تغطية مهرجان "مدائن التراث": شنقيط ..منارة العلم ....وعبق التاريخ - الجديد نيوز

 

ابنة الرمال "شنقيط" من أشهر المدن التاريخية بالبلاد؛ سميت عليها البلاد قبل الاستقلال حتى صارت كلمة "شنقيطي" صفة مدح لأبنائها بما توحي إليه من علم وأخلاق وصفات حسنة أخرى .


أصل التسمية يعود إلى لغة الأمازيغ وتعني "عين الخيل" وهي تقع شرق مدينة أطار عاصمة ولاية آدارار.


حظيت المدينة بشرف تنظيم نسخة من مهرجان المدن التاريخية قبل تسميته الجديدة "مدائن التراث" وإدخال المكونة التنموية فيه.


المدينة تمثل مركزا عمليا وتجاريا وحضاريا على ملتقى طرق القوافل القديمة .


تستعد المدينة لاحتضان النسخة الـ13 من مهرجان "مدائن التراث" مابين 13 و17 دجمبر الجاري .


في العرض التالي أضواء على مدينة شنقيط من حيث المكانة العلمية والتاريخية .

 

التأسيس والموقع الجغرافي



تأسست مدينة شنقيط  في القرن الـ 2 هـ،  1262 م وهي مدينة تاريخية عاشت قرونا مزدهرة قبل أن تسقط وسواء كانت المدينة وريثة مدينة أقدم انتقل إليها مركز الثقل العمراني والبشري منها أم لا، فإن أغلب المصادر تعيد تأسيس شنقيط الحالية إلى نحو 8 قرون، أي في حدود منتصف القرن الـ13 الميلادي 1262م/666هـ، حيث كانت من المراكز التجارية المهمة على طرق القوافل، التي كانت تعبر الصحراء بين غرب وشمال أفريقيا، كما كانت قديمًا منطلق قوافل الحجاج المتجهة إلى مكة مرورًا بمصر والسودان، ويُعد هذا أحد الأسباب التي عمّقت العلاقات الثقافية مع البلدان العربية والإسلامية.


وتوجد شنقيط على هضبة آدرار في الوسط إلى الشمال الغربي من موريتانيا، على بعد أكثر من 400 كيلومتر إلى الشرق من المحيط الأطلسي، وعلى ارتفاع يقارب 500 متر فوق مستوى سطح البحر
وترتفع درجات الحرارة فيها  خلال النهار، وتنخفض بشكل حاد في الليل، وقد تصل إلى 49 درجة مئوية خلال فترات الحر، بينما تصل درجات الحرارة الدنيا إلى 10 درجات، ويبلغ المتوسط السنوي لدرجة الحرارة القصوى 35.7 والدنيا 24.7


يتميز المناخ بالجفاف الذي يتضح من ندرة الأمطار طوال العام، بمعدل تساقطات مطرية لا يتعدى 8.5 مليمترات سنويا، ما أسهم بشكل كبير في التصحر وزحف الرمال.


وتتوفر للمدينة مصادر مياه جوفية عذبة، لكن منسوبها مهدد بفعل تناقصه المستمر، مع تزايد الاستغلال وندرة تعويض المخزون لشح الأمطار.

 

شنقيط ...المكانة العلمية والتاريخية



ظلت شنقيط مدينة معروفة باعتبارها مركزا علميا وروحيا، وشكلت منطلقا للحجيج نحو الديار المقدسة، وهو ما أكسبها شهرة في الأصقاع، ليطلق اسمها على البلاد، ولا سيما في بلدان المشرق الإسلامي..


وأسهمت في هذا التطور عوامل متداخلة، أبرزها ركب الحجيج الذي كان ينطلق منها قاصدا الديار المقدسة، وقدوم علماء من البلاد إلى المشرق للحج  واقتناء المكتبات، واستقر المقام ببعض هؤلاء في أقطار المشرق، مثل مصر والحجاز والعراق والسودان؟


مثّلت شنقيط محطة مهمة على طريق القوافل، الذي عرف بـ"الطريق اللمتوني" للتجارة عبر الصحراء في غرب أفريقيا، وكان يربط بلدان أفريقيا بحواضر المغرب، مرورا بمدن الصحراء الرئيسية.


وتعد شنقيط حلقة الوصل بين المراكز البشرية على امتداد طرق القوافل، ومنحت المناجم آنذاك أهمية اقتصادية للمدينة الصحراوية، إذ كانت لها أهمية مركزية في التبادلات التجارية، إضافة إلى البضائع التي كانت تمر عبر المدينة، مثل التمور والجلود والثياب والإبل.


ومع الزخم الذي اكتسبته التجارة الأطلسية مع مرور الزمن، تضاءلت تجارة القوافل عبر المدن التاريخية في الصحراء، بسبب ندرة في  الموارد وهجرة السكان، ومعاناتها من صعوبات اقتصادية.


ومع وجود سكان مستقرين في المدينة، فإن جزءا منهم  كان يمازج بين أنماط الاستقرار في المدينة، والترحال حولها وفق ظروف الحياة البدوية.

 

شنقيط... منارة العلم وعبق التاريخ

 

رغم الظروف الصعبة لهذه المدينة التاريخية، والتي زادت من وطأتها موجة جفاف ضربت البلاد في سبعينيات القرن الماضي، فإنها لا تزال صامدة، بوجود سُكان حرصوا على حراسة تراث أجدادهم ووطنهم بل تراث الإنسانية جمعاء حيث يمارسون بعض الأنشطة، مثل زراعة الواحات، بالإضافة إلى بعض الأنشطة الحكومية مثل مهرجان مدائن التراث الذي ينظم كل سنة في إحدى المدن التاريخية الموريتانية.


وتحتفظ المدينة شنقيط بكنوز ثقافية ثمينة، من خلال مكتباتها التي تضم قرابة 6000 من المخطوطات النادرة في مختلف المجالات: الدينية والأدبية وحتى في الرياضيات والطب والفلك وغيرها من العلوم.

وتوجد هذه المخطوطات في مكتبات أهلية عريقة، منها: مكتبة أهل أحمد شريف، ومكتبة أهل حبَّت، ومكتبة أهل أوداعَه، ومكتبة أهل الخرشي، ومكتبة أهل عبد الحميد، ومكتبة أهل السبتي، وغيرها من المبادرات الشخصية التي تسهر على حفظ وصيانة هذه المخطوطات، رغم ما تواجهه من عوامل التعرية المناخية والزمنية التي تهدد بانقراض إرث إنساني نفيس.


إنها مدينة تفوح بعبق التاريخ والعلم؛ يفد إليها الباحثون والعلماء والطلبة  من كل حدب وصوب للبحث في كنوزها العلمية التي لاتنتهي .
أدرجت مع أخواتها: ولاته ووادن وتيشيت ضمن التراث العالمي اعترافا بمكانتها وبأهميتها كتراث إنسان عالمي تجب حمايته .