في الميزان/ قطاع الصحة العمومية : ديناميكية كبيرة ... ونواقص كثيرة ــ الجديد نيوز

يعتبر قطاع الصحة من أكثر القطاعات حساسية نظرا لما يقدمه من خدمات جليلة وبشكل يومي للمواطنين حيث يسهر على صحتهم ، وفي الـ100 يوم الأولى من تشكيل الحكومة الحالية وتعيين الوزير الجديد عبد الله ولد وديه على رأس الوزارة بدأ القطاع يعرف ديناميكية في مختلف إداراته .
وقد أدت هذه الديناميكية لتنشيط القطاع بشكل ملحوظ وحققت إنجازات ملموسة رغم قصر هذه المدة ، بيد أن هنالك مشاكل كثيرة مازال القطاع يعيشها وبالتأكيد تحتاج لمدة طويلة للتغلب عليها .

العرض التالي يقدم تقييما لأداء القطاع في 100 يوم الأولى من عمر الحكومة الحالية .

البداية.. رؤية حازمة ...

في أول اجتماع لوزير الصحة عبد الله ولد وديه قال إن القطاع مطالب ببذل أقصى الجهود بغية تطبيق برنامج رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في المجال الصحي في أسرع وقت ممكن.
وبين أن تطبيق البرنامج يجب أن يتم وفق مقاربة عملية تقوم على التضامن بين القطاعات، والتكامل في العمل بين الإدارات والمصالح، واحترام الصلاحيات، ومتابعة مستوى تقدم العمل وتقييمه بشكل مستمر.
وأضاف أن محاربة الفساد التي تشكل محورا مركزيا في برنامج رئيس الجمهورية، تتطلب تفعيل التدقيق والتفتيش الداخلي على مستوى الإدارات والمؤسسات التابعة للقطاع، موضحا أنه على الجميع أن يعي أن المال العام خط أحمر.
كما أكد الوزير على ضرورة الحضور طيلة الدوام الرسمي وأداء الواجب موضحا أن التغيب غير المبرر لن يقبل وسيتعرض صاحبه للعقوبات القانونية .

إنجازات هامة .. في مدة القصيرة

كانت أول انجازات الوزير الجديد في القطاع هي ضبط العمل والدوام الرسمي بجدية كبيرة، وتنشيط أداء القطاع حيث زار غالبية المستشفيات والإدارات بالعاصمة واطلع عن قرب على طريقة سير العمل وأمر بتذليل كافة الصعاب أمامها.
أما الإنجاز الثاني فيتعلق بالنجاح في التصدي لموجة الملاريا التي ضربت عواصم بعد الولايات الداخلية؛ حيث وجه الوزير بتوفير كل المعدات والطواقم الطبية للتصدي لها بسرعة 
وأكد أن الوزارة اتخذت جملة من الإجراءات بناء على تقييمها الأولي، شملت دعم قدرات المنشآت الصحية في المناطق المتضررة، عبر فرق متخصصة وتوفير الأدوية والمختبرات المتنقلة وسيارات الإسعاف.
ويعتبر الإنجاز الثالث المهم هو تفعيل الإدارات الهامة بالوزارة حيث عٌقدت اجتماعات هامة لهذه الإدارات وتم نقاش خطة عملها وتعهد الوزير بتذليل الصعوبات أمامها كإدارة الصيدلة والمختبرات والمختبر الوطني لرقابة جودة الأدوية والمكرز الوطني لنقل الدم مثلا.
كما طالب الوزير باتباع سياسة الباب المفتوح مع المواطنين وأكد على ضرورة التفاعل الإيجابي مع ما يصل من شكاوي وملاحظات عبر منصة خدماتي، واعتبار ذلك أولوية وطنية، على ضرورة السرعة في الإنجاز، واحترام الآجال الزمنية المحددة لتنفيذ المهام المختلفة
وفي محور آخر أكد الوزير أن الصحة الرقمية أولوية استراتيجية ناشئة سيكون لها بالغ الأثر في إحكام السياسة الصحية الوطنية والخطة الوطنية لتنمية الصحة باتجاه بلوغ التغطية الصحية الشاملة لفائدة الجميع..
وأضاف أن دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النظام الصحي يهيئ فرصا استثنائية جعلتهم يتبنون نهجا موحدا من خلال جهد جماعي تساهم فيه كل القطاعات المعنية كي يتسنى للصحة الإلكترونية أن تحسن فاعلية الرعاية الصحية لصالح كافة المواطنين.
وأوضح أن استراتيجية رقمنة القطاع ينتظر منها تسهيل الحصول على خدمات الرعاية الصحية التي نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر: المساهمة في الحصول على نظام يضمن للمريض سهولة الولوج إلى الخدمات الصحية المختلفة وتوسيع التغطية في المناطق النائية وتسهيل خدمات الاستشارة الطبية عن بعد بين مهنيي القطاع الصحي.
وأشار إلى أن “الاهتمام بالرقمنة في موريتانيا متمثلا في تركيز الجهود أكثر على تنمية الاقتصاد الرقمي بهدف تحقيق رفاهية السكان وتعزيز النظام الصحي، هو جزء من تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، (طموحي للوطن ) .

