تحيى محمد المصطفي : لا أعتقد أن هنالك ما يسوّغ الاحتفال بعيد المرأة في موريتانيا

رسمت ضيفتنا صورة قاتمة لواقع المرأة، مؤكدة أنه لايوجد مسوغ لاحتفالها بالعيد الدولي 8 مارس.


مبررات كثيرة ساقتها الضيفة؛ منها أن المرأة تعيش واقعا مريرا يتمثل في تفشي الأمية والدوران داخل حلقة مفرغة من الفقر المدقع والتهميش والظلم.

 واستدركت بأن مايقال عن تمكين المرأة لا يتعدى أن يكون الهدف منه "للاستهلاك الخارجي"


وأكدت أن ضعف القوى العاملة بين صفوفهن، يعود للتنشئة الاجتماعية على الاتكالية، وعدم الاعتماد على الذات، وحصر وظيفتهن في المستوى الاجتماعي فقط .


وطالبت بالتصدي للعنف ضدهن من خلال سنّ القوانين الرادعة، وتغيير عقليات المجتمع، ولتحسين وضعية النساء طالبت بضمان الاستمرار في تعليم الفتيات وتشجيعهن .


ضيفتنا أستاذة لغة عربية مهتمة بالأدب النسائي  ومقدمة برامج " اليراع الناعم "على شاشة الموريتانية،  ذات نظرة حصيفة ومعرفة بمنعرجات الحياة .

نرحب بكم في حوار مع الأستاذة تحية بنت محمد المصطفى بمناسبة عيد المرأة .

الجديد نيوز: تحتفل المرأة الموريتانية بهذه الذكرى على غرار نساء العالم، هل من تقييم لوضعية المرأة بالبلد بشكل عام؟

 

في البداية أشكركم على هذه السانحة، وعلى اهتمامكم بقضايا النساء، أما فيما يخص سؤالكم، فلا أعتقد أن هنالك ما يسوغ للمرأة الموريتانية الاحتفال بهذا اليوم، لأن وضعها  لا يزال دون المستوى، مقارنة بوضع نظيراتها في العالم الآخر، وحتى في بعض دول الجوار، إلا إذا اعتبرنا هذا اليوم فرصة للتذكير بضرورة تحسين أوضاع النساء في البلد وحاجتهن إلى لفتة كريمة وجادة من لدن صناع القرار في وطننا.

 

الجديد نيوز: تشير الإحصائيات المتوفرة إلى نسب معقولة لولوج المرأة للسياسة والإدارة، مع نسب ضعيفة في المجالات الأخرى (البرلمان، مجالس الإدارة، الولاة السفراء.. ترى لماذا؟

 

لا أعتقد أن قياس تحسن وضعية النساء في البلد منوطة بما تحتله بعض النساء من مراكز حكومية، خاصة أن هذه المناصب في نظري تظل شكلية، والغرض منها هو إعطاء صورة حسنة للبلد في الخارج، ولا تنعكس على الوضعية الحقيقية للنساء، فما دام ثلثا نساء البلد يعانين من الأمية والبطالة والفقر المدقع، ويتعرضن للظلم والقهر والتهميش فلا جدوائية من هذه المناصب، التي لم تنعكس لا على الفرد ولا على الأسرة ولا على القاعدة العريضة من المجتمع.

 

الجديد نيوز: على الرغم من أن النساء يمثلن أكثر من 52% من السكان، فإن نسبتهن من القوى العاملة لا تتجاوز الثلث، حسب رأيكم ماهي أسباب ذلك؟


 السبب في ذلك يعود أساسا إلى التنشئة الاجتماعية والعادات المتجذرة ،والتي تربي النساء على الاتكالية، والعيش تحت جناح معيل لهن سواء كان أبا أو أخا أو زوجا أو ابنا، ولم تزرع فيهن  ثقافة العمل والإنتاج والاعتماد على الذات، وتقتصر دورهن في الحياة على الوظيفة الاجتماعية، فتجد سربا من النساء في عائلة واحدة، لا تشتكين من أي عاهة بدنية أو ذهنية تعيقهن عن العمل، ومع ذلك يعتمدن على رجل واحد في تأمين لقمة العيش لهن، ولا يخفى على أحد ما في ذلك من ظلم للرجل نفسه، وشلّ للمجتمع والدولة فكيف لأمة عرجاء بل مشلولة أن تقف وتنهض.


هذا إضافة أن للواتي على استعداد للعمل وهن قلائل، لا يجدن أمامهن إلا مجالين هما: الوظيفة العمومية (وهذه ليست متاحة دائما) أو التجارة، وفي هذين المجالين ينافسها الرجل ويزاحمها، بينما لا تنافسه هي في الأعمال الحرفية والمهنية والتي تمتص البطالة أكثر من المجالين السابقين.


