حبيب الله ولد أحمد لـ" الجديد نيوز" الصحافة لا مستقبل لها بالبلد .. والصحة شهدت تطورا لافتا !



 

ضيفنا في هذه المقابلة تنبأ له معلموه بالعمل في مجال "الصحافة" منذ الكتابة الإنشائية في الابتدائية ... لكنه دخلها من باب الهواية والشغف ولايُحبّ أن تطلق عليه صفة صحفيّ!


لم ترق له طريقة حصول بعض الصحفيين على المال في مجال الصحافة، ففضل دخول عالم الطب كممرض لضرب عصفورين بحجر واحد، فهو مولع بالسترة البيضاء، ورسالة الرحمة التي يحملها الأطباء.


رسم ضيفنا صورة قاتمة لواقع الصحافة بالبلد، وقال إن إصلاحها يحتاج معجزة، لأن 98% من العاملين فيها لاعلاقة لهم بالمجال، ناهيك أنه يوجد لدينا صحفي لا يكتب ولا يقرأ!!!!


ضيفنا بيّن  أن بيئة الطب تمثل مرتعا خصبا للكتابة، حيث تعيش مع الإنسان بألوانه الطبيعية، بمرضه، بمعاناته، بانكساره، بتشبثه بالحياة، وإذا نقلت صورة قلمية فستكون صورة واقعية، والكاتب دائما يغرف من حبر الحياة من حوله، فتكتبه لحظاتها الاستثنائية، قبل أن يكتبها، منوها بأن من يكتب من داخل المعاناة يبدع كثيرا؛ لأنه يكتب بعفوية وينقل بأمانة حيث لا تصنع ولا تكلف.


ختم ضيفنا بأن قطاع الصحة شهد تطورا لافتا، لكن نواقصه لا يتسع المقام لذكرها ولو باختصار شديد، أما الصحافة فأكد أنها لا مستقبل لها في هذا البلاد !

 

نص المقابلة:

 

الجديد نيوز:  أنتم صحفي مشهور بالبلد،واكبتم نهضة الصحافة المكتوبة بموريتانيا في التسعينيات من القرن الماضي، هل من عودة لشريط الذكريات حول دخولكم للمهنة والأسباب؟

شكرا لكم 
وسعيد بالتواصل معكم في هذا الموقع المتميز.

بداية لا أعتبر نفسى "صحفيا" ولا أحب أن انتسب للصحافة إلا من باب الإضافة التى تقع لأدنى سبب كما يقال، 
لم أدخل الصحافة كمهني، ولكن دخلتها من باب الهواية أو لنقل الشغف بالكتابة.
منذ زمن الابتدائية 
وربما لكثرة( الفال) فالكثير من المعلمين والأساتذة كانوا يقول لى: أنت ستكون صحفيا، ومَردّ ذلك أننى كنت أكتب " الإنشاءات" منذ الثالثة الابتدائية، حتى أن معلما اعتقد أن هناك من يكتبها لى، فأمرنى بكتابة إنشاء ميداني، وجلس معى على نفس الطاولة وعندما قرأ الموضوع قال لى:" عجيب، تكتب بأسلوب بديع ونظيف لغة وإملاء، وأنت فى هذه المرحلة 
ستكون كاتبا صحفيا لا شك عندى فى ذلك"
يومها لم أكن أفهم فى الصحافة والكتابة، فقط كنت أكتب لأن ذلك يصادف هوى فى نفسى.

حوالى1992 كتبت "مقالا" 
طلبت من رئيس تحرير شهير يومها فى إحدى أشهر الصحف الورقية ذات الطبعتين عربية وفرنسية أن ينشره لى فأخذه منى ولم ينشره، وكان يماطلنى فاخذته منه، ونفضت يدى من تلك الصحيفة 
بعدها نشرت " مقالا" فى صحيفة تنافس تلك التى ماطلنى رئيس تحريرها 
ولقي رواجا لا بأس به.
استدعانى رئيس التحرير الذى رفض نشر مقالى، وطلب منى إحضار بعض مقالاتى لينشرها، 
-طبعا- اعتذرت له وكما يقال" من أُعطي ولم يأخذ سَأل ولم يُعط"
بعدها لاحظت أن بعض الصحف الناشئة يومها كانت مهتمة بمقالاتى وهو أمر طبيعي، ليس لجودة المقالات أو أهميتها -فقط- لأننى لا أريد مقابلا ماديا، كل مايهمنى رؤية اسمى وصورتى على الصفحات ليس إلا، 
دخلت ـ إذن ـ من أوسع الأبواب وهو باب الهواية، لا باب المهنية، فأنا لست صحفيا بالتخصص.
 