العمل .. في الميدان

يحسب للوزير الجديد حرصه على العمل من الميدان حيث يقوم بزيارات ميدانية ليقف على أداء قطاعه والمشاكل المطروحة من عين المكان، وقد شملت زيارته الأخيرة أهم مستشفيات العاصمة  وهي مركز استطباب الصداقة، مركز استطباب الشيخ زايد، مركز استطباب الأمومة والطفولة، المعهد الوطني لأمراض الكبد والفيروسات، المركز الوطني للأنكلوجيا، والمركز الوطني لأمراض القلب.
وقد أكد الوزير بعد الزيارة أنه  اطلع على وضعية تلك المستشفيات  حيث اجتمع مع طواقمها من أجل الاستماع إلى الآفاق المستقبلية 
وأضاف أن هذه الزيارة كانت مناسبة للوقوف ميدانيا على مدى جاهزية هذه المنشآت، وعلى ظروف العمل داخلها.
وأكد أن القطاع يواكب عمل هذه المنشآت وسيجد الحلول المناسبة بالتنسيق مع إداراتها المختلفة، مشددا على أهمية هذه المنشآت في المنظومة الصحية.

الأدوية  ...حجر الزاوية

تعتبر الأدوية ذات الصلاحية والجودة الفعالة حجر الزاوية في أي نظام صحي ، ذلك أنه مهما كانت دقة التشخيص الطبي ومهارة الطبيب المعاين وتطور الأجهزة الطبية المستعملة فإن الحلقة السياسية في العلاج تبقى هي وجود الدواء الجيد والفعال .
وخلال اجتماع للجنة الوزارية حول استيراد الأدوية  استمعت اللجنة إلى عرض مفصل لوزير الصحة عن وضعية الأدوية في البلد وما تتطلبه من إجراءات تضمن جودة المادة حتى وصولها للمستهلك الأخير.
وبناء على المقترحات الواردة في العرض والتي تعتبر حصيلة لعمل مشترك بين مختلف الفاعلين في المجال فقد تقرر مايلي:
ــ تسوية وضعية أذونات  الأدوية (AMM) - في أجل أقصاه ثلاثة أشهر من تاريخ الاجتماع؛ 
ــ  ضمان سلامة نقل الأدوية من المنشأ حتى الميناء وذلك عن طريق نقله حصريا في حاويات مبردة؛
ــ  تشفير الأدوية بعد قدومها مباشرة إلى الميناء؛
ــ العمل على ملاءمة أماكن التخزين ووسائل نقل الأدوية؛
ــ توحيد سعر الأدوية في مختلف أرجاء الوطن.


وقد أصدر الوزير الأول تعليماته بالشروع مباشرة في تنفيذ هذه الإجراءات كما أصدر تعليماته للقطاعات الوزارية كل فيما يعنيه بتسهيل الجزئية المتعلقة به.
كما طالب قطاع الصحة بمواصلة العمل مع مختلف الفاعلين لضمان التطبيق المحكم لهذا العمل حيث أن الحكومة لن تقبل تحت أي ظرف التلاعب بصحة المواطن لأنه في الحقيقة لاصحة مع الدواء الفاسد أو المزور أو المنتهية صلاحيته.

