النص الكامل لخطاب رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني بمناسبة الذكرى 64 للاستقلال

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبيه الكريم

أيها المواطنون؛

أيتها المواطنات؛

هنيئًا لكم جميعًا، مواطنيَ الأعزاء، أينما كنتم، بهذهِ الذِكرى الرابعةِ والستينَ لعيد استقلالنا الوطني المجيد، إِحدى أنصعِ صفحاتِ تاريخِنا، وأقواها إشراقًا، وعِزةً.

 

صفحةٌ كتبَ رجالُ مقاومتنا الأبطالُ أبرزَ فقراتِها، بالبندقية واليَراعِ، في ملاحِمِهم وبطولاتِهم، وصمودهم الفكري، والثقافي، انتصارًا لحريةِ الوطن وكرامتِه، وذبًا عن هُويتهِ الدينية والحضارية.

 

وإن الاحْتِفاءَ بِهم واستحضارَ ذِكراهم لَيُعزِزُ لدى الجميعِ قيمَ حبِ الأوطانِ وعِزتَها، وما لها علينا من واجبِ التضحيةِ، وخالصِ الولاءِ.

 

كما يُقَوِي الإحساسَ بالانتماءِ للوطن والاعتزَازَ بتاريخه المشرقِ وبما بُنِيَ فيه، من عيشٍ مشتركٍ أصيلٍ يَعْكِسُ تَنَوُعَنا الثقافي الفريدَ، وهُويتَنا الحضاريةَ المتميزةَ. 

 

ولِذا يَجِبُ علينا جميعًا، أيًا تَكُنْ مَواقِعُنا، أن نجعلَ أُولىَ أوْلوِياتِنا صَونَ هذا الوطنِ وتطويرَه وتَنميتَهُ لِيصيرَ على قدرِ آمالِ وطُموحاتِ شعبنا، وفاءً لتضحياتِ مقاومينا ولِجهودِ أجيالِنا التي تَعاقبت على تَشْيِيد صَرْحِ الدولةِ الموريتانية.

 

إن الوطنَ أهمْ وأبْقَى مِنا جميعا، وصالِحُهُ العام مُقَدَمُ مطلقا على المصالحِ الشخصيةِ والفِئَويةِ، مهما تَراءَتْ عَظِيمةَ لأصْحابِها.

 

ولذا يُضَحى في سبيله بالغالي والنفيسِ كما جَسّدَ ذلك ميْدانِيا أبطالُ مقاومتِنا، بِشقيها العسكري، والفِكري، وقد حَمَلَتْ قُواتنا المسلحة وقُوات أمننا مِشْعَلَهم، فكانت، مُنْذُ نَشأتِها، ولا تَزالُ، دِرعَنا الواقي، وحامي سِيادَتِنا، وكرامةِ شعبِنا.

 

فالرّحمة وجَناتُ الرُضوانِ، لكلِ شهداءِ الوطنِ، والتحيةُ والإجلالُ، لسائر أفرادِ قواتِنا المسلحةِ، وقوات أمنِنا، ما عادَتْ على مدارِ الّزمانِ ذِكرى هذا اليومِ الأغرِ. 

 

أيها المواطنون؛

أيتها المواطنات؛

 

لقد شَكّل استقلالُ بلادنا، استعادةً للحريةِ، والسيادةِ، وميلادا جديدا للأمةِ، واكَبَه لدى شعبِنا أملٌ كبيرٌ، في قِيام دولةٍ بالمفهومِ الحديثِ، تُديرُ وتَرعى شُؤونَه ومصالحَه، ويكون رُكنَها الأساسَ ومصدرَ السّلطة فيها، وغايَتَها الأولى والنهائية.

 

وبقدر ما تُعزِزُ الدولة، وحدةَ شعبِها، ولُحمته الاجتماعية، وتَجعلُ من خدمةِ المواطنِ، مِحورَ كل استراتيجياتِها، وغايةَ أنماطِ حَكامتها، بقدر ما تَتَهيأ لها أسبابُ المِنْعَةِ، والتقدمِ والنماءِ.

