الإعلامي ولد حمدو: في حوار مع "الجديد نيوز": الإعلام التقليدي محكوم عليه بالركض لكي لا يتخطاه الركب

 

انجذب إلى أصوات الصندوق السحري وهو غرّ صغير..
 أنشأ إذاعته الخاصة..ابتسم له الحظ بمنحة للدراسة في تونس..كانت مهنةالمتاعب الخيار المفضل؛ عاد بعده للعمل في التلفزيون الرسمي ..مكنته تجربته تلك من فكّ طلاسم جغرافيا البلاد وتنوعها الثقافي.
ضيفنا ثري التجربة الإعلامية عايش أجيالا متعددة، وإدارات مختلفة وجالس العلماء والأمراء والمشايخ ..
كانت المهنة وسيلته للتعرف على الفسيفساء الوطنية، وصورت له الواقع المحلي بألوان قوس قزح..
قارئ نهم،  يتقن  لغات مختلفة، وله رؤية ثاقبة ورأي حصيف وقلم سيال .. 
 يحبّ الخير للجميع وغيور على وطنه ومهنة المتاعب فيه.. 
 يشرفنا أن نستضيف لكم الزميل الإعلامي محمد ولد حمدو في هذا الحوار.

 

الجديد نيوز: بدأتم مساركم المهني في التلفزيون الرسمي.
هل من بسط عن مرحلة البدايات؟

قصة اهتمامي بالإعلام، بدأت قبل التحاقي بالتلفزيون الرسمي كما تشيرون، وقبل حتى دراسة الصحافة والإعلام في تونس بعد حصولي على شهادة البكالوريا، فقد وجدت نفسي في الطفولة الباكرة منجذبا لما كان متاحا وقتها من وسائل إعلام. ووقعت تحت سحر الإذاعة، ووجدت في مرحلة لاحقة متعة في تقليد بعض الأصوات الإذاعية، ربما بدافع التأثر بأداء بعض المذيعين، الذين كانت نبراتهم وطريقة أدائهم، وتمكنهم من ناصية اللغة، تبهر الغر الصغير، وربما هو وقع سحر الصوت القادم من هذا الصندوق الخشبي الصغير، وقدرته على اجتياز مسافات بعيدة!!

وكثيرا ما ضحكت بعد ذلك، حين أتاحت لي الظروف، لقاء إذاعيين كبارا من نجوم تلك المرحلة، وفترات بعدها، ممن كنت أقلدهم، كالأساتذة: محمد يحيى ولد حي وعبد الله ولد محمدو، والمختار لسان الدين، والعميدة الناها بنت سيدي الذين جمعتني بهما قاعة التحرير بالتلفزة الموريتانية.

وربما قادني تأثري بهذا العالم غير المرئي، إلى محاولة تقليدهم، فأنشأت "إذاعتي" الصغيرة التي تبث متى ما تيسر لها ذلك، مرددة بعض ما كانت ذاكرتي تخزنه، مما علق بها من الإذاعات المختلفة.

كانت تجهيزات إذاعتي الصغيرة البدائية، بطاريات قديمة وأسلاك معدنية وعلب فارغة، أثقبها لإحداث نوع من الصدى، عندما أدخل فمي فيها، وأقوم بترديد بعض ما كنت أسمعه عبر الإذاعات المختلفة، فيما تتكفل الأسلاك المعدنية في نقل ما "يبث" عبر الأثير، لبضع سنتيمترات من حولي.

لذا فالإعلام رافقني منذ الصغر، وحين أتيح لي اختيار مجال للدراسة بعد البكالوريا، وضعت الإعلام على رأس القائمة دون تردد.

وحين عدت في نهاية التكوين، كان المتاح في موريتانيا وقتها هو الالتحاق بإحدى مؤسسات الإعلام العمومي، وفعلا وجدتني أنضم إلى كوكبة من الشباب تعمل في التلفزة الموريتانية أواخر التسعينات.

وكانت تجربة أكثر من رائعة، فقد مكنتني من متابعة لصيقة للمشهد الوطني والتفاعل معه، وتعرفت فيها على عمداء في المهنة، عبروا بها من الأنظمة الاستثنائية عاضين عليها بالنواجذ، يسعون بما أوتوا من جهد إلى التخفيف من غلواء زملائهم الشباب وحماستهم.

