قال شاعر النيل أحمد شوقي :
وإنما الأمم الأخلاق مابقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقم ذهبوا
حادثة الاعتداء على معلمة "أفام لخذيرات" بولاية العصابة تعيد إلى الأذهان ظاهرة خطيرة وهي الاعتداء على حملة رسالة العلم .
قضايا كثيرة من هذا النوع حدثت في بيئات وتواريخ مختلفة من الوطن؛ القاسم المشترك بينها جميعا هو الجهل والازدراء بالعلم وأهله .
رحم الله زمانا كان المعلم فيه ذو مكانة عالية و كان التلاميذ عندما يسمعون خفق نعاله يفرون في كل اتجاه فرار الحُمر من القسورة احتراما واجلالا له.
أسباب هذه الظاهرة المؤسفة كثيرة ومنها :
ــ طغيان الماديات : لاقيمة اليوم في المجتمع إلا بالمادة، أما القيم النبيلة والمعرفة فهي قيم ضعيفة التأثير ـ إن لم نقل ـ إنها "بائرة".
ــ غياب دور مؤسسات الضبط الاجتماعي (الأسرة والمدرسة) في خلق أجيال تتحلى بالأخلاق الحميدة وتعرف قيمة المدرسين في أي مجتمع.
ــ "تسليع المعرفة" بمعنى جعل المعرفة سلعة تباع وتشترى، وهو ما جنى على كثير من المدرسين وجعلهم يتردون في قاع سحيق .
وصدق الشاعر حين عبّر عن ذلك في بيتين، سارت بهما الركبان وأصبحا على كل لسان :
ولو أنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ
و لو عَظَّمُوهُ فـي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
ولكِنْ أَهَانُوهُ فَهَانَ، وَدَنَّسُوا
مُحَيَّاهُ بِالأطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
ــ غياب ظروف مادية مريحة لحملة مشعل العلم من طرف الدولة، تَحفظُ لهم مكانتهم في مجتمع ماديّ صرف تراجعت فيه القيّم بشكل مريع.
إن على الدولة أن تعلي من شأن المدرسين، وتوفر لهم جوا آمنا لمزاولة عملهم، وتعلي من شأن المتعلمين؛ من خلال حملات ميدانية وإعلامية كبيرة وندوات ومحاضرات وفتاوى.. تتردد على أسماعهم بكرة وعشيا، تذم مضامينها إعلاء القيم المادية في المجتمع، على حساب أهل العلم والأخلاق.
ختاما : نرجو أن يحترم الجميع المدرسين، ويعلم أن أي مجتمع لايعلي من شأنهم فهو مجتمع متخلف وجاهل وحقير، ولنعلم جميعا أن اليابان لم تتوأ المكانة اللائقة بها بعد قنبلتي: هوريشيما وناكازاكي إلا حين أعطت للمعلم راتب الوزير ومهابة القاضي واحترام الضابط، فهل من مُدّكر!؟