 

وتأسيسًا على ذلك، ونَظَرًا لِخُطورةِ العواملِ التي تُضعف الانسجامَ الوطنيَ، كالجو السياسي المتشنجِ، وتَجَذُرِ التّراتُبيَّات الوهميةِ والعَصَبياتِ القَبَلية والشّرائِحية، على وحدتِنا الوطنية ولُحمتِنا الاجتماعية، ولِتَنامي ظواهرِ الفقرِ، والغُبنِ، والإقصاءِ، كَرّسنا عملَنا طوالَ مأموريتِنا المنصرمة، على محاربة هذه العوامل والتغلُب على آثارِها المجتمعيةِ الهدامةِ.

 

وهكذا اتخذنا الحوارَ، والتشاورَ، والانفتاحَ على جميع الفُرقاءِ، أساسًا لِنهجنا في تدبير الشأنِ السياسي بل والشأنِ العام عموما، فَاستطعنا بفضل الله وبجهودِكم جميعا، أن نُعيدَ الساحةَ السياسيةَ، إلى ما يَقْتَضِيهِ، بِطَبيعَتِهِ، نظامٌ ديمقراطيٌ سليمٌ، مِن حَصْرِ الاختلافِ، وتباينِ الآراءِ، والتنافسِ، في إطارٍ من المسؤولية الأخلاقية، والالتزامِ الأدبي، وتَغليب الصالحِ العامِ. وهو ما مَكننا من تنظيم انتخاباتٍ رئاسية، وتشريعية، وجهوية، وبلدية في إجماع تام، على قواعدها وأُسُسِ تسييرها.

 

وترسيخًا لنظامنا الديمقراطي، عَززنا الثقةَ في هيئاته المؤسسية، وَوَسّعنا قاعدةَ التمثيلِ فيهِ لضمان شمولِها فئةَ ذَوِي الاحتياجاتَ الخاصة، وكذلك فئةَ الشبابِ، التي لَمْ ولَنْ نَدّخِر جُهدا في التمكين لها، إيمانا منا، بأنها عُدّتُنا وعتادُنا حاضرا ومستقبلا.

 

ولضمان اسْتِدامةِ ما تحقق، من تَحَسُّنٍ جَلِيٍ في حَكامتِنا السياسية، كان لا بد لنا من العمل على تقوية مُختلفِ مؤسساتنا الدستورية. ولذا، حَرِصنا على ترسيخ مبدإ الفصلِ بين السلطات، وتَعزيزِ وتقويةِ كلٍّ منها، خاصةً السلطةَ القضائية، بحُكم كونها المرجعَ الضامن، للسير المنتظمِ لجميع مؤسساتِ الدولة. فَعمِلنا على عصرنة قطاع القضاء، وتطوير بِناهُ التحتية، وتحسينِ ظروفِ العاملين به، وأطلقنا مسارًا تشاوريا، يهدفُ إلى إصلاح العدالة في العمق، أسفَر عن وثيقةٍ وطنية، لإصلاح وتطويرِ العدالةِ، هي اليومَ قيدُ التنفيذِ.

 

وقد كان لهذا التّحسنِ في الحكامة السياسية دَوْرٌ معتبرٌ في نجاعةِ ما بذلناهُ من جهود على مدى المأمورية الأولى لتقويَة وِحدتنا الوطنية، ولُحمتنا الاجتماعية. وهي جهودٌ تَركزت في الأساس على مكافحة الفقرِ، والهشاشةِ، والغبن، والتهميش، من خلال بناءِ شبكة أمانٍ اجتماعيٍ واسعةٍ، استفادَ جُلٌّ مواطنينا الأكثرِ فقرا، وهشاشة، من برامجها، وتدخلاتها المتنوعة.

 

وقد تَعززتْ شبكةُ الأمانِ، هذه، بما أحرزناهُ في مجال النّفاذ إلى التأمين الصحي الشاملِ، حيث استحدثنا صندوقا وطنيا للتضامن الصحي وَفّرَ الاستفادةَ من التأمين الصحي بتكلفةٍ رمزيةٍ لما يٌقاربُ 200 ألفِ مُتعففٍ أساسًا في نواكشوط. وسيغطي الصندوقُ تدريجيا سائرَ ولايات الوطن.

