محسن رمضان / كاتب فلسطيني
أدت تصريحات ترمب بالمؤتمر الصحفي المشترك مع نتنياهو قبل أيام قليلة بالبيت الأبيض بخصوص تهجير شعبنا من قطاع غزة وتحويله عبر مشاريع استثمارية إلى «ريفييرا الشرق» إلى موجة عاصفة من ردود الفعل المنددة والمستنكرة لهذه التصريحات التي تعد دعوة صريحة لممارسة التطهير العرقي المخالف للقانون الدولي ومنظومة حقوق الإنسان.
لقد استنكر كل من البلدان العربية والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا والمكسيك والبرازيل والعديد من بلدان العالم هذه التصريحات العنصرية.
تزامنت تصريحات ترمب بخصوص قطاع غزة مع سلسلة من القرارات التي اتخذها بحق هيئات وتشكيلات بالمنظومة الدولية ومنها انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ ومن منظمة الصحة العالمية ومن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والتأكيد على وقف تمويل الأونروا إضافة للإجراءات العقابية التي اتخذها بحق قضاة محكمة الجنايات الدولية بوصفها تعبر عن منظومة العدالة الدولية ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
إن الجهة الوحيدة التي رحبت بقرارات ترمب تجاه شعبنا في قطاع غزة وتجاه المنظومة الدولية هي اليمين الفاشي والمتطرف في دولة الاحتلال.
يلتقي ترمب مع نتنياهو بالعديد من الأمور، فهما يشتركان بنزعة التفوق العرقي واحتقار القوميات والأعراق الأخرى وتقويض المنظومة الدولية ومبادئ حقوق الإنسان التي دشنتها البشرية بعد الحرب العالمية الثانية من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتأسيس الأمم المتحدة.
يحيط ترمب نفسه بمجموعة من مؤيدي المسيحية الصهيونية المسيانية الداعمة لدولة الاحتلال كما يجد ترمب أن هناك تشابهًا بين غزو اليهود الصهاينة لأرض فلسطين مع مجموعات الاستيطان الأوروبية التي غزَت قبل عدة قرون أميركا وأستراليا والتي قامت من خلالها بمحو وإزاحة معظم السكان الأصليين.
إن تلاقي البعد العقائدي (المسيحية الصهيونية) مع البعد الاستعماري المبني على الهيمنة والعودة لأدوات القوة العسكرية الغاشمة والاقتصادية الخشنة والابتزازية في تفكير ترمب هو الذي أدى لاستسهال فكرة طرد السكان الأصليين من غزة ممزوجا بالبعد الاستثماري بوصفه رجل عقارات يؤمن بالصفقات التجارية دون الاكتراث بالحقوق الوطنية وفي المقدمة من ذلك حق تقرير المصير للشعوب.
وقبل تصريحات ترمب العاصفة وقراراته تجاه الهيئات الدولية كان قد كشّر عن أنيابه الاستعمارية والإمبراطورية والتوسعية من خلال حديثه عن إمكانية ضم كندا والسيطرة على غرينلاند وفرض رسوم جمركية عالية على كل من المنتجات المكسيكية والكندية والصينية واحتمالية القيام بذلك تجاه المنتجات الأوروبية والضغط عليها لرفع مساهمتها بميزانية حلف الناتو.
يفهم ترمب شعار عودة أميركا لتبقى عظيمة ليس من خلال استخدام وسائل اقتصادية وسياسية تؤدي إلى تعزيز مكانتها بالمنظومة الدولية عبر الترويج لقيم الحرية والديمقراطية وعبر التدخلات الإنسانية لمصلحة الشعوب المظلومة والمضطهدة ومن خلال احترام الآخرين ومصالحهم الحيوية وأمنهم القومي، بل من خلال أدوات الهيمنة الاقتصادية والعسكرية والمالية الخشنة وعبر القطع من المنظومة الدولية في محاولة لنقل العالم إلى مرحلة شريعة الغاب بدلا من سيادة القانون.
تترابط سياسات ترمب مع إجراءاته تجاه الدولة العميقة بالولايات المتحدة التي يريد الانتقام منها على خلفية محاولات مقاضاته بتهم فساد متعددة إلى جانب الهجوم على مقر الكابيتول.
يشترك ترمب مع نتنياهو في محاولة الاثنين استبدال الدولة العميقة في مجتمعاتهما بالعمل على تشكيل هيئات الإدارات الحكومية لتكن موالية شخصيا لهما.
وبالوقت الذي تشكل تصريحات ترمب تهديدا وجوديا على شعبنا وحقوقه الثابتة والمشروعة فهي تشكل فرصة يمكن استثمارها عبر إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتنفيذ مخرجات إعلان بكين وتعزيز مقومات الصمود عبر تشكيل لجان مقاومة التهجير ومن أجل حق العودة وتفعيل المقاومة الشعبية إلى جانب تفعيل اللجنة السداسية العربية وتعزيز الرفض العربي لمثل هكذا دعوات وتصريحات إلى جانب الدعوة لعقد مؤتمر دولي بمشاركة كل بلدان العالم للتنديد بدعوات ترمب على طريق تشكيل أوسع جبهة عالمية لمقاومة الرأسمالية الترمبية المتوحشة والبربرية ومن أجل التمسك بعالم مبني على قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.