الجديد نيوز: أوجه الشبه بين مهنتي الطب والصحافة كثيرة، منها الإنسانية والاهتمام بالجميع ماذا تضيفون هنا وماهي أسباب دخولكم لمهنة الطب؟


لعلكم تقصدون التمريض وليس الطب فأنا لست طبيبا، وإنما ممرض تقني أشعة.

دخلت التمريض "لضرب عصفورين بحجر واحد" فأنا مولع بالسترة البيضاء، ورسالة الرحمة التى يحملها الأطباء والممرضون، ثم إننى كنت أبحث عن مهنة بها راتب نظيف أواجه به مشاكل الحياة، فالطريقة التى يحصل بها بعض الصحفيين المال لم ترق لى، وجعلتنى أخجل من العمل الصحفي كله،
عموما مجال التمريض والطب "رضيعي لبان" مع الأدب والصحافة.

بعض أشهر الأطباء كتب شعرا جميلا وأنتج أدبا رفيعا، 
ومن الصحفيين والكتاب أطباء وممرضون، وهكذا 
عمل المستشفى يتيح لك بيئة مناسبة للكتابة والكتابة الصحفية،
فأنت تعيش مع الإنسان بألوانه الطبيعية، بمرضه، بمعاناته، بانكساره، بتشبثه بالحياة، وإذا نقلت صورة قلمية فستكون صورة واقعية عاطفية صادقة، لا تصنّع فيها ولا خيال، والكاتب دائما يغرف من حبر الحياة من حوله، فتكتبه لحظاتها الاستثنائية قبل أن يكتبها، 
لذلك يبدع كثيرا من يكتب من داخل المعاناة عنها منها وبها، لأنه يكتب بعفوية ينقل بأمانة حيث لا تصنع ولا تكلف.

 

الجديد نيوز:  خلال عملكم في الصحافة المكتوبة رأستم تحرير جريدة "اشطاري" ماذا تميزت به هذه الصحيفة عن الصحف الأخرى؟

صحيفة إشطارى الشعبية الساخرة، كانت طفرة فى تاريخ الصحافة الموريتانية  المكتوبة، 
ولدت متميزة مكتنزة بالأهداف والرسائل. 
نحن اخترنا الكتابة ب" أزريكه" التى هي مزيج من اللهجة الحسانية والعربية الفصحى، لتوصيل رسائل توعوية تثقيفية لأوسع جمهور ممكن،
لم نسع لتعميم العربية ولا لتعريب العامية، ف"الحسانية" غصن مفصلي فى شجرة اللغة العربية، ولا تحتاج تعريبا، كما أن العربية لا تحتاج ترجمة ب"الحسانية" فكلاهما تُماهى الأخرى وتُكملها دون تضارب فى الألفاظ أو تنافر فى المعانى.

إشطارى نجحت نجاحا غير مسبوق، وطريقة تحريرها نجحت فى تجاوز رقابة وزارة الداخلية، فالمواضيع التى صودرت بموجبها صحف جادة بالعربية والفرنسية، نشرتها أشطارى ولم تُثر انتباه الرقيب لأننا كنا نتلاعب بالألفاظ، ونمرر فى جملة واحدة ما صودر بسببه مقال من عدة صفحات جادة 
كانت " إشطارى" صحيفة ساخرة جمعت إلى ذلك جانبا تراثيا ثقافيا ضخّ الحياة فى الموروث الشعبي، من أمثال وشخوص وحكايات، كنا نستخدمها إسقاطا على الواقع مثل خصوصيات" تيبه" و" اكبير اجراد" و" فظمه" و" ذئب ولاته" و" مادر" و" بي اسويدى" وغيرها من الشخوص الأسطورية المرتبطة بالخيال الشعبي. 
طبعا " آشطارى" كانت صحيفة للجميع، ولم تكن موجة فقط للناطقين بالعربية والحسانية 
أصدرنا أعدادا كثيرة مزجنا فيها بين الفرنسية والبولارية والسوننكية والولفية وبنفس الأسلوب المعتمد فى إشطارى ب" أزريكه"
"آشطارى" أدخلت " الكاريكاتير" إلى ذهن القارئ الموريتاني، حتى أصبح يفهمه يبحث عنه، ويتلقى رسائله وهذه سابقة، فالموريتاني بطيعه لا يهتم بالرسوم واللوحات والكاريكاتير بل ينفر منها لاعتبارات وسياقات تقليدية عديدة، يضيق المقام عن شرحها
" إشطارى" زرعت البسمة والفرح على وجوه القراء ردحا من الزمن، ومارست النقد البناء، وأعادت التراث للواجهة، وثقفت الناس، 
كنا نقول دائما إن خبر " إشطارى" هو عبارة عن" ساندويشايه" تجد فيه النقد والأدب والإبداع والسياسة والتوجيه كما تجد فى ال" ساندويشاية" كراع ديك، وقطعة بصل، وشيئا من جزر، وبطاطس وملح وخبز وطماطم مثلا