 

كما وقفنا في وجه كُل ما من شأنه المَساسُ بِعيشنا المشترك، وانسجامٍنا المجتمعي، بمحاربة الصُّور النّمطيةِ الزائفةِ والعصبياتِ القبلية والشرائحية. وعززنا الرابطة العَقَدِيَةَ الجامِعةَ بما حققناه من عديد الإنجازاتِ في مجال ترقيةِ الشؤون الإسلامية.

 

وعلاوة على ذلك عَمِلنا على ترسيخ دولةِ القانون والمؤسسات، وتَعزيز الحرياتِ الفردية والجماعية، وحَارَبنا كافةَ المسلكياتِ التي تُناقض حقوق الإنسان، بتنفيذ الخِطةِ الوطنية لمحاربة الاتجارِ بالأشخاص والعملِ على مُواءمةِ قوانيننا مع ما صادَقنا عليه من معاهدات دولية ذات صِلةٍ. 

 

يَنضافُ إلى ذلك ما بَذلناه من جهود كبيرة في سبيل إصلاحِ الإدارة، بتقريبِ خِدْماتِها من المواطن، وتَمكينِه من إجراء معاملاتهِ، واسْتِيفاءِ حقوقِه، بكرامةِ وسلاسة، وعلى أساسِ مُجردِ المواطنةِ. 

 

وقد دَعمنا هذا التوجهَ الإصلاحيَ في الإدارة، بمحاربة الفسادِ، والرشوةِ، وسوء التسيير، مع الحرصِ على أن يَتِم ذلك، بنحوٍ مؤسسيٍ نزيهٍ، بعيدٍ عن الشخصنة، وتصفية الحسابات.

ومَا كانَ لشيءٍ مِن كٌلِّ ما تقدمَ أن يَتحقق، لولا أنْ وُفِّقْنا بحول الله وقوته، إلى تنفيذٍ ناجعٍ وفعالٍ، لاستراتيجيتنا الأمنية المندمجة، مكننا من صونِ أمننا، واستقرارِنا، على الرغمِ مِمَا فشَا في محيطنا الإقليمي، بل وفي العالم عموما، من عنفٍ، وإرهاب، ونزاعاتٍ مسلحة، تُقوِضُ دعائمَ الاستقرارِ، وتُعيق التنميةَ، بمختلف أبعادِها، وتُهدد كيانات الدولِ في الصميم.

وقد سَاعدت في تَرسيخ هذا الإنجاز، على مَدى السنوات الخمس الماضية، سياسَتُنا الخارجيةُ النشطةُ والمتوازنةُ، التي عَززت بنحوِ ملحوظٍ، حضورَنا ومكانتَنا إقليميا، ودوليا، باعتمادِها قواعدَ حُسنِ الجوارِ، والاحترامِ المتبادلِ، وترقيةِ المصالحِ المشتركة، مع الوقوفِ، بحزمٍ، إلى جانب القضايا العادلةِ، كالقضيةِ الفلسطينية.

 

وإن ما تَحقق على مستوى الحكامةِ السياسية وتًعزيز الوحدة الوطنية وتقوية اللحمة الاجتماعية لَضَرُورِيٌ لتحقيق ما تَعهدنا به في برنامج المأمورية الأولى من بناء اقتصادٍ صامدٍ متجه نحو الصعود.

 

وفي سبيل الوفاء بهذا التعهد بذلنا جهودا كبيرةً لتنمية الخِدْماتِ الأساسيةِ، من حيث الجودةُ ونِسبُ النفاذِ، ولتعزيزِ استغلالِ القطاعاتِ الإنتاجية وتطويرِ البنى التحتية للوصول إلى مستوى يَسمحُ بتحقيق تّحولٍ اقتصاديٍ يُفْضي إلى تَحسنٍ نوعيٍ في ظروف حياة المواطنين وإلى وضع بلادنا على مسارٍ تنموي صاعدٍ.