وعلاوة على البعد المهني البحت، فقد أتيح لي أن أتعرف خلال تجربتي في التلفزة الموريتانية على موريتانيا بكل جغرافيتها وديمغرافيتها.

وبعد سنوات قليلة في التلفزة، كنت قد جبت بلدي طولا وعرضا، وتعرفت على أهله وناسه واقتربت من ثقافاتنا المختلفة والمتنوعة، وعشت تعددنا الثقافي والاجتماعي الرائع.

كما أتيح لي أن أعايش أحداثا وطنية كبيرة ومفصلية، والتقيت أغلب نخب البلد السياسية والإدارية والعلمية والثقافية، وتعرفت على أجيال من الموريتانيين من مختلف المناطق ومن مختلف الفئات، من جيل التأسيس وبناة الدولة إلى الشباب الجامعي في التسعينات وسنوات الألفين.

وبجرد سريع لمن التقيتهم خلال هذه التجربة، أجد أني عايشت وسافرت مع ثلاثة رؤساء للبلاد، هم الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطائع، أطال الله عمره، والرئيسان اعلي ولد محمد فال وسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمهما الله، ومع عشرات الوزراء والإداريين والسياسيين من مشارب وتخصصات مختلفة.

كما التقيت أشهر علماء البلد ومشايخه، وأمراء أغلب مناطقه وشيوخ عدد كبير من العشائر والزعامات الأهلية والفاعلين المحليين.

وما كان لقاء كل هذه الفسيفساء الوطنية الرائعة، ليتاح لي لو سلكت طريقا آخر غير هذه المهنة!!

 

الجديد نيوز: الساحة الإعلامية الوطنية تعاني من ضبابية المشهد: الصحف اندثرت والمواقع الإلكترونية ضعيفة الأداء والقنوات والإذاعات الخصوصية دخلت مرحلة التمييع؛ ما هو رأيكم بهذا التقييم؟

الإعلام في أي بلد هو انعكاس لمختف مجالات الحياة العامة الأخرى، والأحوال عموما ليست في أفضل حال، لكن الإعلام هو أكثر المجالات حساسية ولذلك يبدو الأمر مزعجا.

لا مناص من الاعتراف بأننا في موريتانيا نعاني من عوامل معيقة للفعل الإعلامي الحقيقي، وهذا ناتج عن مسار تاريخي عرفته المهنة التي ولدت في أحضان السياسة، ولم تستطع الانفكاك من هذا الارتباط، وكما تعلمون الصحف الأولى في تاريخ البلد، ولدت على يد سياسيين، أيام حزب الوئام أو الوفاق بقيادة النائب حرمة ولد ببانا وحزب التجمع الموريتاني بقيادة سيدي المختار ولد يحيى انجاي وغيرهما.

وحين ولدت الدولة الوطنية "أممت" سريعا الإعلام، ولم تترك مجالا لإعلام آخر خارج عباءتها الرسمية.

وحين اضطرت الظروف السلطات مطلع التسعينات مع التعددية الحزبية والنقابية وكتابة دستور جديد للبلاد للترخيص للصحافة الخاصة، لم تترك الأمر يمر دون أن تزرع مع البذرة الأولى أسباب فشلها، لذا ولدت تلك الصحافة المكتوبة عليلة سقيمة وغير قابلة للحياة بعيدا عن عباءة قريبة من "المخزن" تمولها وتوجهها وتخنقها متى شاءت.

وذات السيناريو تكرر مع تحرير الفضاء السمعي البصري قبل أزيد من عقد من الزمن، ونراه اليوم يُبدل جلدا آخر مع موضة المنصات التي قتلت كل شيء في الإعلام، وأنزلته من عرش صاحبة الجلالة إلى درك الابتذال و"الجف" والإثارة والركض وراء الهراء والهواء والهوى!!

المستفيد من هذه الحالة العابرة للزمن وللأنظمة السياسية لدينا هو من يغذيها ويطيل عمرها، والبحث عن فرصة للخروج منها، ليس متاحا إلا بكثير من التصميم والإيمان بالمهنة.

