معالي الوزير: محممد فال ولد بلال
شهدت موريتانيا تباعا أنظمة سياسية مختلفة خلال تاريخها:
- التعددية الحزبية (1945-1964)،
- الحزب الواحد (1964-1978)،
- أنظمة استثنائية تمنع إنشاء الأحزاب السياسية (1978-1991)،
- ثم العودة إلى التعددية الحزبية (منذ 1991).
في محاولته إنجاز تحول ديمقراطي يجمع بين التعددية الحزبية والأمن والاستقرار، أسس الرئيس معاوية، حفظه الله، "حزب الدولة" أو "حزب الرئيس" أو "الحزب الحاكم"، وجعله أداة مؤسسية وضمانة مهمة لما أسماه "التغيير في ظل الاستقرار". به وعليه، استطاع أن يقود الساحة السياسية قرابة 15 عاما بلا منازع، منهجا بعض الانفتاح والتشاور مع بعض الأحزاب ضمن ما يسمى بالأغلبية الرئاسية. وقد أظهر الحزب بعده قدرة فائقة على التكيف حتى اقتنع الموريتانيون بوجود "ماكينة" شرسة أطلقوا عليها أسم "حزب الحاكم"، لا محيد عنها ولا مفر منها إلا إليها، باقية ما بقيت الدولة ورئيسها، ومنتصرة في كل الأحوال. انطلقت الآلة العملاقة من بوابة "الحزب الجمهوري" في عهد الرئيس معاوية، ثم تحولت إلى "عادل" في عهد الرئيس سيدي، رحمه الله، ثم "الاتحاد" في عهد الرئيس عزيز، لتصبح "إنصاف" في عهد الرئيس غزواني.
من هنا 2019 بدأ المشهد السياسي يتحرك تدريجيا من الصراع إلى التهدئة، ثم إلى السلم، ثم إلى الحوار والتشاور في ما يشبه "نظام التعاون متعدد الأحزاب والتشاور السياسي" القائم في جمهورية الصين الشعبية. نعم، هذه ليست غلطة ولا ضحكة ولا زلة قلم. إنها الحقيقة برأيي المتواضع، أقولها وأمضي. بصرف النظر عن الفوارق بين موريتانيا والصين - وهي كثيرة جدا، إذ لا مقارنة بين البلدين - هناك أوجه تشابه بين النظامين على الصعيد السياسي، أذكر منها على الأقل 5 قواسم مشتركة:
- مجتمع هرمي يعتني بالمركزية والسلطة والجماعة أو المجموعة أكثر من اعتباره بالفرد.
- الرهبة والرغبة إزاء الدولة وما يتعلق بها وما يصدر عنها من أقوال وأفعال.
- التعددية السياسية، 8 أحزاب في الصين و 21 حزبا في موريتانيا.
- قيادة حزب الدولة بلا منازع، وهو الحزب الشيوعي عندهم، وحزب الرئيس أو الحزب الحاكم عندنا.
- التعاون والتشاور السياسي بين الأحزاب المعترف بها تحت رئاسة حزب الدولة، وذلك هو التطور الإيجابي الذي جاء به الرئيسان محمد ولد الشيخ الغزواني، حفظه الله، و شي جي بينغ.
ويجسد هذا النظام مفهوما سياسيا يوائم بين تعددية الأحزاب والتشاور السياسي من جهة، وبين قيادة حزب الدولة من جهة أخرى؛ حيث يلتزم حزب الدولة بروح التعاون والمشاركة والتشاور ومبدأ التفاهم مع الأحزاب المشرعة الأخرى مقابل التزامها بالرضا بقيادته. ويلتقي الجميع ضمن هيكل سياسي غير مصنف للتشاور في جلسات حوار مائع، وجلسات استماع، و منسقية أحزاب موالاة، ومعارضة الناصحة، إلخ. و غير ذلك من الأشكال التي تتيح لحزب الرئيس ممارسة الحكم ومشاركة الأحزاب الأخرى في الرأي دون إزعاجه أو مزاحمته أو المساس بتفوقه أبدا.
وقد شاهدنا شيئا من ذلك في منتديات الحوار 2012-2014- 2016، والجلسات التي انعقدت قبل انتخابات 2023 و 2024 ومخرجاتها بخصوص الإصلاحات التي طرأت على النظام الانتخابي، وتزكية المرشحين لرئاسة الجمهورية، إلخ .
اليوم يبدو حزب الرئيس أكثر استعدادا من أي وقت مضى لتوفير مساحة أوسع وضمانات أكثر للأحزاب الأخرى للعب دورها بشكل أفضل على نحو ما يقيمه الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب السياسية 8 الأخرى من تضامن وتعاون في ممارسة سلطة الدولة، وما يتيحه ذلك من تشاور وتماسك وتصحيح للأخطاء؛ لكنه يبدو في ذات الوقت أكثر تشددا وصرامة وعزيمة فيما يتعلق بالسيطرة على الأرزاق والأعناق. وقد بدا شيء من ذلك أثناء انتخابات 2023 عندما قالوا: من ليس معنا فهو ضدنا! إما الحزب وإما المعارضة! بين هذا وذاك، لا أحد يدري إلى أين تتجه التجربة الديمقراطية الموريتانية غدا؟ هل يستمر نموذج التعاون متعدد الأحزاب والتشاور تحت قيادة "حزب الدولة"؟ وهل يكون بديلا صالحا عن ديمقراطية الغرب؟