 

وفي هذا السياق، أطلقنا إصلاحا تربويا عميقا وعززنا مشروعَ المدرسةِ الجمهورية وتَوَسّعْنا في تشييد البني التحتيةِ التعليمية واكتتابِ وتكوينِ المدرسين وتوفير الدَّعاماتِ التربويةِ وهو ما أَوْصَلَ معدلَ التمدرسِ الابتدائي الصافي إلى 81 في المائةِ ونسبةَ الاسْتِبْقاءِ إلى 83 في المائة وَرَفَعَ نسبةَ النجاحِ في الباكالوريا إلى ما يَرْبو على 39 في المائة. يَنْضافُ إلى ذلك ما تم إحرازُهُ من مضاعفة الطاقة الاستيعابية بمؤسسات التعليم العالي والمِهني وتَنْويعِ عرضِ التكوينِ بها مع العملِ على مواءمته مع مُتطلباتِ سوقِ العملِ.

 

وفي ذاتِ الوقت عملنا على تَعزيز منظومتنا الصحية بتوفير الأدوية وتحسين جودتِها وبالتوسع في اكتتابَ الكوادرِ الطبية بمختلف فئاتها، وتحسينِ ظروفِ عملِها وفي بناءِ وتجهيز البنى التحتية الصحية مِن مستشفياتِ ومراكزَ ونقاطٍ صحية وهو ما مَكنَ من إيصال نسبةِ النفاذِ للخدمات الصحية لِما يناهزُ ثمانينَ في المائة سنة 2024.

 

وبالتَّوازي مع ذلك بذلنا جهودا كبيرة في إنشاء وتجهيز نقاطِ المياهِ بمختلف الولايات ومَدِ مئات الكيلومترات من الأنابيب ووضعِ آلافِ التوصيلات بشبكات المياه وتقويةِ وتوسيعِ شبكاتِ التوزيعِ مما أوصل نسبةَ الولوجِ إلى الماء الصالحِ للشرب، إلى 78 المائة سنة 2024.

 

وبفضل ما وُضِعَ من استراتيجياتٍ وما نُفذ من برامجَ ومشاريعَ، وكذلك بفضلِ جهودِكم جميعا تمكّنا، على مَدَى السنوات الخمس الماضية، من زيادة المساحات المزروعة بنسبة 33 في المائة. فارتفعَ بذلك إجماليُ الإنتاجِ الزراعي 2023 /2024 للموسم الزراعي بنسبة 71 في المائة، ووصلت مساهمةُ الزراعة في الناتج الداخلي الخام إلى 5.2 في المائة لسنة 2023. 

كما استطعنا، بما وَضعْناهُ من تنظيم مؤسسي ملائم لتطوير ثروتِنا الحيوانية، من تَحسين السلالاتِ وإقامةِ أقْطابٍ تنموية مندمجة في الولايات الرعوية وتَعزيزِ الصِحةِ الحيوانية وتوفيرِ الأعلاف، بنحوٍ رَفَعَ مساهمةَ الثروةِ الحيوانية في الناتج الداخلي الخام إلى 10.7 في المائة برسم سنة 2023. 

 

ومَنحنا، في ذات الوقت، ثروتَنا السمكيةَ فائقَ الاهتمامِ. فعَمِلنا ابتداء على مواجهة خطرِ استنزافِها ودَعمْنا الرقابةَ البحرية والبحثَ العلمي لإعادة تكوين المخزون وضمانِ استدامته علاوة على تشجيع الصناعة التحويلية للرفع من مستوى القيمةِ المضافةِ.

 

ونفسُ الاهتمامِ أوْليناه، كذلك، لثروتنا المعدنية. فحرِصنا على تنظيم وتأطير نشاط التعدين الأهلي وإصدار قانون التوجيه الخاص بالمحتوى المحلي وفتحِ السجل المعدني حسب قواعدِ الشفافية. وقد أوصلت هذه الجهودُ مساهمةَ القطاعِ في الناتج الداخلي الخام إلى 17.1 في المائة سنة 2023.