الجديد نيوز: ما زالت النساء في موريتانيا تتعرض لبعض أنواع العنف كـ"الاغتصاب والضرب والتعنيف اللفظي..ماهي أفضل الطرق لحمايتهن؟

 

لا سبيل إلى ذلك إلا بسن قوانين رادعة، والصرامة في تطبيقها، والتوعية ضد العنف والتحرش، و محاولة تغيير نظرة المجتمع إلى اللواتي تعرضن للتحرش أو الاغتصاب حتى لا يتم التستر على هذه الجرائم، فالجميع يعلم أن معظم جرائم الاغتصاب لا يتم التبليغ عنها لأن الضحايا يفضلن كتم الألم والقهر وترك المجرم في حال سبيله، لأنهن يدركن أن المجتمع لن يرحمهن وسيظل العار يلاحقهن ويدفعن ثمنا باهظا على شيء لا دخل لهن به، وهو ما يجعل المجرم يكرر فعله مع أخريات لأنه أمن العقوبة.


ولا شك أن  الجرائم ضد النساء في تفاقم مستمر خلال السنوات الأخيرة، فليست هناك أسرة اليوم تأمن على بناتها خارج المنزل، ولا حتى داخله.

 وإني لأعرف أسرا لم تسمح لبناتها بالخروج بمفردها قط، فمنذ أن وعين على الدنيا والأم أو الأب يلازمهن في جميع تحركاتهن خارج المنزل، ذهابا وإيابا إلى المدرسة، أو إلى التسوق، وحتى في النّزه وزيارة الصديقات، ثم لما حصلن على الباكلوريا أرسلنهن إلى الخارج للدراسة بمفردهن، وهو ما يؤكد أن المشكلة ليست في البنات ولا في أسرهن بل في البقعة الجغرافية التي شاءت لهن الأقدار أن يعشن عليها فهي خطر على النساء و الفتيات، لذلك فإن هذه الأسر تطمئن على بناتها في الغربة أكثر من اطمئنانها عليهن في وطنهن، وأعتقد أن وطنا لا يوفر لأبنائه الحماية داخله علينا أن نتحفظ على تسميته بهذا الاسم.

الجديد نيوز: المجتمع الموريتاني مازال يشجع ظواهر ضاة كزواج القاصرات وختان البنات، وعدم تشجيع تمدرس البنات.

ماهي الحلول التي تقترحينها للتصدي لتلك الظواهر؟


أعتقد أن أكبر إنجاز يمكن أن نقدمه للفتيات هو ضمان استمرارهن في الدراسة إلى أن ينهين المرحلة الثانوية، وأن نمنع الزواج المبكر ونعاقب الآباء الذين لا يسمحون لبناتهم بالالتحاق بمقاعد الدراسة أو يخرجوهن من المدرسة قبل الحصول على هذه الشهادة.

 كما أن التشجيع على التمدرس بتخصيص منح للتلميذات قد يساهم في ضمان تمدرس الفتيات، والأمر في هذه المسألة يقع على عاتق الدولة، فكما قضت الدولة على العبودية وسنت قوانين تجرمها، عليها أن تسن قوانين تجرم هذه المسلكيات التي تضر بنصف المجتمع وتجعله معاقا.

 

الجديد نيوز: عرفت بلادنا في العقد الأخير ظهور نساء معيلات للأسر (38%) ماهي الأسباب، وهل من حلول؟


لست ضد إعالة النساء لأسرهن إذا توفرت لهن الظروف من دراسة وعمل، أما أن نجهلهن ولا نسمح لهن بالتمدرس والعمل و نعودهن على الاتكالية منذ نعومة أظفارهن ثم في النهاية نتركن في منتصف الطريق ليست لهن أدنى خبرة في التكسب للرزق، و معهن حفنة من الأطفال يعلنها فهذا ظلم ودمار للمجتمع، وهو السبب في كثرة أبناء الشوارع الذين تستقطبهم عصابات المخدرات والجريمة بشتى أنواعها.


أما السبب في هذه الظاهرة فهو التفكك الأسرى، وارتفاع نسب الطلاق وعدم وعي المطلقات بحقوق أبنائهن في النفقة من قبل والدهم، والرواسب الثقافية التي ترى أنه عيب على المرأة مطالبة الطليق بأي شيء أو إظهار حاجة أبنائه إليه، وهذه الظرفية هي التي يقوم بعض الآباء الذين لا يتحلون بالمسؤولية باستغلالها فيتخلص من أي مسؤولية تجاه أبنائه ويترك العبء على كاهل الأمهات.

 

الجديد نيوز: المرأة نصف المجتمع، كيف ترون التجسيد الواقعي لهذه المقولة لكي ينهض المجتمع بشكل كبير؟

 

المرأة نصف المجتمع وتربي النصف الآخر، ونهوضها ضمان لنهوض المجتمع ولا يمكن لها  أن تأخذ دورها ومكانتها  الحقيقية قبل أن ندرك أن وضعها دون المقبول وأننا بحاجة لمسيرة إصلاحٍ جادةٍ وصادقة، تبدأ بحراكٍ فكري وثقافي نخبوي، يصل إلى حيز التشريع والتطبيق والمتابعة والمساءلة والتقييم، ووضع أهداف واضحة على المدى القريب والمتوسط والبعيد يتم العمل على إنجازها، و تقع المسؤولية الكبرى في ذلك على عاتق المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني المدعومة من قبل الدولة.