أباي ولد أداعة
غرق منتظر من جهة المحيط و آخر موسمي مع بداية كل خريف . و عطش قادم من النهر ،
إذ لا يخفي علي أحد حجم المعاناة التي تعيشها العاصمة انواكشوط مع أولي تساقطات مطرية لكل موسم خريف .
في الوقت الذي كان من المفترض أن تتم فيه الإستفادة من مياه الأمطار الموسمية و إستغلالها علي نطاق واسع في مجال الزراعة و الصناعة لكن غياب شبكة صرف و جمع المياه حال دون ذلك .
حيث تغمر مياه الأمطار معظم الأحياء الشعبية و الشوارع والطرق الرئيسية ،خاصة المناطق السكنية و الأسواق و المحلات و المستشفيات و أماكن العمل و المباني الحكومية .
بشكل يحد و يشل و يعيق حركة المرور ،
مما يتسبب في أزمة مواصلات خانقة يصاحبها أحيانا إرتفاع جنوني لرسوم النقل .و ضع يؤثر و ينعكس سلبا علي كل جوانب و مناحي الحياة داخل العاصمة انواكشوط.
كثيرا ما يخلف أضرارا بشرية تارة و مادية في كل الحالات كبيرة و كبيرة جدا في الممتلكات الخاصة و العمومية .
كما تشكل مياه الأمطار خطرا قاتلا داخل المناطق الهشة نظرا لفوضوية التوصيلات الكهربائية المرمية أرضا دون عازل والغير قانونية و التي لا تراعي أبسط المواصفات الفنية اللازمة و معايير السلامة المطلوبة.
تتفاقم هذه المعاناة في ظل دوامة الإنقطاعات الكهربائية المتكررة و المفاجئة في كل الأوقات و المناسبات ،
نتيجة الأعطاب الفنية الطارئة و زيادة الحمل و تهالك و تقادم الشبكة و زيادة الطلب علي الكهرباء من جهة أخري.
في إنتظار أن يتم إنجاز و تنفيذ مكونة الكهرباء ضمن البرنامج الإنتخابي الذي تعهد به فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مؤخرا .
طموحي للوطن و الذي يستهدف بدرجة أولي العاصمة انواكشوط .
الجزء المتمثل في تطوير المنظومة الإنتاجية ( توسيع و إنشاء محطات كهربائية ) إتساع و توسيع نقاط التحويل ،
زيادة و إستبدال شبكات التوزيع و تعميم الإنارة العمومية علي نحو واسع .
بالإضافة إلي زيادة الولوج للكهرباء في أحياء العاصمة .
و هو ما سيحسن و يطور من المنظومة الكهربائية و يضمن إستمرار الخدمة بشكل دائم .
بينما تجددت و تكررت أزمة العطش داخل العاصمة انواكشوط للموسم الثالث تواليا نتيجة التغيرات المناخية الحاصلة و إرتفاع مستوي الطمي في مياه نهر السينغال ( أكبر مورد مائى حتي الآن يزود العاصمة انواكشوط بالماء الشروب ) .
لكن بعيد عودة المياه لمجاريها داخل العاصمة و بشكل إنسيابي و مستمر .
أعلن معالي الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي في تدوينة علي حسابه الخاص داخل الفضاء الأزرق.
عن نجاح القطاع المعني بالمياه في وضع حل نهائي و مستديم لمشكل الطمي في أهم مورد مائي يزود العاصمة بمياه الشرب .
من خلال تشييد و تجهيز محطة تصفية عملاقة و في وقت وجيز ،
كفيلة بتذليل الصعاب و تخفيف العكارة حتي تصبح في متناول المحطة القديمة .
و التي بدورها ستعمل بكامل طاقتها و بشكل مستمر في كل الأوقات و الفصول .
و هو ما يعد من جهة إنجازا وطنيا هاما و تاريخيا سيلامس هموم وتطلعات المواطن و من جهة أخري نجاحا غير مسبوق للحكومة الحالية إذا ما لم تتكرر نفس أزمة العطش في قادم المواسم .
في إنتظار مآلات مشروع توسعة مياه إيديني ،
المتوقع أن تنتهي الأشغال فيه السنة المقبلة 2026 م .
و الذي سيسمح بضخ كميات كبيرة و هامة من الماء الشروب كافية لتغطية حاجة ساكنة انواكشوط ،
بينما ينتظر من حين لآخر أن يضع فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
الحجر الأساس لتوسعة مياه آفطوط الساحلي لتصل إلي طاقتها القصوي 225 متر مكعب .
و هو ما سيوفر فائضا كبيرا عن حاجة انواكشوط لسنوات قادمة .
كما أن عمل الحكومة جار علي قدم و ساق و علي مستوي الدراسات الفنية و المالية بغية تشييد محطة كبيرة لتحليل مياه البحر،
و هو ما سيشكل منعطفا جديدا نحو تعزيز و تطوير تنوع مصادر مواردنا المائية .
