تغطية النسخة (14): مهرجان "مدائن التراث" المسار... والنتائج ــ الجديد نيوز

تبنت السلطات في موريتانيا تنظيم هذا المهرجان الذي كان يعرف باسم "مهرجان المدن القديمة" منذ 2011 وقد نظمت النسخة الأولى منه في مدينة شنقيط ، التي عرف هذا الحيّز الجغرافي باسمها   قبل اسم موريتانيا الذي استله المستعمر من أدراج النسيان البعيدة. 

المهرجان ينظم في  المدن التاريخية المعروفة الأربع، والتي صنفت كتراث عالمي وتساهم اليونيسكو مع السلطات في حمايتها وإبراز مكانتها التاريخية والثقافية والسياحية .

التقرير التالي تحت عنوان مهرجان "مدائن التراث" المسار... والنتائج 

سعيا من السلطات للتعريف بهذه المدن وكنوزها التراثية وإشعاعها الحضاري ومخزونها العلمي النادر، أنشئ هذا المهرجان الذي كان في البداية محصورا على الجانب الثقافي، قبل أن تضاف له مكونة تنموية سنة 2020 إدراكا من السلطات بأهمية تثبيت السكان في هذه المدن، وخلق ظروف مناسبة للحفاظ عليها، وتطوير نشاطات الحياة المختلفة فيها، وهو مالا يمكن دون الإعناء بالجوانب التنموية المختلفة خاصة في جانبي الخدمات والنشاط الاقتصادي .

من المدينة الأم .. بدأت الحكاية 

كانت أول نسخة من المهرجان في مدينة شنقيط سنة2011 وهي المدينة الأم وقد تسمّت بها البلاد، نظمت النسخة الأولى للمهرجان تحت اسم "مهرجان المدن القديمة" لعشر نسخ بشكل دوري، بين المدن الأربع  (شنقيط وادان تيشيت ولاتة)

حددت السلطات والجهات المعنية بتنظيم المهرجان عددا من الأهداف، منها محاولة فك العزلة عن المدن التي كانت في السابق مراكز اقتصادية حيوية وروافد ثقافية ودينية مهمة في المنطقة، من أجل إخراجها من حالة الاندثار التي غلبت عليها في العصر الحديث، كما يهدف للفت أنظار المنظمات الدولية المختصة، كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) التي كانت قد أدرجت المدن الأربعة سلفا ضمن مواقع التراث العالمي، و‌المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليسكو)، وكذا منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) إلى أهمية هذه المدن،  إضافة لمحاولة تقديم فرصة للمنحدرين من هذه المدن التاريخية للمشاركة في عملية محاولة النهوض والتعرف عليها أكثر، وتقديم فرص تنموية تعود بالنفع على المدن وسكانها المحليين.

المدن الأربع  في سطور 

 مدينة تاريخية في الجانب الشرقي من ولاية آدرار، وهي أقدم المدن الأربعة وأشهرها،تأسست في السنة الثانية للهجرة، تأسست المدينة  في السنة الثانية للهجرة وكانت تعتبر العاصمة الثقافية والتجارية للبلاد قديما .. وتوجد بها أكثر من 20 مكتبة وتعرف باسم مدينة "المخطوطات نُظّمت فيها النسخ التالية: الخامسة والثالثة والتاسعة والثالثة عشرة .

مدينة وادان تأسست منتصف القرن الثاني عشر الميلادي واستضافت النسخة الثانية من المهرجان، توجد ـ أيضاـ  في ولاية آدرار، وهي إحدى أهمّ المدن التاريخية في البلاد.

 وُصِفت في بعض كتب التاريخ بأنّها "وادان أحدهما مليء علماً وديناً، والآخر مليء نخلاً وتمراً" في إشارة إلى طبيعة المنطقة، حيث واحات النخيل توفّر الظل والماء والتمر للقوافل العابرة للصحراء، 

تُعرف هذه المدينة بأنها تحفة معمارية وثقافية، حيث كانت مركزًا تجاريًا وعلميًا نابضًا بالحياة وسط الصحراء الكبرى. 

يوجد بها شارع شهير يعرف بشارع "الأربعين عالما" وقد استضافت لاحقا النسختين السادسة والعاشرة من المهرجان . 