 

الجديد نيوز: الصحافة في موريتانيا يعمل فيها كل من هب ودب. ما هي الحلول التي تقترحونها لمحاربة مثل هذه الظاهرة المقيتة؟

الصحافة يعمل فيها من هب ودب، وهي مهنة من لا مهنة له..

هذه خلاصة من حالة عامة في البلد، فحين تسأل الدبلوماسيين في وزارة الخارجية سيقولون لك أغلبية من يعينون في السفارات والقنصليات وفي مفاصل الوزارة الحيوية ليسوا منا!!

وربما ترى تقييما مشابها في قطاعات أخرى، ولكنه في حالة الصحافة فاقع ويفوق التصور.

ولمواجهته لا بد من ضبط الحقل بشكل جيد، عبر قيام مقاولات صحفية وإعلامية حقيقية، توفر المعقول من بيئة العمل المهني، وانتهاج سياسة تكوين في المهن الإعلامية، وخلق ظروف تنافسية تسمح للأكفاء بالبروز والتميز، وتسد الباب أمام الغرباء.

وكل هذا يتطلب إدارة سياسية صادقة، ويتطلب – وهذه أكثر جوهرية بالنسبة لي - أن نفهم أن الإعلام بات صناعة، وتتجه يوميا بعد يوم لتكون صناعة ثقيلة حتى لا أقول سلاحا للدمار الشامل، وهذا يعني أنه لكي يكون الإعلام موجودا، لا بد من المال للحصول على الكفاءات والتجهيزات من أجل تجسيد رؤية أو فكرة، لأن أي مصنع أو معمل لا يمكن أن يتحرك وينتج دون هذين العنصرين!!

 

الجديد نيوز: المتتبع للمشهد الإعلامي من ذوي الاختصاص يلاحظ ضعف التكوين والمضامين؛ ما هي أفضل السبل لمعالجة هذا الخلل الكبير؟

مسألة ضعف التكوين وتواضع المخرجات الإعلامية مسألة نسبية إلى حد كبير، وفيها ظلم بواح وتجن بين..

نحن نظلم جيلا زج به عن قصد في ميدان لا يعلم عنه الكثير، فمسؤولو ومسيرو المؤسسات الصحفية تقريبا دون استثناء، غرباء على الحقل، والمحررون والصحفيون والمذيعون والمراسلون ومشرفو غرف الأخبار أغلبهم هواة، لم يجدوا أمامهم من يأخذ بأيديهم في دروب المهنة الوعرة، ولم يجدوا من الوقت للتأمل في التجارب الكبيرة من حولهم.

هناك انطباع شائع لدينا كثيرا وخاطئ إلى حد كبير وهو أن كل من يتقن اللغة العربية، يكون بالضرورة صحفيا جيدا!!

هذا عامل مساعد، لكنه عامل من بين عوامل أخرى، ولا بد معه من امتلاك ناصية أشياء أخرى هي أدوات المهنة والشغف بها والحرص اليومي على تطوير آلية العمل والاستفادة من التجارب المهنية الكبيرة.

الصحافة ليست علما وفق ما يراه كثيرون، وبالتالي فهي عالم مفتوح، ولكنه عالم يتطلب تكوينا علميا ورصيدا ثقافيا واستعدادا فطريا، ومع كل ذلك لا بد من المثابرة.

وهذه نصيحة مجانية مني لمن يسلك طريق هذه المهنة.

قال لي ذات يوم أستاذ تونسي "شيبته" الأخبار والأحداث ومتابعتها:

ستكون صحفيا كبيرا إذا ثابرت..

ولم تصدق نبوءة الرجل – ولو أنها معلقة - فلم أصبح صحفيا لا كبيرا ولا صغيرا، والسبب ببساطة أني لم أثابر!!

 

الجديد نيوز: الصحافة المكتوبة هي عماد الإعلام وقد اندثرت منذ فترة بموريتانيا. ماهي الأسباب وما هي مقترحاتكم لإحيائها من جديد؟

أعتقد جازما أن المستقبل اليوم لم يعد للتصنيف الكلاسيكي، بين صحافة مكتوبة أو أخرى إلكترونية أومرئية أو مسموعة.. فكل هذه التصنيفات باتت متجاوزة وعتيقة.