 

كما مكّن توجُهُنا الاستراتيجي المرتكزُ على استغلالِ المواردِ الوطنية لإنتاج طاقةٍ مستدامة، نظيفة وقادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة للمواطنين من رفع نسبةِ الولوجِ للكهرباء إلى 57 في المائةِ ونسبةِ الطاقاتِ النظيفة في مزيجِنا الطاقوي الإجمالي إلى 48 في المائة سنة 2023.

 

وقد تعزز ما تحقق من إنجاز على مستوي الخِدماتِ الأساسية والقطاعات الإنتاجية بما أحرزناه على مستوي البني التحتيةِ، إذ تَمكنا من زيادةِ طولِ شبكتنا الطرقية بما يناهزُ 3000 كيلومترٍ، ما بين تشييد جديد وإعادة تأهيل، مَكنتْ من تحسين الربط بين المقاطعات وعواصمِ ولاياتها. كما أنشأنا شبكاتٍ حضريةً ساعدتْ في تحسين واجهةَ مدننا وانسيابيةَ حركةِ المرورِ داخلها. واستفادت البنيةُ التحتيةُ المينائية من اهتمامٍ نَظيرٍ كما البنيةُ التحتيةُ الرقميةُ، التي توسعت بإنجاز 1700 كيلومتر من الألياف البصرية وبإتمامِ مشروع الربط الحدودي.

 

وقد مَكنت كل هذه الإنجازاتُ وبصفة أعمَّ السياساتُ الاقتصادية والنقديةُ التي وجَهْنا بتنفيذها من تحقيقِ نسبةِ نموٍ بلغتْ 6.5 في المائة سنة 2023 ومن رفعِ ناتجنا الداخلي الخام للفرد إلى ما يناهز 2400 دولار سنة 2023 وكذلك من التغلب على مشكلة الدين العام الذي انخفضت نسبته إلى الناتج الداخلي الخامِ لِتصل 40% سنة 2023.

 

وقد شَكلت هذه النتائجُ دعامة قوية لسياستنا التشغيلية التي مَكنت من خلق ما يربو على 125.000 فرصةِ عملٍ مباشرةٍ و268000 فرصةِ عملِ غير مباشرة.

 

ولولا ما تعرضت له بلادنا بدايةَ المأموريةِ الأولى، من صدمات خارجية عنيفة كجائحة كرونا والأزماتِ الأمنية الإقليمية والدولية الحادة وانعكاساتِها المتنوعة الهدامة، شأنُنا في ذلك شأنُ العالم عموما، لكانت، اليومَ، النتائجُ الجيدة التي أحرزناها أفضلُ وأعمقُ أثرًا.

 

أيها المواطنون؛

أيتها المواطنات؛

 

جَلِيٌ من ما تقدم أننا بحول الله وقوته وبدعمكم ومشاركتكم جميعا استطعنا، خلال المأمورية المنصرمة، إرساءَ شروطِ تحولٍ مجتمعيٍ يفضي إلى قيام مجتمع فخورٍ بتنوعهٍ، متصالحٍ مع نفسه، تُشاركُ كُلُ مكوناتِهِ في تدبير الشأنِ العام، وتستفيدُ في السويةِ والإنصاف من ثروات بلدها.

 

وسَنستمر بحول الله في تعزيز هذه المكاسب.

 

وفي هذا الإطار- كما أكدت على ذلك في خطابي بمناسبة تنصيبي رئيسا للجمهورية لمأمورية جديدة - سأظل متمسكا، على الدوام، بمبدأ الانفتاحِ والتهدئة السياسية والتشاورِ واليدِ الممدودة لكافة مكونات الطيف السياسي.

 

وإنني لعلى قناعة بأن تَجْنِيبَ بلدِنا كل ما قد يُرْبكَ مسيرتَه نحو البناء والنماء، لِيَظَلَ حرًا مستقلا مستقرا وآمنا، لَيتطلبُ دائمَ التواصلِ والحوار والنقاش بين مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين حول القضايا الوطنية الكبرى.