نواقص كثيرة.. ومعقدة

رغم تلك الإنجازات التي تمت فعلا في فترة وجيزة؛ فإن نواقص كثيرة ومعقدة مازالت موجودة في القطاع منها: صعوبة النفاذ للصحة بسبب طول قوائم الانتظار وخاصة في مجال الطب الاختصاصي، وصعوبة الحصول على الاستشارة الطبية لدى الكثير من المختصين لأنه يخصص يوما واحدا لكل مستشفى عمومي، ناهيك عن طول قوائم الانتظار ـ أيضا ـ في النقاط الصحية والمراكز أيضا بسبب وجود طبيب عام واحد في غالب الأحيان .
فعلا مع انتشار التأمين الصحي نسبيا مع وجود "كناس" فإن سهل النفاذ للخدمات الطبية، ولكن عموما تبقى إجراءات صناديق التأمين "كنام وكناس" تعاني الكثير من الرتابة وعليها اكتظاظ كبير في مختلف المنشآت الصحية مما يحتم تطويرها وفتح عدد كبير من الشبابيك خاصة في أوقات الذروة الصباحية ومراعاة أوقات خاصة كالوقت المتأخر من الليل والصباح الباكر حيث يجب أن تخصص مداومة لكل منهما " فالمرض لا موعد له".
مشكلة أخرى هي غياب توفير الأدوية في صيدليات المستشفيات حيث لا تتوفر فيها إلا أدوية الإسعاف والمهدئات البسيطة أما غالبية الأدوية الأخرى فموجودة في الصيدليات التجارية وهي بعد قرار إبعادها 500 م عن المستشفيات صارت متبعثرة في الشوارع والأزقة ويصعب العثور عليها بسهولة فيجب تنفيذ برنامج "الميسر" فعلا وتعبئة صيدليات المستشفيات بكل الأدوية وتخفيض ثمنها ، كما يجب تفعيل منصة لتحديد الصيدليات المداومة وتطبيق إلكتروني للبحث من طرف المواطن عن الأدوية والصيدليات التي توجد بها وتحديد موقعها .
توحيد سعر الأدوية فعلا خطوة مطلوبة ويجب الإسراع بها منعا للمضاربات في السعر؛ ولكن يجب أن يتم ذلك فعلا ولا يكون كالجدل الدائر حاليا حول تطبيق تخفيض أسعار المواد الغذائية من عدمه ، ويجب أيضا أن تكون صناديق التأمين تغطي كل الأدوية وليس بعضها كما كان سابقا ، كما يجب أن يفرض انتساب كل الصيدليات لصناديق التأمين الصحي حتى يتمكن المواطن من الاستفادة فعلا من تخفيض ثمن الأدوية، كما هو الواقع مع الفحوص بالإضافة إلى رفع نسبة التخفيض الحالية للأدوية حتى تصل النصف على الأقل.

الكادر البشري ..والظروف العامة

طبعا من النواقص المطلوب معالجتها دوام تحسين الظروف العامة للكادر الطبي تكوينا وخبرة وتحسين ظروف العمل الأخرى من توفير الأجهزة الطبية والصيانة والفنيين اللازمين لإدارتها ، وكذا توفير الطاقم الطبي التمريضي الموفر على الخبرة اللازمة .
إن مهنة الطب تستلزم  في ممارستها توفير كل الظروف الملائمة للكادر الطبي من أماكن الراحة والمعيشة وقت المداومة وغيرها حتى يؤدي واجبه في ظروف جيدة، ومن المعين على ذلك اكتتاب عدد كبير من الأطباء العامين والاختصاصيين والممرضين والفنيين حتى لا يكون العبء كبيرا على الجميع وقت العمل، خاصة وأن البلاد أصبحت تشهد بطالة كبيرة في صفوف الأطباء العامين والاختصاصيين والممرضات والقابلات .
النظافة أمر حساس في المؤسسات والمستشفيات والمراكز والنقاط الحية لأنها أصل في الوقاية من الأمراض، كما يجب أن تكون المعاملة الطبية للمرضى رحيمة وإنسانية "يمين أب الطبّ بقراط" تنص على ذلك.
ومن أجل تطوير الخدمات الطبية يجب إقامة شراكات مع المستشفيات وكليات الطب في الدول المتقدمة في المجال ،كما تجب الاستفادة من التطور التقني في تحسين المعارف والخبرات " المحاضرات الطبية عن بعد عبر الفيديو كونفرانص" وغيرها ،كما يجب أن يتم ابتعاث مجموعات من الأطباء إلى تلك الدول سنويا لتحسين الخبرة خاصة في المجالات الطبية المعقدة ومواكبة التطور التقني والعملي المتسارع في مهنة الطب عالميا .

وطبعا قبل ذلك وبعده يجب تحسين رواتب الأطباء ووزيادة علاواتهم وتقديم كل التسهيلات الممنوحة لنظرائهم في الدول المجاورة.
ختاما: قطاع الصحة أكثر من حساس فـ"العقل السليم في الجسم السليم في العقل السليم" ويجب على الدولة أن توليه أقصى العناية فالحفاظ على الصحة أول الأهداف ، كما يجب على العاملين في القطاع بذل جهودهم من أجل الرفع من مستواه وخدمة المواطن بصورة أفضل.