فيروس "جدري القردة".. هل يصيب الاقتصاد العالمي بالركود؟

فيروس "جدري القردة".. هل يصيب الاقتصاد العالمي بالركود؟مع إعلان منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ؛ بسبب تفشي فيروس جدري القردة، امتدت المخاوف إلى ما هو أبعد من الأبعاد الصحية لتشمل تداعيات اقتصادية واسعة على الصعيد العالمي، ولتتحول هذه الأزمة إلى اختبار جديد للاقتصاد العالمي في وقت حرج، إذ يسعى العالم للتعافي من آثار جائحة كورونا.

مع تصاعد هذه الأزمة، تبرز تساؤلات حول التداعيات الاقتصادية المحتملة في حال استمرار انتشار المرض، وسط مخاوف من تكرار سيناريو جائحة كوفيد-19 التي عانى منها العالم قبل أربع سنوات.

أدى تفشي فيروس جدري القردة في إفريقيا إلى إعلان منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية العامة الأسبوع الماضي، بعد تسجيل أكثر من 14,000 حالة إصابة هذا العام في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهو ارتفاع ملحوظ مقارنةً بالسنوات السابقة، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).

قبل أيام، حذرت المنظمة العالمية من احتمال ظهور المزيد من حالات الإصابة بسلالة جديدة من فيروس جدري القردة الأكثر خطورة في أوروبا. وذكر المكتب الإقليمي الأوروبي للمنظمة في كوبنهاغن أنه يناقش مع السويد أفضل طرق إدارة الحالة التي تم اكتشافها مؤخراً في البلاد، مع احتمال ظهور حالات جديدة في دول المنطقة خلال الأيام والأسابيع القادمة.

من جانبها، أعلنت باكستان عن تسجيل ثلاث حالات إصابة بالفيروس، بينما أفادت إدارة الجمارك الصينية بأنها ستراقب الأشخاص والبضائع الداخلة إلى البلاد بحثاً عن مرض جدري القردة على مدار الأشهر الستة المقبلة.

تحديات اقتصادية

تأتي حالة الطوارئ الصحية العالمية في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي تحديات كبيرة، إذ تظل المخاطر التضخمية تؤثر على النمو، وتبقي أسعار الفائدة مرتفعة، رغم المخاوف من احتمال دخول الولايات المتحدة في حالة ركود. وفي الوقت نفسه، يواصل اقتصاد الصين معاناته بعد أسوأ فترة له منذ خمسة أرباع.

وفي هذا الصدد، يقول رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية رشاد عبده، في تصريح لـ"إرم بزنس" إن الأزمة الصحية الجديدة تأتي في وقت كانت فيه الأسواق العالمية في طريقها للتعافي من تداعيات جائحة كورونا (كوفيد-19)، لكن مع تصاعد انتشار جدري القردة وظهور حالات إصابة في أوروبا وآسيا، فإن الاقتصاد العالمي قد يواجه تحديات جديدة. 

وبحسب عبده، فإن هذه التحديات تتمثل في تعطيل سلاسل الإمداد حال اتساع نطاق العدوى استمرار تفشي الفيروس عالمياً؛ مما يؤدي إلى تأخيرات في تسليم المواد الأولية والسلع الجاهزة، مما يرفع الأسعار، ويؤثر في الصناعات التي تعتمد على تدفق مستمر للإمدادات.

وقد تشمل هذه التحديات تعطيل سلاسل الإمداد إذا توسعت العدوى، واستمر تفشي الفيروس على مستوى عالمي، ما قد يؤدي إلى تأخيرات في تسليم المواد الأولية والسلع الجاهزة، ويرفع الأسعار ويؤثر في الصناعات التي تعتمد على تدفق مستمر للإمدادات، وفق عبده.

ومع تصاعد المخاوف من انتشار المرض، قد تشهد الأسواق المالية تقلبات ملحوظة حيث يلجأ المستثمرون إلى تقليل المخاطر، مما يمكن أن يتسبب في انخفاض قيمة الأسهم وزيادة التقلبات، حسبما ذكر رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة تكاليف الرعاية الصحية تتطلب موارد إضافية لتوفير اللقاحات والعلاجات وتعقب المخالطين، مما يضغط على الميزانيات الحكومية، وقد يتطلب إعادة تخصيص الموارد من قطاعات أخرى.

