ذكــــــــريــــــاتٌ مــــــــــــــــع رمــــــــضــــــــــــــان ــ الجديد نيوز

الأستاذ : محّم ولد الطّيب
 إعداد: محمد ولد سيدناعمر


تحدث ضيفنا في هذه الحلقة عن أبرز ذكرياته مع رمضان والمكانة التي كان يحتلها الراديو بالريف؛ حيث كان أيقونة الشهر الفضيل من بدايته إلى نهايته، كما كانت لعبة (ظامت) من فنون التسلية المشهورة فيه.
مجال تخصص ضيفنا هو الفلسفة وهو كاتب مميز رفع راية الوطن خفّاقة في العديد من المحافل الثقافية العربية المهتمة بكتابة القصة القصيرة والومضة وشعر الهايكو.
جاب مناطق الوطن ينثر العلم ويغرس الأخلاق الحميدة في نفوس طلابه.
نترككم رفقة الأستاذ: محَّم ولد الطيب وما سطّره من ذكريات رمضانية شائقة.

 

ذكـــريات لا تمّحــــي


رمضان شهر الرحمة والمغفرة، تصفد فيه الشياطين وتفتح فيه أبواب الجنة، ويسير الناس فيه على الصراط المستقيم، أو هكذا يفترض بهم، وليس مجرد مناسبة عابرة لا تلبث أن تنمحي ذكراها في النفوس، بل حباها الله أن تظل عالقة في الأذهان لأهميتها، ولأن رمضان مناسبة تستجمع فيها الأمة رصيدها الإيماني وتجدده، كان هذا الشهر يشكل ركنا أساسيا من أركان الذاكرة الثقافية والدينية لكل مسلم مهما كانت طبيعته.
وبما أن لكل مسلم ذكرياته الخاصة مع هذا الشهر الكريم فإنني عندما التفت بعقلي إلى ما انقضى من أيام خَلَتْ عشنا فيها أْرْمِضَة عدة، تبدأ الذكريات الأولى تتواثب إلى رأسي واحدة تلو الأخرى، ولا يمكنني أن أميز أبدا بينها لتشابكها، فلرمضان في حياتنا ذاكرتان متوازيتان: إحداهما تتعلق بالطقوس والممارسات الجميلة التي تصاحب قدومه وإدباره،  ولهذه الذاكرة علاقة وثيقة بالبقعة المكانية للحدث، فرمضان في الريف يختلف من حيث طقوسه عنه في المدينة.
أما الذاكرة الثانية فتتعلق بالأنشطة  الثقافية التي تكتنف الشهر الكريم ليلا ونهارا.
وعندما ننظر إلى محتوى هاتين الذاكرتين على امتدادهما الزماني والمكاني يبدو لنا رمضان مناسبة ملهمة تستهوي النفوس، لما يحدث من ديناميكية تبعث كل نفس على البوح. 
ورغم أن لرمضان ذكريات كثيرة ومتشعبة، فإن ثمة بعض الأمور التي ما تزال عالقة في ذهني عن رمضان، فلا أنسى ما كان للمذياع (الراديو) من دور محوري في حياتنا الرمضانية الماضية في الريف، ذلك الجهاز السحري الذي لم يكن ليتسنى لكل شخص امتلاكه، ذلك الذي يعتبر كلامه مقدسا عند القرويين، ولا يملكه إلا شخص متقدم في العمر يتحلق حوله الناس كل ليلة يحتسون الشاي جماعيا ويغدون ويروحون عليه سائلين عما قاله الراديو.
ولم يكن الراديو مجرد آلة ترفيهية تستهوي الناس، بل كان  فوق ذلك أيقونة رمضان من بدايته إلى نهايته، فهو الأداة التي يصام بمقتضى قولها، ويفطر بمقتضاه في نظر سكان الريف، حتى أن البعض تارة لا يفطر مساء إلا من خلاله رغم الفارق الزمكاني حرصا على صلاحية صيامه، كما أنه كان أداة للاستماع إلى البرامج الرمضانية التي لم يكن ليتسنى لأحد معرفة شيء عنها في ظل غياب الهواتف وانعدام التلفاز بعيد المنال حينها.


ثــقـــافـــة وتــرفــــيـــه


لا تقل أهمية القناديل أو النيران المشتعلة طيلة ليالي رمضان والتي يوقدها الشباب، والتي تنتظم حول أشعتها جوقات ثقافية وترفيهية شبابية مختلفة، فتجد هؤلاء الشباب قد تحلقوا حول (ظامت) وأولئك مشجعون، وآخرون يتبارون في الشعر من خلال "الندوات الشعرية" وأولئك يحفظون أشياء لم يسعفهم الوقت في حفظها قبل رمضان، والبعض يتبادلون أطراف الحديث على بسط يحتسون الشاي المنعنع مستمتعين بشرب مياه باردة بعد يوم طويل من الحر اللافح.
كما أتذكر جيدا كيف أن الشباب كانوا يسهرون طيلة ليالي رمضان عاكفين على تأدية أنشطة مختلفة منها الترفيهي والثقافي، حتى إذا ما اقترب وقت السحور تفرقوا في أزقة الأحياء جماعات يقرعون بعض علب الزيت الخاوية لتنبيه النائمين على حلول وقت السحور، فما أجمل الحياة القديمة، وما أجمل شهر رمضان بنكهة شبابية وما أعظم قيمة الطاقات الشبابية حين تسخر سواعدها لصالح الأمة!!
وصدق من قال:"الخير كله في الشباب والشر كله في الشباب