التي تمثل السبيل الأول لإستمرار الحياة لأنها تدخل في العديد من النشاطات الحيوية الضرورية مثل : الشرب والغذاء و الزراعة و الصناعة… الخ .
و في سياق أعم تتكرر و تتجدد مشكلة الأمطار داخل العاصمة انواكشوط و في العديد من المدن الداخلية مع بداية كل موسم خريف ،
كما يعود إستمرارها إلي هشاشة و ضعف البني التحتية إن لم تكن معدومة في الأصل .
بالإضافة إلي غياب شبكة صرف مياه أمطار تغطي كافة أجزاء العاصمة .
نظرا لعجز و فشل الأنظمة و الحكومات المتعاقبة في إرساء سياسات إصلاح ناجعة للنهوض بقطاع الصرف الصحي .
نتيجة التجاهل المستمر للقطاع في السابق .
إلا أن المكتب الوطني للصرف الصحي رغم قلة الوسائل و ضعف ما لديه من إمكانيات
ظل دائما يقوم بالدور المنوط بمهامه وطنيا.
و يقدم جهودا كبيرة ضمن المتاح .
لكن بطرق بدائية كشفط مياه الأمطار عن الطرق الرئيسية و الفرعية بواسطة مضخات محمولة و نقلها عبر صهاريج خارج العاصمة.
بغية فك العزلة و فتح الممرات و إنسيابية الحركة…
في إنتظار ما تعهدت به وزيرة المياه و الصرف الصحي السيدة آمال بنت مولود .
خلال موسم الخريف الماضي .
حينما قالت في أول ظهور إعلامي لها أنذاك بأنها ستسخر وقتها لتسريع الإجراءات للبدء في تنفيذ مشروع إقامة نظام صرف صحي عصري شامل في مدينة انواكشوط.
طبقا لما جاء في البرنامج الإنتخابي لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني( طموحي للوطن ) .
و الذي بدأت الأشغال فيه بعد أن أشرف رئيس الجمهورية أواخر السنة الماضية علي وضع الحجر الأساس للقطب الأول من المشروع المتضمن لمكونتين أساسيتين ستشكلان وجهين لمنظومة صحية متكاملة واحدة .
*إقامة نظام صرف صحي منزلي و بناء محطات معالجة بالمواصفات و المعايير المطلوبة
*إنشاء شبكة تصريف مياه الأمطار .
سيشمل هذا المشروع مقاطعات السبخة و تفرغ زينة و لكصر و أجزاء من الميناء و تيارت .
بلغت كلفته الإجمالية 7 مليارات أوقية قديمة بدعم و تمويل خالص مدفوع من ميزانية الدولة الموريتانية .
كما تولت تنفيذ المشروع شركة صينية في أجل أقصاه 45 شهرا .
بالإختصار المفيد يمثل مشروع الصرف الصحي داخل العاصمة انواكشوط إستثمارا حيويا قل نظيره في صحة و رفاهية السكان و في تحقيق التنمية المستدامة لمدينة انواكشوط .
بعد وعود و عهود و سنين عجاف .
في حين كشفت تقارير صادرة عن مجموعة الخبراء الدوليين بشأن تطورات المناخ و الإنحباس الحراري عن حجم الأخطار القائمة و إحتمال أن تكون عاصمتنا الفتية حديثة النشأة انواكشوط الحاضنة لنصف سكان البلد عرضة للغرق و خطر الإختفاء بسبب إرتفاع مستوي سطح البحر و تغيرات مناخية أخري ،
و هو ما تأكد أيضا علي المستوي الرسمي حينما قالت وزيرة البيئة في آخر حكومة مقالة قبل المأمورية الثانية السيدة لاليا علي كامرا ،
إن نسبة 30% من مساحة العاصمة انواكشوط مهددة بالغرق في حال تسرب مياه البحر نظرا لضعف و هشاشة التربة .
و ذلك خلال حفل نظمته وزارة البيئة أنذاك علي شاطئ المحيط الأطلسي في إطار الأسبوع الوطني للتشجير .
إذ لا شك أن العاصمة انواكشوط باتت من المدن الهشة و المهددة بمخاطر بيئية من بينها الفيضانات وغمر مياه البحر و زحف الرمال .
حيث تواجه خطر الغرق و الإختفاء علي نحو مطرد بسبب التغيرات المناخية و عوامل التعرية و الإحتباس الحراري و إحتمال تدفق المحيط و هشاشة الشاطئ و انخفاض مستوي المدينة عن سطح البحر و الإستغلال المفرط للحاجز الرملي في أعمال البناء و الإنشاءات .
هذا وقد شهدت العاصمة انواكشوط خلال المواسم الأخيرة موجات سحب ماطرة زادت الطين بلة في ظل غياب شبكة صرف صحي و مياه أمطار
مما فتح المجال واسعا أمام المواطن لتشييد مجاري صرف صحي منزلية تقليدية بشكل عشوائي مضر للبيئة و للصحة العمومية .