 

ولذا كان تنظيمُ حوارٍ جامع لكل مكونات الطيف السياسي من أبرز عناوين البرنامج الذي تقدمت به للشعب الموريتاني. 

 

وتنفيذا لهذا الالتزام وتجسيدا لتلك القناعة سنبدأ بحول الله، في الأشهر المقبلة، الاتصالَ بمختلف الأطراف السياسية، من مولاةٍ ومعارضةٍ، للتشاور حول أنسبِ السُّبلِ للتحضير الجيد لحوارٍ يطال كل القضايا الكبرى وخصوصا ما تعلقَ منها بتعزيز وحدتنا الوطنية وانسجامنا المجتمعي وترسيخِ نظامِنا الديمقراطي. 

وكما ذكرت سابقا فإنني أريد لهذا الحوارِ أن يكون حوارا جامعا صريحاً ومسؤولا تَتَرَفعُ أطرافُه عن المكابرات والمشاكسات العقيمة وعن الانسياق وراء تحقيق مكاسبَ شخصيةٍ وحزبية ضيقة على حساب الصالح العام المُتوخي منه.

 

ولضمان ذلك يجب أن نستفيد من التجارب السابقة ونقترحَ آليةً ومنهجيًة جديدتين لضمان نجاح هذا الحوار.

 

وعلاوة على هذه الجهود الكبيرة في تطوير الحكامة السياسية، ومكافحة الفقر والغبن والبطالة وسوء التسيير والفساد، تعزيزا للوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية، فإننا سنواصل تطويرَ الخِدماتِ الأساسية والقطاعات الإنتاجية والبني التحتية الداعمة للنمو.

فبخصوص الخِدماتِ الأساسية سنستمرُ في تنفيذ إصلاح النظام التعليمي وتعزيز المدرسة الجمهورية، ودعم القدرة الاسْتِبْقائية للمنظومة التعليمية وتحسين فعَّاليتها الخارجيةِ وظروفِ عملِ المدرسينَ بها وكذلك في تنويعَ عرضِ التكوينِ الجامعي وتمهينِه حرصا على موائمته مع حاجات سوق العمل.

 

كما سَنسعى إلى تحقيق نفاذٍ شاملٍ لخِدماتٍ صحيةٍ جيدةٍ بتطوير وضبطِ حكامةِ القطاع وبتعميم المستشفيات الجهوية المتعددةِ الاختصاصات وبناء مُركبٍ استشفائي جامعي.

ونفسُ هذا النفاذِ الشاملِ سنعملُ على تحقيقه فيما يتعلق بالماء الصالح للشرب وذلك بتنويعِ وتأمينِ مصادرِ التموينِ، بما فيها التَّحليةُ، وتعميقِ استكشافِ المواردِ الجوفية وتعبئة المياهِ السطحية وبالتوسعِ في بناء السدود مع انشاءِ صرفٍ صحيٍ فعالٍ في عواصم الولايات، قُطبُه الأول قيدٌ الإنشاءِ في مدينة نواكشوط.

 

ودعما لهذا الجُهدِ الخدمي، سيكون من أُوْلى أولوياتنا تعزيزُ مسارِنا التنموي الصاعِد بالعمل على تحقيق أعلى مستوًى ممكنٍ من الأمنِ والسيادةِ الغذائية بترقية قطاعاتِنا الإنتاجية، من زراعة وثروة حيوانية وسمكية، وكذلك بتعزيز وتطوير بنيتِنا التحتية الطرقية والمينائية والرقمية. كما سنعمل على استغلال مخزونِنا الطاقوي من الغاز والطاقات المتجددة لتلبية الحاجاتِ الطاقوية، المنزلية والصناعية، ولترقيةِ وتطويرِ قطاعنا المعدني ودمجه في النسيج الاقتصادي، وكذلك لإنتاج الهيدروجين الأخضر تعزيزا لدورنا كفاعلٍ مركزي في التحول الطاقوي العالمي.

