رئاسة موريتانيا للاتحاد الأفريقي.. إنجازات مقنعة ودبلوماسية فاعلة

 

سيد امحمد أجيون

بعد أشهر قليلة من الآن ستنتهي الرئاسة الموريتانية الدورية للاتحاد الأفريقي وتحديدا في فبراير من العام 2025، خلال القمة السنوية للاتحاد، وقد حققت العديد من الطموحات في وقت قياسي بفعل الرؤية والتخطيط المحكم والاستفادة من التجارب السابقة رغم صعوبة الظرفية العالمية.

ففي هذه المأمورية ولأول مرة في التاريخ فرض الاتحاد الأفريقي نفسه ضمن مجموعة العشرين (G20) بشكل رسمي في ال 9 سبتمبر 2023 خلال قمة المجموعة التي عُقدت في العاصمة الهندية نيودلهي، وباتت بذلك القارة عضوا دائما في هذه المجموعة المرموقة، مما منحها  تمثيلا أكبر على الساحة الدولية المعقدة، بفعل تعدد جبهات الصراعات على المستوى الأفريقي، كالنزاعات العرقية والإثنية، والتنافس على السلطة والموارد، كما هو الواقع في جنوب السودان و جمهورية إفريقيا الوسطى ونيجيريا وغيرها.

وفي المقابل تتمدد الحركات المسلحة كما هو الحال بالنسبة ل "بوكو حرام" في نيجيريا، وحركة "الشباب" في الصومال، وجماعات متطرفة أخرى في منطقة الساحل، مستغلة الفقر المدقع وضعف المؤسسات، وعدم الاستقرار السياسي للتوسع بدل الانحسار وفرض سيادة القانون وإدارة الخلافات بطرق سلمية بعيدا عن التوترات وإضعاف الدول في وجه النزاعات والنعرات.

ومن ناحية أخرى فإن الموارد الطبيعية الهائلة للقارة تجعلها وجهة لإذكاء الصراع بين الدول وربما داخل الدولة الواحدة، كما هو الحال في الكونغو الديمقراطية التي تواجه نزاعات بسبب ثرواتها  المعدنية.

وفي مثل هذه الحالات عادة تتدخل بعض الأنظمة الخارجية عملا على تحقيق مصالحها الذاتية بدعم أحد أطراف النزاع على الآخر، مما يجعلها سوحا سهلة للحروب الجيوسياسية للدول العظمى، كما في مالي المجاورة بين روسيا والاتحاد الأوربي ممثلا في فرنسا المهيمنة السابقة. 

ورغم قتامة الوضع وصعوبة التوحد وتشعب الغايات والأهداف وتنوع الخصوصيات والمطالب، فقد استطاعت موريتانيا بفعل موقعها الاستراتيجي واستقرارها الأمني أن تحقق للقارة تقدما ملحوظا في ملف تخفيف عبء الديون خاصة بعد تداعيات جائحة كوفيد-19 التي زادت من الضغوط الاقتصادية على الدول الإفريقية، بفعل جهود تعزيز الحوار الدولي حول ديون إفريقيا، مما نتج عنه إعادة هيكلة بعض الديون و تأجيل سداد البعض الآخر.
تنضاف إلى ذلك الجهود التي بذلت من أجل تعزيز الاستثمارات في القارة بدلا من الاعتماد على القروض، وكذا الضغط من أجل سياسات تمويلية أكثر عدلا وإنصافا لمحفظة المشاريع الممولة، وتعزيزها وتحسين وتسريع تنفيذها في مجالات الطاقة والبنى التحتية، ولعل من أبرزها  تحقيق ولوج 300 مليون أفريقي إلى الكهرباء في أفق 2030، ابتداء من يناير 2025 كمشروع قاري عملاق عكس التدخلات والمساعدات الإنسانية التي تبرز صورة المجاعة والتهريب والمتاجرة بالبشر، التي ألصقت بالقارة منذ تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية إلى اليوم. 

وإن كانت هناك من ملاحظات فتكمن أولا: في عدم التدخل مباشرة تحت مظلة الاتحاد بعيد تحذير منظمة استثمار نهر السنغال، من حدوث فيضانات محتملة، بعد ارتفاع منسوب مياه النهر جراء الأمطار الموسمية، وهو ما غاب فيه التوحد خاصة أنه يمس من أربع دول من أصل 55 بلدا عضوا في الاتحاد. 
وثانيا: تشكيل قوة عسكرية أفريقية مشتركة رادعة من أجل الحفاظ على السلم والأمن ومواجهة الصراعات الداخلية، والتصدي لمخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة، والتدخل لإعادة الأمور إلى نصابها متى ما تطلب الأمر ذلك، وإن كنت مقتنعا أن التحالف غالبا ما يكون منهكا للبعض لصالح الأضعف في المجموعة. 

وعودة لكنه الموضوع فإن مختلف الزيارات واللقاءات التي جمعت قيادة الاتحاد الأفريقي برؤساء الدول والحكومات والأمراء والسلاطين عبر العالم، كانت تصب في مصلحة شعوب القارة وتنميتها الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، وترشيد نفقاتها والتقليل من أعبائها المتزايدة، والحد من توسع مناطق النزاع، والبحث عن التكامل بين دول القارة من خلال أجندة  2063.
وقد تحقق من هذه الأجندة ما يمكن تحققه في فترة زمنية قصيرة، بفعل ديناميكية رئاسة الاتحاد وتراكم التجربة لديها، ما يجعل من الوارد إعادة الثقة - كسابقة من نوعها -  في الرئاسة الموريتانية الرائدة للاتحاد الأفريقي لاستكمال ما تبقى من أولويات للعبور بالقارة بشكل آمن وفعال.