هل تنجح استقطابات "بريكس " في كسر هيمنة الدولار؟

 

ختار ولد الشيباني/ وزير سابق

يضم حلف بريكس دول البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا. كما يُعد- من وجهة نظر بعض المتابعين- مُنافسًا مباشرًا لمجموعة السبع  وقد أعلنت مجموعة "بريكس"دعوة مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين لتصبح أعضاء في المجموعة، يضيف الأعضاء الجدد نحو 3.2 تريليون دولار من الناتج المحلي إلى المجموعة الحالية، ليرتفع حجم التكتل بنسبة 12.3 في المئة، ليصبح 29.23 تريليون دولار، مقابل 26.04 تريليون دولار قبل انضمام الأعضاء الجدد، ووفقا للناتج المحلي لعام 2022، يمثل الأعضاء الجدد 3.2 في المئة من الاقتصاد العالمي، ما سيرفع حصة "بريكس" من 26 في المئة من الناتج المحلي العالمي إلى 29.2 في المئة بعدالانضمامات الجديدة.
كما تصبح مجموعة "بريكس" منافسا أقوى لمجموعة السبع الصناعية التى يبلغ حجم اقتصاد دولها 43.8 تريليون دولار، مشكلة 43.7 في المئة من الاقتصاد العالمي في 2022، بينما دول تكتل بريكس، تمثل 29.2 في المئة من الاقتصاد العالمي للعام نفسه.
تجدر الإشارة إلى أن التعداد السكاني لدول "بريكس" أكثر من 3 مليارات و200 مليون نسمة، فيما تعد اقتصاداتها من أكثر الاقتصادات النامية في العالم، ويتنبأ لها محللون ببلوغ نسبة نمو 40 في المئة من الاقتصاد العالمي بحلول 2025، قبل أن تترجمها الصين صاحبة المرتبة الثانية كأقوى اقتصاد في العالم سنة 2020، وحلت الهند خامسًا، والبرازيل ثامنًا وروسيا في المرتبة 11.
تسعى دول مجموعة بريكس إلى إطلاق عملة موحدة بينها تنهي بها هيمنة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي، وتعمل مجموعة بريكس على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة العملات للدول الأعضاء
ليس من المؤكد أن البلدان المعنية قادرة على تحقيق هذا الهدف. ورغم أن البلدان لديها بعض المصالح المتشابهة وقد ترحب بفكرة العملة الدولية التي تتمتع بقدر أعظم من السيطرة عليها، فإن اقتصاداتها في الممارسة العملية مختلفة تمام الاختلاف.
إن عدد سكان الهند لا يزال ينمو بسرعة، على سبيل المثال، في حين يتقلص عدد سكان روسيا. والصين قوة صناعية، ودول الشرق الأوسط مصدرة للطاقة، والبرازيل سلة خبز زراعية. وحتى لو كانت كل هذه الدول تفضل بديلاً للدولار الأميركي، فإنها ليست بالضرورة دولاً تتداخل مصالحها عندما يتعلق الأمر بعملاتها.
ولا تتمتع هذه البلدان بسجلات حافل بالنجاحات عندما يتعلق الأمر بإدارة العملة. ولا يعني هذا أن الولايات المتحدة كانت دوماً قادرة على إدارة التضخم على نحو جيد بشكل خاص، ولكنها لم تعاني من عدم الاستقرار وأزمات العملة التي ابتليت بها العديد من الأسواق الناشئة على مر السنين. ولأن الترابط الاقتصادي بين الدول هو مدخل من مداخل تحقيق التعاون السياسي، فمن هنا بدأت دول "بريكس" بتشكيل مجموعة من المؤسسات والأنظمة، فأنشأت بنكاً جديداً سمّي "بنك التّنمية الجديد"، وصندوقاً أُطلِق عليه "صندوق بريكس"، ليكونا بديلين للبنك الدّوليّ وصندوق النقد الدّولي، وتم إنشاؤهما لدعم النّموّ والتّنمية على المستوى الدولي، مما يمثّل الخطوة الأولى في مخطّطها لخلق نّظام عالمي جديد، ولعل الهدف غير المعلَن يتمثّل في إنشاء مؤسّسات دوليّة رديفة للمؤسّسات الاقتصاديّة الدّوليّة الحالية، لتحرير العالم من قيودهما وتأثيراتهما، وقد أصبحت الدعوات إلى التخلِّي عن الدولار داخل مجموعة "بريكس" أكثر إلحاحاً عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، إذ أصبحت العملة الأمريكية إحدى الأدوات العقابية الغربية ضدّ الاقتصاد الروسي. 
وعلى النقيض مما سبق، يضعنا التأمل الدقيق، أمام تحديات هيكلية جمة، قد يستحيل معها على تكتل بريكس المتطور، على مدار سنوات وعقود قادمة، تحقيق هدفه الأسمى وهو  إقصاء النفوذ الدولي للولايات المتحدة الأمريكية على مستوى الاقتصاد أو الأمن أو الاستراتيجية؛ و يأتي على رأس هذه التحديات، تضارب المصالح وتناقض الأيديولوجيات بين أعضائه، خاصة الجدد؛ فمصر وإثيوبيا مثلاً على طرفي نقيض، وكذلك إيران مع السعودية والإمارات في ظل نزاعات إقليمية وحدودية، و توجسات تخصيب الأولى لليورانيوم ، وبين الهند والصين صراعات الماء والغذاء، وتناقضات الأنظمة السياسية، وتوترات الحدود المشتركة .
وفي الختام، فإني أرى أنه من السابق لأوانه القول إنه في السنوات القادمة سيتمكن ممثلو هذه الرابطة من تحقيق توازن القوى في العلاقات النقدية مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، والتغلب على هيمنتهم طويلة الأجل في التمويل العالمي، خصوصاً أن كل ذلك مرهون بتحويل الوحدات النقدية لدول "بريكس" إلى أصول احتياطية مؤثرة يمكنها الضغط على الدولار الأمريكي واليورو في خدمة العلاقات الاقتصادية العالمية.