"النشاط الرقمي" نحو "موريتانيا 4.0"

 

 محمد الأمين محمد المامي

 

حين تبين تقاطع الثورة الرقمية مع أحلام النهوض الوطني، كانت الحاجة ماسة إلى صوت يُترجم طموحات الأجيال، ويُلامس جوهر التحولات، ويقود نقاشًا عامًا يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة على ضوء التحول الرقمي، حيث تقرر إعداد وإطلاق برنامج "النشاط الرقمي" على شاشة التلفزة الموريتانية شهر سبتمبر 2019م، فكان حصة في جدول البث الأسبوعي، شكلت منبرا استراتيجيا أسس لمرحلة وعي جديدة.

العشرات من الخبراء، والمختصين ورواد الابتكار الرقمي، ظهروا من خلال هذا البرنامج، إذ وجدوه متنفسا فكريًا، يستجلي آفاق التحول الرقمي، ويغوص في إشكالاته، ويضعه على مائدة نقاش إعلامي، جادّ، رصين، وبناء، ذلك أن التحول الرقمي، يكسر طوق البيروقراطية، ويزرع بذور الشفافية والكفاءة، فكان البرنامج صرخة تنوير في برية الإهمال، ومبادرة إعلامية سبّاقة لمواكبة هذا المسار العالمي المصيري.

تميّز "النشاط الرقمي" بقدرته على الجمع بين العمق والتنوير، بين الوطنية والكونية.. فكما استضاف خبراء موريتانيين لهم باع طويل في مجالات التقنية والإدارة الرقمية، فتح كذلك نافذته لخبراء دوليين نقلوا للمشاهد الموريتاني تجارب الأمم، وأضاءوا له دروب التحول التي سلكتها دول نهضت من ركام التخلف إلى مصاف التقدّم بفضل الرقمنة.

كان البرنامج بمثابة منصة تفاعلية مفتوحة، يتلقى عبرها المهتم دروسًا في مفاهيم عدة مثل: الحكومة الإلكترونية، البنى التحتية الرقمية، الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي والتفرد التكنولوجي، وغيرها من المفاهيم التي كانت قبل سنوات قليلة نائية عن الخطاب العام، والموجه في وسائل الإعلام المحلية.

و لأن دور الإعلام في السياقات المفصلية، يتجاوز التغطية، إلى التحفيز والتوجيه لصناعة الرأي العام، تم العمل على تجسيد هذا الدور من خلال برنامج "النشاط الرقمي" ليكون جسرًا بين المواطن وصانع القرار، من اجل التحرك نحو رقمنة الخدمات، واستنهاض همم المختصين والباحثين والمهتمين بالشأن العام، وهو ما ساهم في التحفيز والدفع إلى تبني خيار التوجه الاستراتيجي لمواكبة التحول الرقمي، عبر استحداث وزارة مختصة عام 2021م، وهي خطوة عدت تحولا مؤسسيا جسد صدى لوعي بدأ يتشكل.

قد لا تُدرَج بطبيعة الحال أسماء البرامج التلفزيونية في محاضر الجلسات الحكومية، كما لا يُذكر الإعلاميون في بيانات التأسيس، لكنهم يحملون مشعل التحولات في أجواء التردد، ويوقدون شعلة الوعي في دروب التغيير، كما أن الذاكرة الجمعية تحتفظ بالأدوار البارزة التي تغذي النقاش، وتُمهّد للقرارات، وتُشكّل بيئة التحول في دروب التغيير.

امتدادًا لروح "النشاط الرقمي"، ووعيًا بضرورة الانتقال من التشخيص إلى التمكين، جاءت النسخة المطوّرة من البرنامج تحت اسم "موريتانيا 4.0"، شهر ابريل 2025م، لتكون تجسيدًا إعلاميًا لمفهوم الدولة الذكية، ومنصة تفكير وطني في استحقاقات الثورة الصناعية الرابعة، وتحديات الرقمنة في سياق موريتاني متحول.

ضمن برنامج "موريتانيا 4.0"، تطور الخطاب عن شرح المفاهيم وتبسيط التحديات، بل تشكلت منصة للإرادة الوطنية في إعادة هندسة مشاريع الدولة، وتوجيه السياسات الرقمية نحو خدمة الإنسان، وترسيخ نموذج تنموي جديد يرتكز على المعرفة والابتكار، إذ تم التركيز على ملفات استراتيجية أبرزها الأمن السيبراني، وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي، "خدماتي"، الحكومية، الذكاء الاصطناعي، وذلك بمشاركة خبراء ومسؤولين سامين من مركز القرار.

هذا التطوير في الشكل والمضمون، شكّل انتقالًا من مرحلة الوعي إلى مرحلة التخطيط والتنفيذ، حيث تحوّل البرنامج إلى مختبر إعلامي مفتوح، يواكب مشاريع الرقمنة، ويربط المواطن بالتحول الحاصل، و يواكب مسار الالتزام السياسي والمؤسسي، إذ لم يكن برنامج "موريتانيا 4.0" تحديثا لبرنامج إعلامي وفقط، بل جاء لترقية الخطاب حول المستقبل، والتحفيز على الانخراط الفاعل في مسارات التحول الرقمي، استشرافًا لمكانة وطنية لائقة في أفق التحولات المتسارعة في الحياة النشطة.