تقرير/ محمد ولد أعمر
تحتفل موريتانيا بالذكرى الـ 65لعيد استقلالها هذا الشهر، ورغم أنها قطعت خطوات في مجال البناء والتنمية فإنها مازالت بحاجة لمزيد من الجهود ضمن مسيرة النماء والتقدم .
مرّ تاريخ البلاد بمراحل مختلفة، وحكمها قادة عدة تميز عهد كل منهم بنجاحات وإخفاقات... ولكن تلك هي سنّة الحياة .
في التقرير التالي .. موريتانيا مراحل النشأة ... ومسار التحديات
موريتانيا ما قبل النشأة ...
قبل نشأة موريتانيا مرت الرقعة الأرضية التي توجد بها بعدد من المراحل؛ فقد شهدت تلك الأراضي هجرة الأمازيغ إليها حوالي القرن الثالث، ووصل الإسلام إليها بشكل تدريجي في العصور الوسطى عبر القوافل التجارية.
لم تحظ تلك البقعة الجغرافية باهتمام المستعمر الأوروبي إلا في مطلع القرن التاسع عشر، حيث بدأ الدخول الفرنسي والاهتمام بها من طرف المستعمر الفرنسي لأسباب إستراتيجية، حيث أنها حلقة وصل بين مستعمراته في شمال وغرب إفريقيا.
أصبحت موريتانيا جزءًا من غرب أفريقيا الفرنسي في عام 1904، لكن السيطرة الاستعمارية كانت في الغالب مقتصرة على الساحل وطرق التجارة الصحراوية.
وقد عرفت البلاد أنماطا من المقاومة السياسية والثقافية والعسكرية للاستعمار الفرنسي، وخاض أبطال المقاومة معارك مشهورة ضد المستعمر الفرنسي في عدة مناطق من البلاد .
الاستقلال... وتحديات النشأة
بعد انتهاءِ الحرب العالمية الثانية، بدأت الأحزابُ تدعو إلى الاستقلال، وفي عام 1958م أصبحت موريتانيا ضِمنَ الشعوب الفرنسية التي تتمتَّعُ بالاستقلال الداخلي مع بقاء السلطاتِ بيَدِ الحاكم العام الفرنسي بعد الاستفتاء الشهير على "قانون الإطار"، وبقيت الأحزابُ تُطالِبُ بالاستقلال، ثم جرت الانتخاباتُ وتشَكَّلت الجمعية التأسيسية، وقُدِّم الدستور إلى الجمعية الوطنية فوافقت عليه في 1959م وبعد ذلك بعام حصلت البلاد على استقلالها التام في 28 نوفمبر1960.
لم تنضم البلاد للجامعة العربية إلا في سنة 1973 بسبب معارضة المغرب لاستقلالها رغم أنها انضمت للأمم المتحدة في 26 نوفمبر1960.
استقلت الدولة الوليدة في ظروف صعبة للغاية؛ فلا بنية تحتية ولا كوادر بشرية .. وقد كان الاحتفال الذي نظم لإعلان الاستفلال على منصة تحت "المرآب الإداري السابق في المنطقة التي احتلها مبنى البرلمان الحالي
وقد تمّ جلب كل الحاجيات الخاصة بتحضير الاستقلال من السنيغال، كما كانت العاصمة نواكشوط وقتها قاعا صفصفا وتعتمد في كل حاجياتها خاصة الأساسية على العاصمة القديمة التي انشأها المستعمر الفرنسي في السنيغال "اندر" .
واجهت الدولة الوليدة تحديات كثيرة من أهمها الأطماع الخارجية، وقضية حسم الهوية، وغياب البنية التحتية والمصادر البشرية والهيمنة الاستعمارية على المقدرات الاقتصادية وصعوبة التخلص من براثن الهيمنة السياسية والدفاعية .
بعد سنوات قليلة من الاستقلال طفت بعض تلك المشاكل للسطح كقضية الهوية، ولغة التعليم والإدارة، وقضية حسم نوع النظام الذي يحكم البلد ... وأدت قبضة حزب الشعب "نظام الحزب الواحد" والاضطرابات في الشارع ودخول حرب الصحراء إلى التسريع بنهاية حقبة الرئيس الأول للبلاد المختار ولد داداه المحامي الذي عاش ودرس ردحا من الزمن في عاصمة الأنوار باريس.
ترك الرئيس ولد داداه البلاد وهي تمتلك مقومات هامة كالجيش والعملة والعلم والنشيد الوطني وأمم شركة "ميفرما" "سنيم" حاليا وألغى الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا ، وخلف نظاما تعليميا جيدا وإدارة منظمة .
مرحلة الانقلابات السوداء...
تلت عهد ولد داداه الذي دام 18 عام مرحلة سوداء من الانقلابات العسكرية استمرت حتى سنة 1984 تقول بعض المصادر التاريخية أنها كانت بسبب الخلافات بين العسكر وبعض التدخلات الخارجية .