 

الجديد نيوز: العمل في مجال الطب بموريتانيا يستوجب التحلي بالكثير من الصبر والتعامل مع أصناف شتى من البشر مختلفي الطباع والمشارب، كيف تعاملتم مع هذا التحدي؟

 

فى المستشفى يمكنك القول إن الطبيب والممرض يصبحان شيئا آخر، مخلوقات أخرى، 
لا وقت للرعب لا وقت للبكاء لا وقت لإضاعة الوقت، 
ينهمكان فى عملهما ويستغرقهما درجة نسيان الفوارق بين صرخة الحياة، وحشرجة الموت، 
يعملان على مدار الدقيقة لتخفيف الألم لإنقاذ الحياة،
فى عمل الطبيب والممرض  لامناص من الصبر والتحمل والتسليم أيضا،
لا يمكن لعامل المستشفي أن يغضب أو يتشنج أمام حالة مريضه والوضعية النفسية العصبية لمراففى المريض 
لذلك قد يتعرض للضرب ف" يَحُكّها" فى جلده حتى لا يتوقف عن خدمة المريض، أما الشتائم والإهانات فهو يتحملها يوميا، درجة أنه لا يتوقف عندها لا يردها لا يهتم بها.
 

الجديد نيوز:  الصحافة المكتوبة الورقية اندثرت تقريبا بالبلد، وهي الأم حسب رأيكم ماهي أسباب ذلك؟


هناك مفكرون وباحثون تنبأوا منذ عقود بموت الصحف الورقية بسبب زحف إعلام اللحظة الرقمي 
لا يمكنك أن تنتظر صحيفة مكتوبة لقراءة خبر ينشر مابين غمضة عين وانتباهتها على مواقع وصفحات الشبكة العنكبوتية 
وانت ترى كيف انحسر دور الإذاعة والفضائيات أمام زحف ال"سوشيال ميديا"
سرعة التطور التقني والرقمي وسرعة انتشار المعلومات عبر" الإنترنت" لا تترك مجالا للصحف الورقية 
الصحافة لها مراحل نمو وتطور مثل الإنسان 
واليوم نحن فى مرحلة الخبر الذى يسابق نفسه للوصول إليك على هاتفك واينما كنت وليس الخبر الذى " يتمايح" على صفحات ورقية تحتاج طباعة وسحبا وتوزيعا ف" تمدغه" العجول قبل صدور الصحيفة التى تنتظره فيها
لكل ذلك طبيعي ان تندثر الصحف الورقية لتصبح صحفي ذكية رقمية بالغة التطور والسرعة 
أين المجلات والصحف الكبرى التى تربينا على قراءتها 
أين هيئة الإذاعة البريطانية 
أين" لبرافدا" السوفيتية 
واين " الشعب " الصينية مثلا
كيف اختفت آلاف الصحف الورقية لتصبح أثرا على الشاشات الذكية بعد عين على صفحات انيقة مكتنزة بالأخبار والتحاليل

الجديد نيوز: المجال الصحيّ يرى البعض أنه شهد تطورا كبيرا، ولكن هنالك نواقص كثيرة، كيف تجملون أبرزها ؟

بدون شك شهد القطاع الصحي فى بلادنا تطورا لافتا من حيث الكم والكيف والشكل والمضمون، 
ومع ذلك فنواقصه لا يتسع المقام لذكرها حتى ولو باختصار شديد
 

الجديد نيوز:  الحقل الصحفي في موريتانيا يعاني ميوعة كبيرة، وتتصارع فيه جماعات غالبتيها لا علاقة لها بالإعلام، ما هو تقييمكم لوضعية هذا الحقل حاليا؟

