر؟
نعم، وهذا شأن الأدب الوجيز بشكل عام الذي يضم القصة القصيرة جدا، والومضة والأقصوصة، والهايكو إلى حد ما، هو تناغم مع إيقاع الحياة المعاصرة التي تمتاز بالتعقيد والسرعة، بحيث لم تعد المشاغل تسمح دوما للفرد بالجلوس ساعات طوالا لقراءة صفحات من كتاب معين، لكن هذا لا يعني أن الإيجاز الذي يتميز به هذا الأدب يشكل نقصا من قيمته، وإنما هو تعبير ساطع عن مدى قدرة الأدب على التكيف مع تحولات الحياة، وتأكيدا لا يدع مجالا للشك أن الأدب ليس مجالا جامدا لا يطاوع الإنسان في تلبية احتياجاته الفكرية والاجتماعية المعاصرة، وإنما هو مرآة يتصفح فيها الناس صورهم كما يقول طه حسين.
وأعتقد أن الأدب الوجيز بما فيه القصة القصيرة جدا، أضحى موضة الأدب اليوم وواجهته المشرقة، ولعل هذا ما يفسر صعود مؤسسات عديدة لتطويره في العالم العربي، كرابطة القصة القصيرة جدا في سوريا، والرابطة اليمنية للقصة القصيرة جدا، ورابطة القصة الومضة، ورابطة السرد في العراق والعالم العربي....إلخ.
الجديد نيوز: تتعدد مدارس القصة القصيرة؛فهل تصنف نفسك ضمن واحدة منها؟
هناك فعلا كما تفضلتم تعدد في مدارس القصة القصيرة، هناك تعدد على مستوى المضمون والشكل، وعلى المستوى الزماني والمكاني، لكن هذه المدارس كلها وإن اختلفت رؤاها يمكن تلخيصها مجتمعة في رؤيتين أساسيتين : رؤية تعتبر القصة سردا مملا يميل فيه الكتاب إلى استعراض عضلاتهم اللغوية ، والتفتيش بين قبور اللغة عن كل لفظ منقرض ، وإلى استخدام الجمل الطويلة والإفراط في الوصف والتلاعب بالصور البلاغية، أي أن القصة القصيرة عند هذه المدرسة تولي اهتماما للشكل على حساب المضمون، وهذه سمة من سمات القصة التقليدية، التي ظهرت مع بدايات القصة مع جبران خليل جبران وغسان كنفاني وتوفيق الحكيم مثلا.
أما الرؤية الثانية فتمثل القصة الحداثية التي تميل إلى التكثيف المركز الذي لا حشو فيه والابتعاد نسبيا عن التشبيهات والتكلف، ومن سماتها الترميز واستحضار الأساطير وتوظيفها أدبيا وبشكل راق.
أما أنا وإن كنت أرى نفسي ما زلت أحبو في هذا المجال فإنني أرى نفسي أميل إلى رؤية المدرسة الحداثية للقصة القصيرة.
الشعب: ماهي المسابقات والملتقيات التي شاركت فيها؛ وهل صقلت تجربتك الإبداعية؟
بالنسبة للملتقيات فلم أشارك في ملتقى خارج الوطن، لكنني أطمح في المستقبل القريب المشاركة في بعض الملتقيات الإقليمية.
أما على المستوى الوطني فإنني أحضر جل الملتقيات ما وسعني ذلك.
أما بخصوص المسابقات فقد شاركت في مسابقات دولية ووطنية وفزت في بعضها وأخففت في الآخر، وأبرز هذه المسابقات هي مسابقة خبر الإعلامية في العراق ومسابقة واحدة الأدب في الكويت للقصة القصيرة جدا ، والمسابقة 14لملتقى ابن النيل في مصر والتي تم تكريمي فيها عن قصتي أقدار محتومة، كما شاركت في المسابقة الدولية للقصة القصيرة المنظمة من طرف الاتحاد الدولي للمثقفين العرب مرتين وفزت في الأولى بالمركز الرابع من أصل 203متسابقا، والمركز الثامن في الثانية .
كما فزت بالمركز الأول لمسابقة الخاطرة الأدبية المنظمة من طرف" ملتقى الأدباء والمثقفين العرب " وغيرهم من المسابقات التي صقلت موهبتي كثيرا واطلعت من خلالها على أشياء كثيرة ما كنت لأطلع عليها لولا هذه المسابقات.
وهذا التلاقح الفكري المثمر، وروح التنافس الإيجابي النزيه.