 

مواطني الأعزاء 

إن الهدف الأساسَ لكل الجهودِ التي بذلناها ونَعْتزم بذلها على صعيدِ تحسينِ الحكامةِ السياسة والاقتصادية والاجتماعية هو صَوْنُ أمنِ بلدِنا واستقرارِه وتطويرِه إنمائيا لتتحسنَ باطراد ظروفُ عيشِ المواطنين وخاصة المتقاعدين منهم والقائمين على الخدمات الأساسية من أمن وتعليم وصحة.

 

ونظرًا لبالغ اهتمامي بتوفير سُبلِ العيشِ الكريم للمواطنين وتحسينِ ظروفهمِ، ماديا ومعنويا، لم أفَوِتْ، طيلةَ المأموريةِ الماضية، أي فرصةٍ سَنحتْ لزيادة رواتبِ وعلاواتِ العمالِ وتعويضاتِ المتقاعدين. 

 

فقد استفادَ عمال الصحة من مضاعفة رواتبهم خلال السنواتِ الثلاثِ الأخيرةِ ومن زيادةٍ معتبرةٍ لعلاوة الخطرِ. كما استفادَ عمال التعليمِ من زياداتٍ، هي الأخرى، معتبرةٍ وصلتْ إلى الضِّعفِ فيما يخصُ علاوات التأطيرِ والطبشورِ والبعدِ. 

 

كما استفادَ أساتذة التعليم العالي من زياداتٍ قيمةٍ لرواتِبِهم. هذا علاوةً على رفعِ رواتب كل الموظفين بعشرين ألف أوقية قديمة ومضاعفةِ تعويضات المتقاعدين. 

 

واستمرارًا في نفس النهج قررنا، وعيًا بدقة ظروف المدرس وحرصا على تحسينها، استحداثَ صندوقٍ لتمويل برنامجٍ لدعمِ سَكَنِ المعلمين والأساتذةِ وتخصيصَ كل المنازلِ التي تم تشيدها في إطار برنامج داري وعددُها 2508 منزلا، تزيد قيمتها الإجمالية على 22 مليار أوقية قديمة، لدعم هذا الصندوق. وقد وجهنا الحكومة بالشروع في تحديد آليات تسيير وشروطِ الاستفادةِ منه بالشراكة مع ممثلي المدرسين في أقرب الآجال.

 

كما قررنا تخصيصَ علاوةٍ شهريةٍ بقدر 20.000 أوقية قديمة لمدرسي السنة السادسة من التعليم الأساسي سيستفيد منها خلال العام الدراسي 2024 - 2025 أكثر من 4000 مدرسٍ.

 

وفي نفس الإطار قررنا كذلك تحسينَ ظروف أفرادِ قواتِنا المسلحة وقوات أمننا من خلال زيادة الرواتب الشهرية للجنود والوكلاء 15000 ألف أوقية قديمة ورواتب ضباط الصف 10000 آلافِ أوقية قديمة.

 

كما الزمنا الحكومة بالإسراع في الدعوة إلى حوارٍ بين الأطرافِ الاجتماعية من أجل تدارس سٌبُلِ الرَّفعِ من الحد الأدنى للأجور وبإطلاق دراسة تسمح بمراجعة نظام تقاعد موظفي القطاع العام قصد تحسين ظروف التقاعدين.

 

أيها المواطنون؛

أيتها المواطنات؛

إنني مؤمن بعبقرية الشعب الموريتاني، واثقٌ بقدرتنا معا على تحقيقِ ما نطمحُ إليه جميعا لبلدنا.

 

فمعًا، يمكننا إحداثُ تحولٍ مجتمعي أساسُه الثقةُ القويةُ بين مكوناته وفي مؤسساته، يوطد وحدتنا الوطنية ويعزز نظامنا الديمقراطي. ويضاعف فعالية جهودنا في وضع بلدنا على مسار تنموي صاعد يُسرِّعُ قيامَ الوطن الذي نريده جميعا، وطنُ العدلِ والإخاءِ والتقدمِ والنماءِ.

 

عاشت موريتانيا، حرة، مستقلة ومزدهرة!

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..