لم تعد لدينا صحافة بالمفهوم التقني المهني. 
الأنظمة المتعاقبة منذ 1978 ميّعت الصحافة عن قصد، حتى لا تكون مرآة عاكسه لأخطائها،
حاول ولد الطايع فتح الحرية للصحافة، وحين أدرك خطورة دورها  زرع فيها الفوضى وميعها. 
كنا فى " إشطارى " نقول
" كل من لاتعرفه فهو صحفي، وكل من لايعرفك فهو صحفي "
كان لكل أسرة تقريبا ترخيص صحيفة ورقية،
والمجال دخله من لاعلاقة له به أصلا ولا فرعا
98% من المشتغلين بالصحافة اليوم لاعلاقة لهم بها لا بالتخصص ولا بالتجربة وقد تجد "صحفيا" لا يقرأ ولا يكتب.
أصبحت الصحافة مجرد وسيلة تكسب، ففقدت طهارتها ونبلها، وأصبحت عندنا صاحبة" نذالة " بعد أن كانت صاحبة " جلالة" فسقط تاجها لينفرط عقده ويتقاسمه الغرباء.
 

الجديد نيوز: الممرض رحمة وإنسانية تصافح المريض وتخفف عنه،  هل مازالت هذه القيم متوفرة وما هو تقييمكم لمجال التمريض؟

 

لتمريض مهنة نبيلة وقيمها لا تسقط بالتقادم، فهي وإلى الأبد مهنة رحمة وحب ومواساة وإنسانية وستظل كذلك. 
ومع ذلك فثمة مثل فرنسي به بلاغة عجيبة
( لا توجد مهنة حقيرة ولكن يوجد أناس حقيرون)



الجديد نيوز: يلاحظ أن الإعلام في موريتانيا خاصة المكتوب شهد تراجعا كبيرا بعد اندثار الصحافة الورقية وتمييع الإعلام الإلكتروني والسمعي البصري ماهي سبل الإصلاح ؟

إصلاح قطاع الصحافة عندنا يحتاج أحد أمرين: 
إما معجزة من السماء، وإما سنوات ضوئية من العمل والتفكير والصبر والجلاد
 

الجديد نيوز:  الصحة هي رأس مال الإنسان الأول، ولكن البعض يخاطرون بها. حسب رأيكم ماهي أسباب ذلك رغم تقدم وعي المجتمع؟


حتى إذا لم يخاطر أحد بصحته فجميعنا فى بيئة مخاطر حقيقية، بسبب انتشار السرطانات والأمراض الغامضة،

منشأ تلك المخاطر هو ضعف التثقيف الصحي، 
وغياب المسؤولية الصحية العامة، وانتشار الأدوية المزورة، والمستحضرات مجهولة الأصل والمعلبات الغذائية والمشروبات غير المؤكد من مصادرها، والعادات الغذائية السيئة

الجديد نيوز: لديكم صفحة نشطة على الفيس بوك تنشرون عليها آراءكم هل تعرضتم لضغوط بسبب تلك الآراء ؟

بكل تأكيد 
كل مانشرت موضوعا لايروق لزيد أو عمرو طلب منى حذفه اوعرض علي " تهذيبه" أو " المساومة" عليه
لم يعد بمقدورى توجيه النقد لأية جهة حكومية أومعارضة بسبب كثرة الوساطات والمكالمات والتدخلات 
لا أحد فى هذا البلد يسمح بحرية النقد حتى وإن خلت من التجريح والإساءة والشخصنة 
مواد المجتمع اقوى من المادة11 عندما يتعلق الأمر بنقد مسؤول محمي من القبيلة أو قطاع وزاري يحرسه" البشمركه"
 

الجديد نيوز:  الساحة الإعلامية هنا ملغومة ويصعب وجود صحفي غير مصنف، كيف تعاملتم مع هذا الواقع المرير؟

 

اتعامل مع فوضى قطاع الصحافة بالقول إننى لست صحفيا ولست معنيا بمشاكل الصحافة واعتبر نفسى خارج دائرة العمل الصحفي



الجديد نيوز: الصحة والإعلام ركيزتان أساسيتان في أي مجتمع؛ بالأولى نصلح الأبدان، وبالثانية نهذب العقول كيف ترون مستقبلهما بالبلد ؟
 


مستقبل الصحة واعد ومشجع فقط نحتاج صبرا على البحث عن علاج للاختلالات الحالية وهي كثيرة وصعبة لكن يمكن تجاوزها 
بالنسبة للصحافة لا مستقبل لها فى هذا البلد 
مع الأسف قتلت" زنينتها" (الزاء مغلظة)