استيقظت صباح اليوم على جلبة وضجيج وصراخ، فخرجت من الناموسية التي باتت تحميني من لسعات البعوض مسرعا إلى الباب وفتحته.. فإذا بذلك المنظر المَهُول وجوه مُبْيَضّة من الدقيق، وأخرى مُسَوَّدَةٌ بمسحوق الفحم، صحف تتطاير في الفضاء وكل يحمل كتابه ليطعمه النار الموقدة التي أشعلوها.
خليط من أجناس وأعمار مختلفة كالجراد المنتشر، يمزق مقرراته المدرسية التي سهر المدرسون في إعدادها وتحضيرها، وكتبه التي استنزفت جيوب أحبّ الناس إليه وأقربهم منه.
إن منظر الكتب والدفاتر المتطايرة في الهواء يفضح جوهر العملية التربوية، ويجبر المسؤولين والتربويين على صياغة أساليب أكثر صرامة للوقوف في وجه هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا.
لقد كان أجدادنا الميامين يتنقل الواحد منهم ـأكرمكم الله ـ على حمار مدبور الظهر ليقتني كتابا من القيروان أو القاهرة أوالأستانة..وحين يعود بعد سنوات من هذه الرحلة الشاقة إلى حَيّه يعكف الرجال على نسخه ليظفروا بما احتوته صفحاته من جواهر ودرر.
إن احترام الكتاب دليل على احترام المعلومة التي وردت فيه، واحترام المؤلف الذي نسج كلماته واختار موضوعاته، وتقدير وَلِيّ الأمر الذي أنفق من عرق جبينه ليوفر الكتب المقررة لأبنائه في مختلف المستويات.
نحتاج تضافر جهود مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ممثلة في الأسرة والمدرسة والمؤسسات الإعلامية والتربوية، للقضاء على هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا الذي عرف بحبّ العلم وضرب في ذلك أروع الأمثلة.