هل ستنجح الحكومة في تنفيذ خطة 304/2025 ؟

 

 محمد الأمين الفاضل

تعودنا أن نسمع من الحكومات السابقة خطابات مليئة بعبارات والتزامات مبهمة، ووعود ضبابية، غير قابلة للقياس، وكثيرا ما كان يتعهد الوزير الأول أمام البرلمان بأن حكومته ستقوم ب"جهود جبارة" في هذا القطاع، وستحقق "قفزة نوعية" في ذلك القطاع، وستسجل "إنجازات غير مسبوقة" في ذاك القطاع، وهكذا حتى تُعَمَّم الالتزامات المبهمة على كل القطاعات الوزارية.
وبطبيعة الحال، فلا يخفى عليكم، أنه لا توجد وحدات للقياس، لا بالطول، ولا بالوزن، ولا بالحجم، يمكن أن نقيس بها هذه العبارات الفضفاضة والمبهمة لنعرف ماذا تحقق من "الجهود الجبارة" في عهد هذه الحكومة، أو من" الإنجازات المسبوقة أو غير المسبوقة" في عهد تلك الحكومة، ونحن لا نعرف أيضا، حتى عند استخدام وحدات القياس المعروفة، إن كان من المناسب أن نستخدم الكيلومتر أو المليمتر  لقياس المسافة التي قطعتها بلادنا في إحدى "قفزاتها النوعية" التي تتكرر دائما، وفي كل القطاعات، حسب ما تعودنا أن نسمع من القائمين على تلك القطاعات.
لم يكن بإمكاننا في الماضي أن نتابع أو نراقب أو نقيم الأداء الحكومي بشكل دقيق، فبرامج الحكومات المتعاقبة كانت قائمة على وعود والتزامات فضفاضة لا يمكن قياسها، ولا التحقق من مستوى التقدم في إنجازها، ولذا فقد كان من الطبيعي جدا أن يقول الداعم للنظام بأن الإنجازات التي تحققت كانت عظيمة، ويقول في نفس الوقت المعارض للنظام بأن الإخفاقات كانت أعظم، وأنها إخفاقات غير مسبوقة.
في اعتقادي الشخصي أن هذا الخلاف الكبير في التقييم بين القائلين بالإنجازات العظمى، والقائلين بالإخفاقات الأعظم، لم يعد مبررا في عامنا هذا، وذلك بعد أن ألقى معالي الوزير الأول خطابا هاما أمام البرلمان، يمكن أن يُصنَّف بأنه أول خطاب لوزير أول يتضمن خطة عمل سنوية للحكومة واضحة المعالم، وقائمة على التزامات محددة، يمكن أن تُقيم بسهولة في نهاية العام، وذلك من خلال تحديد نسبة ما تم تنفيذه من التزامات الخطة، والتي بلغت في مجموعها 304 التزامات. 
لقد أتاح خطاب الحصيلة والآفاق الفرصة لكل متابعي الشأن العام، معارضين كانوا أو موالين أو مستقلين، أن يتحدثوا ببرهان، وأن يقيموا أداء الحكومة الحالية في عام الناس هذا بشكل علمي دقيق، وذلك اعتمادا على نسبة ما أنجز وما لم ينجز من الالتزامات التي تضمنتها خطة الحكومة للعام 2025. 
وإذا ما تحدثنا بلغة إحصائية فصيحة، فإن الحكومة مطلوب منها ـ وبلغة المتوسطات الحسابية ـ أن تنفذ التزاما واحدا في كل يوم من العام 2025، أو على الأصح، واحتراما لدقة الأرقام، أن تنفذ التزاما واحدا كل 28 ساعة و48 دقيقة.
لم تعد هناك ضرورة للاستمرار في التقييمات المتباينة جدا بين المعارضة والموالاة، وذلك بعد أن استعرض الوزير الأول أمام البرلمان 304 من الالتزامات المحددة بشكل دقيق، ووعد بتنفيذها خلال سنة، فما على المعارضة إلى أن تعُدَّ ما تحقق من تلك الالتزامات خلال العام، فإن كانت نسبة الإنجاز قليلة، وجدت حجة لا يمكن الطعن فيها لتنتقد النظام بقوة وحدة، وما على الموالاة كذلك إلى أن تعُدَّ ما نُفِّذَ من تلك الالتزامات عدَّا، فإن كانت نسبة ما تم تنفيذه عالية، جاز لها أن تثمن أداء النظام تثمينا تمتلك على وجاهته كل البراهين والأدلة المطلوبة.  
إنها مجرد أسئلة بسيطة جدا علينا أن نجيب عليها خلال العام 2025، وبذلك سنمتلك من الأدلة ما يكفي لأن نصدر حكما إيجابيا أو سلبيا على أداء الحكومة، فيمكننا مثلا أن نسأل في نهاية العام: إن كانت الأعمال قد انتهت فعلا في مستودعات التخزين للشركة الوطنية للمحروقات؟ وهل انتهت الأعمال في الخط الكهربائي الرابط بين نواكشوط وازويرات؟ وهل وُضِع الحجر الأساسي لمشروع تزويد كيفة بمياه الشرب من النهر؟ وهل تم تشييد 18 منشأة صحية بيطرية جديدة؟ وهل نُظمت في نواكشوط النسخة الأولى من المعرض الدولي للكتاب؟ وهل انتهت الأشغال في مستشفى تجكجة ومستشفى لعيون، وهل دخلا الخدمة فعلا؟ وهل تم اكتتاب حوالي 3000 موظف ما بين مهندس وطبيب وأستاذ ومعلم في العام 2025، أي بمعدل اكتتاب 8 موظفين في كل يوم؟ وهل أصبحت هناك سلطة وطنية لمحاربة الفساد تتمتع بالاستقلالية وتمتلك الصلاحيات الكاملة لمحاربة الفساد؟ وهل تم إصلاح نظام الصفقات العمومية ورقمنة إجراءاتها؟ وهل شُقت في العاصمة نواكشوط 136 كلم من الطرق، منها 50 كلم عبارة عن طريق التفافي؟ وهل بدأ العمل في خط أمل الكهربائي الذي يربط نواكشوط بالنعمة؟ وهل بدأت الدراسة في جامعة نواذيبو؟ وهل انطلقت الأشغال في مستشفى سلمان الجامعي؟ وهل بدأت الأشغال لبناء المختبر الوطني لمراقبة جودة الأدوية؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تتعلق ب304 من الالتزامات التي تعهد بها الوزير الأول أمام البرلمان، ووعد بتنفيذها في العام 2025.
كل الالتزامات التي تضمنتها خطة الحكومة في العام 2025 كانت التزامات واضحة جدا، يمكن تحديد مستوى تنفيذها بدقة عالية جدا، باستثناء التزام واحد، استخدمت فيه واحدة من العبارات التقليدية المبهمة، وهو الالتزام المتعلق بإحداث "نقلة نوعية في مجال مرتنة مناصب الشغل في أسطولنا الوطني"، فكم من موظف موريتاني علينا أن نوظفه في أسطولنا الوطني خلال هذا العام، حتى يكون بمقدورنا أن نقول بأننا قد أحدثنا فعلا "نقلة نوعية" في مرتنة الأسطول؟ في هذا الالتزام، وفي هذا الالتزام فقط، قد نختلف في تحديد العدد المطلوب.
جاء خطاب الحصيلة والآفاق بعد خطاب آخر سبقه، ألقاه معالي الوزير الأول أمام البرلمان، ولم تغب فيه هو أيضا بعض الالتزامات الواضحة والمحددة بسقف زمني قصير جدا، ففي يوم 4 سبتمبر 2024 تعهد الوزير الأول أمام البرلمان بتسريع وتيرة العمل لإكمال 13 مشروعا قبل نهاية السنة، وقد اكتمل العمل في 11 مشروعا منها، وبقي مشروعان أحدهما قد يتأخر لشهر، والثاني لثلاثة أشهر وزيادة، والتزم أيضا في نفس الخطاب بتسريع العمل لوضع حجر الأساس لتسعة مشاريع قبل نهاية السنة، فانطلقت الأعمال في سبعة منها، وبقي اثنان تأخرا لشهرين، هذا فضلا عن الالتزام بعشرة برامج لتحسين ظروف عيش وسكن المواطنين، وقد أنجزت، كما أطلقت ثلاث مبادرات لإشراك المواطن في مراقبة العمل الحكومي، وكانت من بين ما التزم به الوزير الأول في خطاب 4 سبتمبر.
يعني هذا ـ وبلغة الأرقام ـ أن نسبة الالتزام بتعهدات الأشهر الأخيرة من العام 2024 قد وصلت إلى 88.5%، وأن التأخر في تنفيذ تلك الالتزامات لم يتجاوز نسبة 11.5% ، ويتعلق التأخر بأربعة مشاريع فقط من بين 35 مشروعا، وتأخر هذه المشاريع كان لفترة غير طويلة جدا، وكان على النحو التالي : مشروعان تأخرا لشهر واحد، ومشروع واحد تأخر لشهرين، ومشروع واحد تأخر لثلاثة أشهر.
لقد نجح الوزير الأول وحكومته في امتحان الأشهر الأربعة الأخيرة من العام 2024، فهل سينجح في امتحان العام 2025، والذي يتعلق هذه المرة بمئات الالتزامات؟
إن نجاح الوزير الأول وحكومته في امتحان 2025 سيبقى مرهونا بتنفيذ 304 من الالتزامات التي تعهد بها أمام البرلمان في خطاب الحصيلة والآفاق، وفي حالة نجاحه في تنفيذ هذه الخطة سيكون بذلك قد حقق أكثر من 5/1 برنامج "طموحي الوطن"، فهذه الالتزامات ال304 ما هي إلا أقساط سنوية من الركائز الخمس التي تضمنها برنامج فخامة رئيس الجمهورية، والتي وعد بالعمل عليها خلال هذه المأمورية. 
ختاما
لقد خاطر معالي الوزير الأول سياسيا عندما تعهد في خطابه أمام البرلمان بأن الحكومة ستنفذ 304 من الالتزامات الموثقة في خطة الحكومة خلال العام 2025، ولقد أشار هو بنفسه في خطابه إلى تلك المخاطرة، والتي أعتبرها شخصيا مخاطرة في غاية الأهمية، وذلك لأنها قدمت للنخبة السياسية من معارضة وموالاة، ولكل متابعي الشأن العام، التزامات واضحة ومحددة ستمكنهم من تقييم الأداء الحكومي في العام 2025 تقييما علميا قائما على أدلة وبراهين، إيجابيا كان أو سلبيا، حسب ما سينفذ من تلك الالتزامات.
هناك تفاؤل له ما يبرره، وهناك توقع بأن نسبة الإنجاز في العام 2025 لن تكون بعيدة من نسبة الإنجاز التي تحققت بخصوص التزامات الرابع من سبتمبر من العام 2024.  
  
حفظ الله موريتانيا...
محمد الأمين الفاضل
[email protected]