أحمد سالم ولد لكبيد
يطيب لي السيد الرئيس ان أوجه إليك هذه الرسالة وقد كان بودي ان أكلمك بشكل مباشر ولكن تعذر اللقاء.
وفي البداية اطلب منك ان تسمح لي ان أكلمك بلغة أخوية من القلب إلى القلب خالية من رتوش التملق الدبلوماسي وبضمير المخاطب المفرد، بصفتي مواطنا من هذا البلد خدمت فيه معلما سنوات قبل ان اخدم ضابطا لأكثر من خمس وثلاثين سنة. وانا شاهد عصر بامتياز على فترات متميزة واحداث جسام في هذه البلاد..
وكذلك بصفتي رجلا من ولاية ترارزه وتحديدا من الضواحي القريبة من مدينة روصو ولي تقدير خاص لشخصك الكريم..
سيدي الرئيس..
انت تحظى اليوم بمكانة سياسية مرموقة نظرا لشعبيتك التي اهلتك ان تكون انت هو الثاني مرتين متتاليتين خلال الانتخابات الرئاسية متجاوزا كل الساسة على الساحة الوطنية ومن ضمنهم من سبقوك في الممارسة والنضال.
ومؤخرا اصبحت هذه الشعبية تضم كل مكونات الشعب الموريتاني وليس فقط أولئك الذين تفاعلوا مع الخطاب الشرائحي او الحقوقي، بل مجموعات أخرى تبحث عن التغيير في البلاد، وترى فيك الزعيم والمخلص، ولا تهتم بخطاباتك السابقة المثيرة للجدل، حيث تراها مجرد مناورة حصلت في الماضي ولا تعكس برايهم حقيقتك حيث يرون فيك الرجل الطيب الذي يحب الجميع..
سيدي الرئيس..
انت لم تعترف بالنتائج الماضية على غرار المترشحين الآخرين، وتحرك انصارك دعما لموقفك ومات بعضهم رحمة الله عليه في الاحتجاجات..وبلغت درجة التوتر أشدها بينك والدولة..
هل كنت ترى ان هذا الجو المتوتر مع الدولة الموريتانية، يخدم السكينة العامة والوئام الوطني ووحدة البلاد..؟
الا تعلم أن هذه الدولة تاق إليها العلماء وتمنوها بسبب السيبه والظلم والحروب..وقامت عام 1960، بفضل نضال الجيل الأول وبفضل إشراف وحماية فرنسا، فكانت نعمة لهذه البلاد التي عاش فيها الشعب في ظروف صعبة قرونا من الزمن وهو غير موحد وبدون سلطة تجمعه..
وقبلها ظلت الحروب تميز حياة السكان في الجنوب كما في الشمال.
وخلال اول ارهاص لقيام دولة في البلاد، خلال حركة المرابطين في القرن الحادي عشر ميلادي، وقعت مواجهات شديدة أسقطت فيها قبائل صنهاجة إمبراطورية غانا قبل ان تستولي على شرق الجزائر والمغرب والاندلس وتستقر هناك تاركة البلاد بدون حكم مركزي.
وابتداء من القرن الثالث عشر قدمت قبائل إلى البلاد من بني هلال الذين وصفهم إبن خلدون بعشق الحرب والنزال واسسوا إمارات قوية امتد سلطان بعضها جنوب النهر والبعض الآخر داخل التراب المالي..
والحمد لله طويت صفحة السيبه والحروب وأصبحت لهذه الأمة دولة جامعة ينعم أهلها رغم إختلاف مشاربهم وحداثة عهدهم بالسلطة المركزية، بالأمن والتقدم والنظام، ومنذ سنة 1978، ظل مقوم هذه الدولة وحاميها وضامن وحدتها هي القوات المسلحة، فاللحمة الوطنية ما زالت هشة والوعي المدني شبه معدوم..
السيد الرئيس..
انت تقول ان الانتخابات تم تزويرها وان لديك الدليل..والدولة تقول ان الانتخابات جرت وفقا للمسطرة الدستورية..
وقد حكم المجلس الدستوري وهو الجهة المخولة المختصة، بأن النتائج صحيحة، وانت لم تعترض على هذا الحكم ..
ثم ان كل دول العالم ومنظماته اعترفت بفوز الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني واعترف به الرؤساء المترشحون معك..
فلنفترض ان السيد الداه ولد عبد الجليل واللجنة المستقلة على خطأ..
وان السيد جالو ممادو باتيا والمجلس الدستوري على خطأ..
وان السادة المترشحين للرئاسة على خطأ..
وان رؤساء وملوك العالم ومنظماته على خطأ..
وأنك انت وحدك السيد الرئيس على صواب..
فما هو برأيك الأسلوب الأمثل لتغيير الواقع والقفز على الدستور الموريتاني وعلى اعتراف المجتمع الدولي..؟
تعرف سيدي الرئيس وانت من ادرى الناس بالقانون، أنه لا أحد فوق القانون، اللهم الا إذا وجدت قوة فوق قوة القانون كما يحصل في الانقلابات العسكرية، حيث يتم القفز على الدستور، ولكن هذا الانتهاك الصارخ للقانون يتم غالبا بطريقة سلسة وهادئة..
فهل لديك قوة مهيمنة كقوة الجيش للقفز على الدستور السيد الرئيس بطريقة سلسة وهادئة..؟
ولا تقل لي من فضلك ان المظاهرات وتحريك الشارع الذي تعتبره مشروعا وليس عنفا، يؤدي للتغيير..فهذا إجراء ضعيف ويضعف موقفك السياسي لأنه بصراحة لا يليق بك..
فالشعب الموريتاني وهو في الحقيقة شعوب، لا يتفق عادة على الحراك، ولا سيما إذا كان الهدف من الحراك فرض أمر بطريقة خارجة على القانون..