وتتضمن التحديات الاقتصادية أيضاً تأثير تفشي الفيروس على قطاعي السفر والسياحة. ففي حالة فرض قيود على السفر خوفاً من انتشار العدوى، فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض كبير في عدد الزوار، مما يتسبب في خسائر مالية للشركات التي تعتمد على السياحة مثل الفنادق وشركات الطيران، وفقاً للمحلل المصري.

أوضح عبده أنه إذا توسع نطاق العدوى، فإن تداعياتها ستؤثر على الأسواق المحلية والتجارة، إذ سيؤدي القلق العام إلى انخفاض الطلب وتخفيض الإنفاق من قبل المستهلكين، مما قد يتسبب في تعطل الأعمال وتعميق الأزمات الاقتصادية المحلية.

مخاوف من التباطؤ

في حديثه مع "إرم بزنس"، يرى أستاذ الاستثمار والتمويل بجامعة القاهرة، الدكتور هشام إبراهيم، أن النمو الاقتصادي العالمي الثابت، الذي شهد تعافياً بعد أربع سنوات من عدة أزمات مثل وباء كورونا وحرب أوكرانيا والتضخم والتشديد النقدي، سيكون معرَّضاً لخطر كبير إذا تطور فيروس جدري القردة إلى وباء. قد يتسبب ذلك في تباطؤ النشاط الاقتصادي بشكل ملحوظ.

ومع ذلك، وبما أن فيروس جدري القردة لا ينتشر عبر الهواء، بل من خلال اللمس، يعتقد إبراهيم أنه لن تكون هناك اضطرابات اقتصادية شديدة كما حدث في أثناء جائحة كورونا، ولكن مع إعلان منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ بسبب الفيروس، ستحتاج الدول إلى تخصيص موارد كبيرة للسيطرة عليه.

هل يتحول لوباء؟

ورغم التحديات الاقتصادية التي يفرضها جدري القردة على المستوى العالمي، يعتقد بعض خبراء الصحة أن الفيروس لن يتحول إلى وباء جديد على غرار كوفيد-19، الذي تسبب في إغلاق العديد من الدول، وفي ركود اقتصادي عالمي قبل نحو 4 سنوات؛ لأنه ينتشر ببطء شديد بالمقارنة بفيروس كورونا، وفقاً لتصريحات سابقة أدلى بها الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية.

في تصريحات خاصة لـ"إرم بزنس"، قال أستاذ الطب الوقائي والصحة العامة في جامعة الزقازيق، عبد اللطيف المر، إن فيروس جدري القردة لا يمتلك الخصائص الجينية التي تجعله وباءً عالمياً حتى الآن. وأوضح أن الفيروس لا ينتشر بنفس سرعة فيروس كورونا، ولا يشكل تهديداً مشابهاً؛ نظراً لانتشاره المحدود وتوافر التدابير العلاجية التي تقلل من احتمال تحوله إلى جائحة عالمية جديدة.

وأضاف المر أن فيروس جدري القردة معروف منذ أكثر من 50 عاماً، ولديه لقاحات، ما يجعل من السهل تحديث اللقاحات والسيطرة عليه في حال ظهور سلالات جديدة. وأشار إلى أن المرض عادةً ما يظهر على شكل طفح جلدي مصحوب بارتفاع في درجات الحرارة، لكنه غالباً لا يشكل تهديداً خطيراً على الحياة، حيث لا تتجاوز نسبة الوفاة 1% من حالات الإصابة.

وأشار إلى أن هناك اختلافاً كبيراً بين فيروس جدري القردة وكورونا، فالأول تنتشر العدوى به من خلال التلامس مع المصابين، وفترة ظهور الأعراض تصل إلى 3 أسابيع، بينما الثاني ينتشر عن طريق التنفس والهواء؛ وبالتالي فهو أكثر سرعة في الانتشار والتفشي.

واستبعد أستاذ الطب الوقائي، أن يتسبب فيروس جدري القردة في حدوث جائحة عالمية جديدة على غرار ما حدث قبل 4 سنوات عندما تفشى فيروس كورونا، وتسبب بإغلاق كثير من الدول لحدودها، وفرض قيودٍ على الحركة والسفر، مما أثّر سلباً على الاقتصاد العالمي، وأحدث ركوداً ما تزال بعض الدول تعاني منه.