حيث أصبحت التربة مشبعة بالمياه المالحة لدرجة أن بعض أحياء العاصمة لم تعد إطلاقا صالحة للبناء أو التشييد .
بحكم قرب المياه الجوفية من سطح الأرض و تسرب شبكة مياه الشرب القديمة المتهالكة و ما يتدفق من مياه ناتج أحيانا عن إصلاحات أنابيب الشبكة المتهالكة أو القادمة من مشروع آفطوط الساحلي ..
و هو ما أصبح يشكل قلقا و يولد خوفا ورعبا في صفوف ساكنة انواكشوط في ضوء تنبؤات و تحذيرات إدارة الأرصاد الجوية و الحديث عن إحتمال تعرض مناطق واسعة من البلاد بما فيها انواكشوط لعواصف رعدية و سحب ممطرة جارفة مرتقبة من حين لآخر .
صحيح أن مراحل و ظروف نشأة العاصمة انواكشوط جاءت في ظروف خاصة و من اللاشئ .
في ظل غياب تام لأبسط مقومات الحياة و عدم وجود أي مظهر لمؤسسات الدولة أنذاك .
ما تم مراعاته خلال التحول السوسيولوجي في نمط الحياة هو خصوصية المجتمع الموريتاني و ضرورة استقراره حضريا و استقطابه عبر المدينة الفاضلة.
خاصة أن المستعمر الفرنسي لم يترك أي أثر لبني تحتية و لا لملامح حياة داخل ربوع الوطن علي غرار واقع بعض المستعمرات الفرنسية المجاورة و المحيطة بنا.
بقدر ما ما خلف آثار نهب ممنهج لثروات و مقدرات و خيرات البلد طيلة الحقبة الإستعمارية و بعيد الإستقلال.
فمدينة انواكشوط تم تشييدها علي مستوي أرضي منخفض أقل من مستوي سطح البحر في ظل ضعف الوسائل و قلة الإمكانيات و غياب مخطط عمراني حضري و أمام نزوح مستمر من الريف نحو العاصمة بسبب الجفاف .
و إعتماد خطة إيواء و توطين في مناطق سكنية غير مؤهلة منخفضة و معرضة دائما للغمر و الفيضانات و انتشار البرك و المستنقعات.
و لأسباب تتعلق أيضا بعمليات توزيع القطع الأرضية و الظروف التي أكتنفتها أيضا .
و لأن عمليات البناء و التشييد جاءت بمجهود ذاتي و شخصي لم يراع علي الإطلاق المعايير و المواصفات الفنية العمرانية المعهودة دوليا .
هكذا كانت ظروف نشأة العاصمة انواكشوط و تأسيس البلد .
لعلها إكراهات الولادة القيصرية ،
بالمقابل 64 سنة من قيام الدولة المركزية كانت كفيلة بالنهوض بالبلاد و بأكثر من مدينة و وضع مخططات عمرانية سليمة و إعادة ضبط الأمور في قالب صحيح يؤسس لبناء حضري صلب مع مراعاة مختلف الظروف الطبيعية المناخية و البحرية .
إن التحرك السريع للدولة و لحكومة مأمورية الشباب في إتجاه تصحيح الإختلالات و رفع التحديات أمر ضروري لا يحتمل التأخر بغية وضع خطة استعجالية واضحة الملامح ستشكل حصن حصين لمدينة انواكشوط علي أسس علمية و فنية و من خلال توفير الآليات المناسبة لرسم هذه الخطة علي الواقع مما سياسهم في كبح أي خطر قادم عن طريق إنشاء حزام أخضر أو بناء سد رملي واقي و غيرها من الطرق الفنية المنوطة بانجاع هكذا عمل .
فمطالبة البعض بتشييد عاصمة جديدة خارج الحيز الجغرافي لمدينة انواكشوط لم تأت من فراغ إلا أنها تتطلب جهودا كبيرة و تمويلات هائلة ستعود بنا إلي نقطة الصفر .
لكن الإستفادة من تجارب الآخرين في هذا الإطار مسألة ملحة و ضرورية .
خاصة إذا ما علمنا أن معظم مدن و عواصم العالم شيدت بالقرب من الشواطئ البحرية و علي ضفاف الأنهار و بعضها علي يابسة محاطة بالمياه من كل جهة .
و أخري بنيت علي أفواه براكين حية و نائمة و مناطق زلازل مرعبة .
ظواهر كونية تم التغلب عليها و التعايش معها في ظل الصراع الأزلي بين الإنسان و الطبيعة ،
دون أن يؤدي ذلك إلي نزوح أو تهجير من الديار لأي كان طوعيا أو قسريا .!!!
حفظ الله البلاد و العباد