ثم إن الأكثرية من الشعب الموريتاني ضد هذا الحراك.. صدقني..
ولتعلم ان المناوشات التي حدثت والحمد لله الذي ابقاك بعيدا من اذاها حفظك الله ورعاك، كانت بين أنصارك والشرطة وكانت السيطرة لرجال الأمن على الميدان، فهل فكرت ان وحدات الحرس والدرك لم تتدخل بشكل اساسي، وأن قوات الجيش الرئيسية لم تحتج لها الدولة..؟
أنا على يقين انك تدرك بفضل حكمتك ورجاحة عقلك ما شاء الله، أن الدولة ليست في موقف ضعف بل قوية وعلى قلب رجل واحد هو محمد ولد الشيخ الغزواني.. وبالتالي لا أرى من الحكمة مواجهتها بتحريك أنصارك في الشارع وعددهم محدود كما راينا أمس وقبل أمس.. ثم ان المبرر القانوني وهو مهم ليس معك..صدقني.
السيد الرئيس..
اسمح لي بحكم سني فانا أكبر منك بأربع سنين الحمد لله، وبصفتي رجلا من اهل الكبله يخاطب رجلا من أهل الكبله، ان أقول لك أنني أخشى أن يكون المثل المعروف وارد فيك: كلبت أهل اكريف اتكب البنهم وتبول على فراشهم وتنفكع اعليهم عاكب ذاك..!
فأنت لا تعترف بفوز الرئيس ولد الغزواني ولا تعترف بالمؤسسات الدستورية وتصف النظام أمام مقر البرلمان الأوروبي بدولة الابارتيد وتتهمه بالعنصرية وقتل المواطنين على اللون والهوية، وتترفع على أن تطلب ترخيصا من الإدارة لمسيرة انصارك لاستقبالك، مثلما تعاليت على طلب ترخيص لحزبك من وزارة الداخلية، لانك ببساطة لا تعترف بالدولة، وقبل ذلك قامت نائبتان من حزبك وبعض أنصارك بوصف مسؤولي الدولة وشريحة البيظان بالحشرات..
بعد كل هذه الفظاعات، تغضب على الدولة لأنها لم تسمح لانصارك باستقبالك قادما من المطار، حتى نزلت من سيارتك وقررت غضبًا واحتجاجًا انك ستقطع انت وحرمك مسافة 55 كلم لتصل إلى منزلك العامر في مقاطعة الرياض..!
ماذا ستقول السفارات الغربية في نواكشوط ..؟
هل من المعقول ان يتقبل السفراء مسيرة غير مرخصة ترفضها السلطات، وهل من المعقول ان يفوتهم انك قمت بقذف الدولة وسبها وتريد اجبارها على قبول تلك المسيرة غير المرخصة.. وكيف كانت انطباعاتهم عن ذلك المسير وعرقلة الطريق العام المؤدي للمطار..؟
وعلى كل الحال أرى أن الحال انقلب رأسا على عقب، فأهل الشرق الذين كانوا يوصفون بالعصبية تصرفوا معك أمس بالحلم وبكياسة اكيدية منقطعة النظير، بينما تصرفت وانت في عمرك هذا زاده الله في طاعته، وانت من منطقة جنوب اكيدي، بعصبية تجاوزت الحد وقد ادت لذاك المسير وتلك التصريحات وتلك الجلسة عند شجرة اغنودرت وانتهى الأمر بركوب سيارة مواطن جعل من الأمر تريند..!
السيد الرئيس..
القوم ليسوا في موقف ضعف صدقني..فهل تعرف لماذا تجنبوا توقيفك..؟
ليس بسبب خشيتهم من تحرك أنصارك وقد شاهدنا وشاهدت انت بأم عينيك ما جرى يوم أمس وما جرى قبله بعد إعلان الانتخابات الرئاسية الأخيرة..
وليس خوفا منهم من المنظمات في أوروبا أو من علاقات "أفلام" في الغرب.. فالنظام لديه علاقات واسعة واخطبوطية تمتد من ابو ظبي إلى الرياض، الى واشنطون، إلى باريس، إلى مدريد وتمر بدول أفريقيا والعالم العربي وأوروبا الشرقية وآسيا والمنظمات الدولية وتلك المصنفة والغير مصنفة..
السيد الرئيس..
ان القوم يريدون اضعافك بطريقة ممنهجة وانت تساعدهم على ذلك..
تأمل بحكمة أنهم يسجنون مواطنين على انتهاك القانون ويتركونك انت والنائبتين رغم انتهاككم الصارخ للقانون. لا ينبغي ان يغيب عنك ان الهدف من ذلك هو تشويه صورتك أمام الشعب الموريتاني حتى تتكرس في الاذهان صورة قبيحة عنك كمارق على القانون وأعراف المجتمع ..
واعلم اعزك الله، انهم لن يعطوك ابدا الفرصة التي أعطى ماكي صال لعثمان سونكو في سنة 2021، حيث قام القضاء بايداعه في السجن بتهمة التحرش، فارتفعت شعبية سونكو لأن غالبية الشعب السنغالي رأت في الإجراء ظلما سافرا..
لن يسجنك القوم الا في الوقت المختار بالنسبة لهم وهو عندما تتهاوى شعبيتك ويتفرق أنصارك من حولك..
وعندما تسجن، صدقني السيد الرئيس، لن تخرج الا بعد أن تقضي محكومية لا أظنها بتقديري الشخصي، ستقل عن 10 سنوات، حفظك الله ورعاك..
وسأكتفي بهذا القدر من الحديث الأخوي الصريح ومعذرة على الإطالة وشكرا على التقبل..
وفي الختام تقبل مني، سيدي الرئيس، أسمى آيات الاعتبار والتقدير.