أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تساؤلات بشأن ما إذا كان يجهز لاحتلال قطاع غزة مجددا ولعودة الحكم العسكري فيه بعد الانسحاب منه عام 2005. ومن الإجراءات التي أثارت التساؤلات، تمسك نتنياهو ببقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر، وإيعازه للجيش بالاستعداد لتوزيع المساعدات الإنسانية الدولية على الفلسطينيين في قطاع غزة.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، تتولى منظمات أممية ودولية مهمة توزيع المساعدات الإنسانية في ظل تفشي المجاعة لاسيما في الشمال، جراء الحرب والحصار الإسرائيلي.
وفي الأشهر الأولى من الحرب، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مرارا أن إسرائيل لن تعيد احتلالها لقطاع غزة ولن تعيد الاستيطان إليه، ولن تقتطع أي جزء منه ولن تعيد فرض الحصار عليه. لكن تلك التصريحات اصطدمت مع امتناع نتنياهو عن طرح خطة لليوم التالي للحرب، وإصراره على بقاء الجيش في محور فيلادلفيا، ثم إيعازه للجيش بالاستعداد لتوزيع المساعدات الإنسانية، ما يعني فعليا بقاءه في غزة.
وقال موقع "واينت" العبري، الأربعاء، إن نتنياهو أصدر تعليماته لمؤسسة الدفاع بالاستعداد لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة، بدلا من المنظمات الدولية على الأرض. وتحاصر إسرائيل القطاع منذ 18 عاما، وشددت من الحصار بعد السابع من أكتوبر، فأغلقت معبر رفح في مايو الماضي، ومنعت دخول المساعدات وأوقفت خروج المرضى والجرحى للعلاج، وقطعت إمدادات الوقود والكهرباء والماء والاتصالات.
وبشأن رد الجيش، قال الموقع إن “الجيش الإسرائيلي أبدى مخاوفه بشأن الفكرة التي تهدف إلى كبح الضغوط الدولية ضد إسرائيل". وتابع الموقع الإخباري "في الأشهر الأخيرة، درس مكتب رئيس الوزراء سلسلة من الخيارات لتحسين الوضع الإنساني في غزة، وكان أحد الحلول الممكنة تعيين جنرال يتولى مسؤولية القضية الإنسانية في غزة لتوزيع المساعدات الإنسانية".
وبشأن تحديات تلك الخطوة، أشار الموقع إلى أن “تعيين جنرال في الجيش الإسرائيلي للإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية في غزة يعني أن مسؤولية إسرائيل في قطاع غزة سوف تستمر، وربما تتوسع على مدى السنوات القليلة المقبلة". وفي ما يتعلق بهوية الجنرال، قال الموقع إن “العميد إلعاد غورين سوف يكون الآن أول ضابط في الجيش الإسرائيلي يشغل هذا المنصب في غزة، والذي كان يعتبر في السابق منصبا إداريا مدنيا".
وأكد أن غورين “سوف يتولى القضايا التكتيكية اليومية، مثل توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإصلاح البنية التحتية المحلية التي دمرت في الحرب، والحفاظ على الاتصال بمنظمات الإغاثة الأجنبية". ومن المتوقع أن يقود غورين، وفق المصدر ذاته، “مبادرات إستراتيجية مدنية طويلة الأجل للحفاظ على شرعية إسرائيل لمواصلة القتال في غزة، دون أن تعوقها أزمة إنسانية أو مجاعة".
وعن دور الجنرال حال أبرمت صفقة تبادل الأسرى بين تل أبيب وحركة حماس، قال الموقع “إذا تم الانتهاء من صفقة الرهائن وتمكنوا من العودة إلى ديارهم، فمن المتوقع أيضا أن يلعب الجنرال دورا محوريا في إعادة المدنيين في غزة إلى ديارهم".
وأردف "من الحلول الممكنة الأخرى التي يمكن تنفيذها، عودة المنظمات الدولية لتأمين معابر الحدود بين إسرائيل وغزة، كما كان الحال حتى انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، مع وجود قوة فلسطينية محلية قرب محور فيلادلفيا".
سبق أن قالت القناة 12 الإسرائيلية (خاصة) مساء الثلاثاء، إن قرار نتنياهو هذا، وإصراره على وجود عسكري إسرائيلي على طريق فيلادلفيا “من الممكن أن يؤدي إلى الخطة الحقيقية لإسرائيل في غزة، وهي عودة الحكم العسكري". وأوضحت القناة أن "في المناقشات الأخيرة، عارض رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي توزيع الجنود المساعدات، مدعيا أنه يعرض قواتنا للخطر دون داع، وبالتالي يجب على الجيش عدم المشاركة في المساعدات، ولهذا الغرض هناك منظمات دولية".
◙ تحذيرات من أن الآلاف من الجنود سيموتون في غزة إذا فرضت إسرائيل حكما عسكريا وأن تل أبيب ستجد صعوبة في الدفاع عن نفسها في ساحات أخرى مثل لبنان وإيران
وتطرقت إلى تحديات إضافية، منها أن “السيطرة العسكرية على طريق فيلادلفيا تثير قضية في القانون الدولي، لأن السيطرة على الطريق هي في الواقع مسؤولية قطاع غزة، وهذا له أهمية كبيرة". وأضافت "تقدر مؤسسة الدفاع أن الحكم العسكري في قطاع غزة سيكلف حوالي 40 مليار شيكل (10.7 مليار دولار) سنويا". ونقلت القناة عن الجيش الإسرائيلي تعليقه “سنتمسك بكل قرار للقيادة السياسية".
وفي شهر مايو 2024 حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعتزم فرض حكم عسكري إسرائيلي في غزة. وقال في مؤتمر صحفي إن "إسرائيل تسير في اتجاه خطير يروج لحكم عسكري ومدني إسرائيلي في قطاع غزة وهذا بديل سيئ يشكل خطرا إستراتيجيا وأمنيا وعسكريا على إسرائيل".
وطلب غالانت من نتنياهو أن يعلن أن إسرائيل لن تسيطر مدنيا على القطاع، وأن تقوم بتطوير بديل لحماس، ورد نتنياهو في اليوم نفسه على غالانت قائلا “لست مستعدا لاستبدال حماستان بفتحستان.. بعد السابع من أكتوبر أمرت بتدمير حماس.. جنود الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن يقاتلون لتحقيق ذلك”. وأضاف حينها “طالما ظلت حماس على حالها، فلن يتدخل أي كيان آخر لإدارة غزة مدنيا وبالتأكيد ليست السلطة الفلسطينية”، ولم ينف نتنياهو نيته فرض حكم عسكري في غزة.
وبعد أيام قليلة، تم تسريب تسجيل لغالانت من اجتماع لحزب الليكود وجه تحذيرات ملموسة حيث أكد أن الآلاف من الجنود سيموتون في غزة على مر السنين إذا فرضت إسرائيل حكما عسكريا، مشددا على أن تل أبيب ستجد صعوبة في الدفاع عن نفسها في ساحات أخرى بما في ذلك لبنان وإيران. ومنذ إعلان غالانت تتزايد الدلائل على أن الحكم العسكري في طريقه بالفعل. كما صرح مستشار الأمن القومي تساحي هانغبي في مقابلة قبل شهر تقريبا بأن قضية “اليوم التالي” ستطرح للنقاش بعد عملية رفح.