الإعلام التقليدي محكوم عليه بالركض لكي لا يتخطاه الركب، ألم نشاهد كبرى الصحف العالمية العريقة في الغرب التي تعيش قرنها الثاني اندفعت نحو تغيير جلدها، لكي تواكب التغيرات الجارفة من حولها، فباتت متاحة في طبعات وملاحق إلكترونية ونسخا مسموعة سهلة التنزيل عبر التطبيقات المحمولة على الهاتف.

كما أن التلفزيونات والإذاعات العملاقة سلكت ذات الطريق، عبر موضة "البودكاست" والمضامين التفاعلية الخفيفة وذات الإيقاع السريع.

هذا قدر لا مفر منه، لأي وسيلة إعلام تريد أن يكتب لها عمر جديد في هذه المهنة.

خلال سنوات قليلة لن يكون لنا لجيل الصحفيين التقليديين، غير المستعدين للسير وفق إيقاع الأجيال الجديدة أي مكان..

أبلغ ذات يوم رئيس الوزراء البريطاني الأشهر ونستون تشرشل، أن سفيره في الخرطوم يواجه منافسة حادة من زميله المصري، بسبب أن الأخير يشارك السودانيين أفراحهم وولائمهم، بل يرقص أحيانا في الأعراس والمواسم، فما كان من تشرشل إلا أن قال بكل واقعية وبعد نظر في ذات الوقت:

- على سفيرنا في الخرطوم أن يتعلم الرقص!!

فعلى صحافتنا أن تتعلم الرقص مع أذواق الجيل الجديد ومتطلبات المرحلة المقبلة!!

 

 الجديد نيوز: توجد في موريتانيا عشرات المواقع الإلكترونية لكنها تركز على موضوع الإخبار ـ فقط ـ ما هي أسباب غياب وظائف الإعلام الأخرى؟

هذا سؤال جوهري وستجيب عنه الأيام كما فعلت في كل المجتمعات عبر العالم، فمن المعلوم أن ميلاد الصحافة المتخصصة بذخ تصله المهنة بعد أن تنضج في بلد معين وتستوي على ساقها، وهذا ما لم نصله بعد فنحن ما زلنا نعيش مرحلة الكفاف الإعلامي بعبارة أوضح.

في العادة تتوفر البلدان على أطباء ثم تتجه تدريجيا نحو التخصص وتزيد شيئا فشيئيا عدد الأخصائيين في المجالات الأكثر أولوية، كذلك يكون الإخبار في البداية طاغيا ثم تأتي بعد ذلك التخصصات الأخرى وفق ما يطلبه الجمهور وما يريده الناس.

وكما قلت في بداية حديثي، الإعلام لدينا ولد في كنف السياسة ولم يستطع الانفكاك منها حتى اليوم، لذا يغب عليه الإخبار، والإخبار تحديدا بما يخدم الساسة دون غيرهم.

 

الجديد نيوز: الإعلام المرئي والمسموع لم يتطور في موريتانيا رغم مرور 14 عاما على تحريره. كيف ترون العراقيل أمامه وما هي الحلول المقترحة؟

لا بد من تفكير مبدع لإنقاذ تجربة تحرير الفضاء السمعي البصري، وليس الأمر بالسهل ولا يمكنني دون شك أن اقدم وصفة من نقاط محددة لحل مشكل بهذا للحجم من التعقد.

ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وعليه من رأيي أنه لا بد من التوجه الواعي نحو ترشيد التجربة، ويكون ذلك عبر مبادرات من قبيل:

- تشجيع ظهور أقطاب إعلامية كبرى تتكتل داخلها القنوات والإذاعات المتقاربة والمتشابهة في التوجه والخط التحريري، تكون بعدد محدود في البداية، على ان توسع التجربة ربما لاحقا بعد ما تنجح بعدد محدود.

- التفكير في سياسة إعلانية منظمة ومنصفة تمركز الإعلان وتوزعه وفق معايير موضوعية شفافة، بما يخلق لهذه المؤسسات الإعلامية - المتعثرة حاليا والناشئة لاحقا - موارد تسد بها رمقها وتغنيها عن استجداء التمويل وتخلق من خلال ذلك بيئة لاستقطاب كفاءات مهنية وحيازة تكنولوجيا مناسبة لعملها.