تميزت تلك الفترة بعهد الرئيس الأسبق محمد خونه ولد هيدالة الذي فرض أحكام الشريعة ووضع القانون الجنائي وألغى العبودية، ووضع القانون العقاري، ورغم أهمية هذه الإنجازات فقد حكم بقبضة من حديد ولم يستطع إرساء نظام ديمقراطي بالبلد.
أسقط معاوية ولد سيدي أحمد الطايع نظام هيداله في انقلاب أبيض في 12 دجمبر1984 وكانت الفترة الأولى للنظام العسكري هادئة واستطاع أن يبرم اتفاقيات مع مؤسسات التمويل الدولية.
في 1990 عقدت فرنسا مؤتمر "لابول" وطلبت إرساء الديمقراطية في مستعمراتها السابقة .
استجاب العقيد ولد الطايع وبدأت الخطوات الأولى بإنشاء دستور 1991 والاستفتاء عليه مع تحرير الصحافة المكتوبة وسن قانون لها "يرى بعض المتابعين أنه لم يكن سوى قانون عقوبات ".
بدأ في هذا العهد المسار الديمقراطي لكن الرئيس ولد الطايع أرسى هذا المسار عبر ماكينة انتخابية قبلية (كانت الانتخابات في عهده محل تزوير واسع) حيث هاجم معارضيه وضيق عليهم ومكن للقبيلة واستشرى الفساد في عهده، وضعفت هيبة الدولة داخليا ولكن ولد الطايع رغم ذلك حافظ على الهوية العربية وأنقذ البلاد من عدة أزمات كاحداث 1989 العرقية مع السنيغال وأزمة الأحواض الناضبة .
اتهم نظامه بارتكاب مجازر ضد مجموعة من الجنود السود في ما عرف بـ"مذبحة إينال 1990".
جلب للبلاد نظام الاتصالات "دومسات"1994 وأدخل الهواتف النقالة والأنترنت للبلاد 1998، ولكن حصل سخط شعبي كبير على نظامه بسبب إقامة علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل 1999.
انتهى نظامه بانقلاب عسكري في 3 أغشت وحكم بعده المرحوم أعل ولد محمد فال فترة انتقالية، وتمت تعديلات دستورية وشكلت أول لجنة مستقلة للانتخابات ونظمت أول انتخابات تعددية فاز فيها المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله إبريل 2007 ولكن خلافا وقع بين الرئيس الجديد والعسكر سرع بانقلابهم عليه بعد سنة ونصف .
المرحلة الجديد ... تنمية في ظل الاستقرار
عادت البلاد لفترة انتقالية جديدة 2009 مع القائد العسكري الجديد الجنرال محمد ولد عبد العزيز ووقع اتفاق دكار وأجريت انتخابات رئاسية فاز فيها محمد ولد عبد العزيز وتلتها انتخابات أخرى فاز فيها ليحكم البلاد 10 ستوات.
شهد عهد ولد عبدالعزيز إنجازات كبيرة في البنية التحتية ومكافحة الفساد، كما ألغى مجلس الشيوخ والنشيد والعلم الوطنيين والعملة الورقية بحذف صفر منها، كما قام بتجهيز الجيش وقوات الأمن وعصرنة أدائهما .
يرى بعض المراقبين أن عهد الرئيس عزيز شهد مشاريع تنموية كبيرة، ولكن بالمقابل عرف فسادا كبيرا ارتبط بالرئيس ومحيطه المقرب منه .
في 2019 نظمت انتخابات رئاسية فاز فيها الرئيس الجديد محمد ولد الغزواني الذي اهتم بالاعتناء بالطبقات الهشة ووضع مشاريع كالمدرسة الجمهورية وإصلاح الإدارة والقضاء ومكافحة الفساد والتشغيل، وعصرنة الجيش وتقوية جهاز الأمن والحفاظ على أمن البلاد .
ورغم مواجهة المأمورية الأولى لجائحة "كورونا"2020 إلا أنه استطاع إنجاز قدر هام من المشاريع .
وفي العام الماضي نظمت انتخابات رئاسية فاز فيها بمأمورية ثانية، ومازال نظامه يواصل مشاريعه وبرامجه ومن أهمها في المأمورية الحالية المشاريع المتعلقة بعصرنة نواكشوط ومدن الداخل وتطوير القطاعات الإنتاجية كالزراعة والتنمية الحيوانية والصيد، واستثمارعائدات الغاز وجعل البلاد قطبا هاما للطاقة في المنطقة .
بيد أن بعض المراقبين يرون أن النظام الحالي رغم ما يبذله من جهود مازالت مظاهر الفساد موجودة والقبيلة متحكمة في كل مفاصل الدولة .