د./ رقية أحمد منيه
مسألة التكييف الفقهي لفرض الضرائب من قبل الدولة، تحتاج مزيدا من التناول بالدراسة والبحث، والتأصيل والتنزيل، إذ الرأي السائد عند البعض عدم جواز فرض الضرائب على الناس، وذلك بسبب ما يحدث من تداخل بين مفهومي؛ المكس والضريبة، إذ المكوس ممنوعة شرعا قليلها وكثيرها لأنها اعتداء على مال معصوم بغير وجه حق، أما الضريبة في عصرنا فهي مورد مالي تلجأ إليه الدولة لتمويل النفقات العامة..
الضريبة : اقتطاع مالي مفروض من قبل الدولة المدنية للمشاركة في القيام بمسؤولية الأعباء العامة على جميع الأموال الداخلة في الدورة الاقتصادية من غير اختصاص، وتؤخذ بقوة القانون الملزم الذي يخضع للقواعد المنظمة حسب كل بلد.
أما المكس: لغة فهو النقص في بيع ونحوه، كما عند علماء اللغة، والماكس من يأخذ المكس من التجار، ومن مرادفات المكس، العشور، والجباية، وفي الاصطلاح: (هو منع الناس من التصرف في أموالهم بالبيع، أو غيره، ليختص المانع بنفع ذلك) نقله الونشريسي في المعيار، وقال ابن عابدين في رد المحتار : " المكس ما يأخذه العشار".
وقد اختلف العلماء في حكم فرض الضريبة؛
القول الأول: عدم جواز أخذ الضريبة إلا إذا تطوع دافعها رغبة في الخير.
ومن أدلة القول الأول ما ورد في صحيح الإمام مسلم من حديث بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المرأة الغامدية التي زنت ثم تابت قال:《 والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له》.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: " قَوْله : فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده، وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها وصرفها في غير وجهها".
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: " صاحب المكس هو من يتولى الضرائب التي تؤخذ من الناس بغير حق".
القول الثاني: جواز الأخذ إن كان ثمة حاجة نزلت بالأمة وعجز بيت المال عن تغطيتها، قال القرطبي: " واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها".
ومن أدلة القول الثاني ما ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 《 من كان له فضل زاد، فليعد به على من لا زاد له》.
قال البغوي في شرح السنة (١٠/ ٦٠ - ٦١):
أراد بصاحب المكس: الذي يأخذ من التجار إذا مرُّوا عليه مكساً باسم العشر، فأما الساعي الذي يأخذ الصدقة، ومن يأخذ من أهل الذمة العُشر الذي صُولحوا عليه، فهو محتسب ما لم يتعد، فيأثم بالتعدي، والظالم، والله أعلم" .
وعليه فإن ما تفرضه الدولة لأجل المصلحة العامة فليس من المكوس إن أريد به المحافظة على مقصود الشارع المتعلق بالكليات، بخلاف صاحب المكس الذي يغصب أموال الناس ويأخذها بالباطل دون وجه حق؛ بالحرابة أو الظلم أو الأخذ عنوة .
وأما الأخذ من قبل ولي الأمر لجلب مصلحة عامة أو درء مفسدة فلا ضير فيه، إذ تصرف الإمام منوط بالمصلحة وإن عري عن سلطة التملك، قال الإمام القرافي في الفروق: " فقد يوجد التصرف بدون الملك كالوصي والوكيل والحاكم وغيرهم يتصرفون ولا ملك لهم"، فلا يعتبر الأخذ من مال الأفراد مكسا إذا عجزت الخزانة العامة عن القيام بهذه المصالح، بشرط توفر الضوابط الشرعية لتدبير المال العام.
وذلك بشروط :
- أن يكون تقدير الضرائب عادلا لا يستنزف الوعاء الضريبي.
- أن يتم وفق الموارد المالية الموجودة فعلا وليست من باب الجزاف أو الخرص لما فيه من إمكانية الظلم.
- أن لا تصرف الأموال في غير المصالح العامة (الصحة، التعليم، الأمن، الدفاع، التضامن الاجتماعي).
- أن يكون تدبير الأموال الحاصلة من الجباية بشفافية.
والله أعلم بالصواب وعليه المعتمد وهو المستعان.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.