 تيشيت الواقعة على هضبة تكانت، تأسست في القرن 12م وهي مدينة تراثية رائعة وفريدة، مصنفة كتراث عالمي من قبل اليونسكو، عرفت أوج ازدهارها في الفترة ما بين القرن 11 إلى القرن 19 حين كانت تشكل محورا للتبادلات التجارية النشطة بين المغرب والسودان عبر القوافل الكبيرة المحملة بالبضائع القادمة من السودان ..

وقد ساهمت تلك القوافل في نشر العلوم، مما جعل من المدينة مركزا ثقافيا إسلاميا هاما، كما تشهد بذلك المكتبات الغنية بنفائس المخطوطات المزخرفة بعناية، والموجودة بحوزة بعض الأسر التي تتوارثها جيلا بعد جيل.

استضافت المدينة النسخ الثالثة، والسابعة ثم الحادية عشرة من المهرجان .

مدينة ولاتة الواقعة في الحوض الشرقي، تأسست في القرن الميلادي الأول، كانت شاهدة على حضارة عريقة امتدت لأكثر من ثلاثة عشر قرنا، وخزان حضاري لثقافات تشكلت هويتها عبر مئات السنين، وحضن لحضارات عدة جامعة ما بين عصور مختلفة.

  تتمز بأنها لؤلؤة الصحراء المزركشة، وقد عم إشعاعها العلمي والحضاري منطقة الصحراء الكبرى.

استضافت الدورة الرابعة للمهرجان والثانية عشرة ثم الثامنة عشرة .

عروض متنوعة ... وحضور كبير..

مهرجان "مدائن التراث" يضم فعاليات متنوعة، منها الثقافي والفلكلوري والرياضي، وعلى منابره تقدم المحاضرات الفكرية وتقام المعارض والصناعات التقليدية، إضافة لجلسات من الشعر الشعبي ومسابقات للفروسية والنسيج اليدوي والحكايات القديمة، وعروض اللباس التقليدي والعادات والتقاليد الخاصة بالأفراح الشعبية وأماسي فنية راقية .

في بداية تنظيمه كان يتصادف مع ذكرى المولد النبوي الشريف حيث تتضمن  نشاطاته مدائح نبوية وقراءات شعرية، إضافة لنشاطات أخرى في مجالات شتى.

 كما يتضمّن الاختتام توزيع جوائز قيمة بعد إجراء مسابقات في حفظ القرآن الكريم والحديث الشريف والسيرة النبوية والفقه والشعر الفصيح والشعبي إضافة لألعاب تقليدية وسباق الإبل والعدو.

 وقد تشمل عروضه الشعبية مشاهد من حياة المدينة القديمة مثل القوافل التجارية، وسبق وأن تم استعراض قافلة من الإبل المحمّلة بالتجارة، في إعادة رمزية لطريق القوافل القديم الذي كان يربط   الأخوات الأربع بعضها ببعض. 

كما تشمل فعاليات المعرجان معرض التنوع الثقافي، الذي تشارك فيه جميع ولايات الوطن ويبرز خصوصيات المدن التاريخية القديمة، إضافة إلى أجنحة للكتب والمخطوطات الموريتانية.

وقد تعرض به أفلام وثائقية يتمحور جلها حول تاريخ ودور المدن القديمة التي تمجدها الفعالية، إضافة لمعارض لبعض المخطوطات ومنتجات الصناعات التقليدية، ويُكرم بعض سكان هذه المدن الذين بذلوا جهودا للحفاظ على تراثها وطابعها المعماري الأصيل.

نجاح مشهود ...ووفاء للذكرى

تجسد هذه المدن تاريخا ضاربا في القدم حول حضارة هذا البلد من مختلف جوانبها، وقد نجح المهرجان من خلال النسخ السابقة في إماطة اللثام عن هذه المدن؛ كنوزا تراثية وإشعاعا فكريا وحضاريا ومدارس علمية، وعمل على تنمية تلك المدن وتثبيت الساكنة بها وتعريف كل الموريتانيين بها، عدا عن إبراز جوانبها الأخرى الهامة كالسياحة وفن المعمار للزائرين الأجانب؛ باختصار مهرجان "مدائن التراث" لفتة كريمة ووفاء للذكرى .