- تشجيع فكرة التخصص بحيث تكون هناك وسائل إعلام موجهة للاقتصاد وأخرى للثقافة وأخرى للسباقات والمهرجانات والترفيه وغيرها، وهذا ما يزيد من فرص تمويلها وخلق موارد إضافية لها ويسهم في تحسين مخرجاتها الإعلامية.

- تشجيع الانفتاح على التجارب المهنية الكبرى في المنطقة وفي العالم، بما يوفر منافذ للتكوين الحقيقي بعيدا عن الأساليب المعتمدة حاليا.

 

الجديد نيوز: انتقلتم للعمل في مجال الإعلام بالخارج؛ كيف كانت التجربة وما هي النصائح التي تودون تقديمها لصالح الإعلام المحلي؟

الصحفي تلميذ أبدي، أو هكذا يجب أن يكون، يتعلم كل يوم ومن كل تجربة تواجهه ومن كل من يلتقيهم، سواء من كبار مصادر الأخبار من ساسة ومثقفين ومشاهير وغيرهم، أومن ناس عاديين يراهم البعض على هامش الحياة، وهم صناع جزء من هذه الحياة، وينبغي للصحفي أن يتعامل معهم من هذه الزاوية.

وهو يتعلم من البيئة المهنية التي يتحرك فيها بالمقام الأول.

لذا أرى أن تجربتي في الخارج مكملة ومثرية لسابقتها، وهي امتداد لها، كما هما معا جزء من مسيرتي.

في التجربة خارج موريتانيا يتاح للصحفي أن يوسع آفاقه، يألف عالما مختلفا، ويتعامل ويتفاعل مع زملاء من بلدان وثقافات مختلفة وجديدة عليه.

كما أنه يطلع على أساليب عمل مختلفة عما كان يعرف، ويثري تجربته بمواجهة تحديات من نوع آخر.

وهذا كله عشت شيئا منه، فقد تعرفت على ثقافات وشعوب جديدة، وزاملت صحفيين من المشرق والمغرب ومن مجتمعات غربية وآسيوية وإفريقية بعيدة عنا، واطلعت على تعامل مهني مختلف عما هو سائد لدينا محليا مع الأخبار وتناول خلفياتها والغوص في تداعياتها وتأثيرها المحتمل.

وإذا كان لي أن ألخص ما جنيته من البيئات المهنية التي عايشتها ومن هذه التجربة خارج البلاد بصورة عامة، فلن أزيد على أنها وسعت أفق نظرتي لما حولي، وعلمتني شيئا من السرعة في معالجة الخبر والتفطن لخلفياته ومآلاته المحتملة، وأثرت ما جلبته معي من تجربتي في التلفزيون الموريتاني، وما زاد على ذلك مجرد تفاصيل صغيرة!!.

لن أختم دون أن أشدد على فكرة أراها جوهرية، وأصر هنا على أني لا أقدم نصيحة ولا أسدي توجيها، وهي أن الصحفي يجب أن يكون تلميذا متحفزا دائما، يقظا على الدوام، يتعلم من كل التجارب من حوله، ومن المحيطين به، ومن يلتقيهم في الحياة اليومية، وأن يقرأ في كل مجال، وبكل ما يتاح له من لغات، وأن يهتم بالجديد في كل فن، وأن يسافر ما وسعه ذلك، وأن يحرص على لقاء الناس في كل مكان.. وأن يخزن كلما يرى، ويسجله في ركن بعيد من الذاكرة، فسيحتاجه دون شك ذات يوم.

قريبا سيتسع الثوب الذي خاطه الكاتب الفرنسي ألبير كامي للصحفي حين اعتبره مجرد مؤرخ للحظة، فسيكون له دور في المستقبل، يتجاوز اللحظة بدقائق وساعات وأيام وشهور وربما سنوات!!

من يدري فما يخزنه "مؤرخ اللحظة" الآن الآن وليس غدا.. كما تقول فيروز، قد يكون سطرا في صفحة تكتب غدا أو بعد غد؟!!