الأستاذ : محمد ولد إمام (الحلقة الأولى)
أود أن أشير هنا إلى أنني في هذه القراءات، إنما أصدر عن هوىً خالصٍ في نفسي وطربٍ للشعر، فلم أكتبها لأنال شهادةً أكاديميةً في الأدب أو النقد، وليس هذا تخصصي الأكاديمي، ولم أكتبها لنيل جائزة في البحث، وإنما هي خواطر محب شُغف بالشعر الجميل، وأحب أن يشارك تجاربَه وقراءاتِه مع الناس، والغريب، كما قلت مرارا، هو أنني لم "أُدرّس" المتنبي في الدراسة التقليدية "المحظرة" ولا في الدراسة النظامية بعد ذلك، عكسَ بعض الشعراء الآخرين، مثل شعراء الجاهلية الستة (في صباي تم تحفيظي دواوينهم قسرا، وما زلت أحفظ أغلبها إلى اليوم، وكذلك ديوان الحماسة فيما يسمى قديما بالزرگ وهو تمارين على الإعراب بالشعر حيث نعرب الأبيات ثم نحفظها)..
وقد دونت هذه الدواوين في دفاتر وصحف متفرقة (تسمى عندنا الكنانيش جمع كنّاش أي كشكول من صفحات متفرقة) ولاحقا قمت في إطار مشروع رقمنة التراث برقمنة ثلاثة من كنانيشي الخاصة وإتاحتها للجميع على موقع الأرشيف.. (رابطها في الفهرست)
ورغم أن أبا الطيب لم يُفرض علي ولم يكن يوما جزءا من تكويني ولا تدريسي يجب علي حفظه أو دراسته، إلا أنني أحفظ ديوانه تقريبا كاملا، لا عن قصد ونية، وإنما لاستحسانه والطرب له، فأجدني أكرره بيني وبين نفسي وهكذا يرسخ في ذهني، مع تأمله وتذوقه.
ولعل من أول ما لاحظته من قراءاتي لديوان المتنبي أنني عندما أطالع تراجم الرجل أرى شخصاً مختلفاً عن الشخص الذي أجده عند قراءة الشعر، ولأسباب عديدة، أُقدّمُ الشعرَ على الأخبار التي أرى في معظمِها تحاملاً غيرَ خفي.
ثم إن الشعر في حد ذاته وثيقةٌ تاريخية مقدَّمة على آراء المعاصرين ومن تبعهم، فهم أصحابُ أغراضٍ وأهواء، وكما قيل فالمعاصرة تمنع المناصرة..