حرية التعبير في موريتانيا.. هل تعود عقبة الملف الأمني مجددا؟

موسى أعمر 

في كتابه "قصتي مع الفساد.. مسيرة بين الإدارة والسياسة" توقف الوزير السابق والكادر المالي المحترم، سيدي ولد احمد ديه؛ مع نكتة سيطرة الملف الأمني -في عديد الأحيان- على عقليات ساكني القصر الرمادي، كلما تقدم بهم عمر الحكامة، مستعرضا الفرق الشاسع بين شخصيتي الرئيس السابق معاوية ولد الطايع المختلفتين؛ انفتاحا خلال ترؤسه الوزراء (1981-1984)، واستفراغ طاقةٍ في تتبع التقارير الأمنية إبان توليه رئاسة الدولة (1984-2005). 

ولعل معالي الرئيس السابق؛ معاوية ولد الطايع لم يكن بِدعا من سابقيه ولاحقيه في توجهه المؤثر على حرية التعبير في البلاد سلبا، وعلى ذلك تشهد سير وكتابات رجالات الدولة الأوائل، وأحداث الحاضر القريب. وفي خضم الواقع المعاش؛ لوحظ أن احتراما لحرية التعبير -وإن بوجود شوائب- برز خلال السنوات الأخيرة؛ نتيجة عوامل مترابطة، منها وعي شعبي متزايد، ومناخ دولي طارد للأفكار الدكتاتورية، وإرادة سياسية متفهمة لحاجة الشارع. 

ذلك الواقع جعل أي تغير في المسار؛ يلفت الانتباه، وفي ضوء ذلك يملي التأمل في واقع البلاد خلال الأشهر الأخيرة؛ طرح سؤال: "هل تعود عقبة الملف الأمني مجددا لتعيق مسار تطور حرية التعبير في موريتانيا؟".

 هذا السؤال يجد بواعث عديدة، منها الخطابات الرسمية التي رفعت خلال الحملة الانتخابية الأخيرة للمرشح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، حيث لوحظت شعارات وخطب أمنية بارزة، أُسبقت وأُلحقت بتحركات أمنية غير مألوفة، بما فيها الاستعراضات الأمنية المتزامنة مع الانتخابات، وقطع شبكة الإنترنت، واعتقال العشرات لمدة أيام، وإطلاق سراحهم لاحقا؛ دون إحالة أي منهم للعدالة. 

 وفي أعقاب ذلك، ورغم انتهاء فترة التربص الرئاسي، وتسلم الرئيس مقاليد الحكم لمأمورية ثانية، وتعيين حكومة جديدة؛ ما تزال أجهزة الأمن تواجه كل احتجاج في الفضاءات العمومية بالمضايقة، والقمع أحيانا، ولم ترخص أي مسيرة احتجاجية منذ ما قبل الحملة الانتخابية، يونيو الماضي، وما يزال السوق المركزي في العاصمة مغلقا أمام عبور السيارات، منذ ما قبل الحملات الانتخابية؛ في خطوة رغم ارتباطها زمانا بالانتخابات فإنها تمثل عائقا أمام حرية المواطنية في الحركة والتنقل كذلك، وتسبب إجهادا لعدد كبير منهم بسبب طول المسافة المُرغم على قطعها سيرا على الأقدام. 

ورغم وجود فصل ملاحظ -نوعا ما- بين الإدارتين الأمنية والسياسية في البلاد، خلال المأمورية الأولى للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛ فإن ممارسة عديد الحقوق، والوصول لأخرى؛ ظل رهينا بتوصيات عليا، تزيح -مؤقتا- "الحاجز الأمني" عن طريق ممارس الحق. 

ومع ملاحظة أن الأمد الزمني المشار إليه أعلاه كإطار للأحداث المُساقة؛ قصير وحساس، فإن آمادا مماثلة مرت سابقا، وفي فترات زمنية مختلفة؛ دون كثير ضجيج أو بالغ عسكرة للميادين العامة.