موريتانيا والحرب العالمية الأولى.. جانب غائب من تاريخنا العسكري

 

د. سيدي أحمد ولد الأمير

لا زلت أتذكر ضحوة ذلك اليوم الصائف من سنة 1977، وفي ظل دار أهل الْبُو ولد إفُكُّو إلى الشرق من مستوصف المذرذره، حين كنت أنا وبعض الحضور نستمع إلى الممرض سيدي نيانغ رحمه الله، وهو ممرض بولاري قضى حياته المهنية كلها حتى وفاته في المذرذره، وكان يتحدث بزهو عن ذكرياته في معركة "دان بيان فو" الرهيبة، التي وقعت في ربيع 1954.

لم نكن نعرف كثيرا عن تلك المعركة التي جرت بعد الحرب العالمية الثانية، ولا أن موريتانيين كانوا قد شاركوا جنودا وممرضين في هذه المعركة وقبلها شاركوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، بل كان همنا الاستماع إلى حديث سيدي نيانغ الشيق، وكيف كانت نجاته من ذلك التحدي حظا لا يتكرر؛ حين كان يسحب الجرحى من الميدان إلى الخطوط الخلفية في جو يحيط به الموت من كل مكان.

عرفت من خلال مقالة زميلنا محمد عبد الله ولد بزيد عن هذه المدينة أن سيدي نيانغ ينحدر من مدينة كيهيدي ومن حي "تولديه" بشكل خاص، حيث يعيش حتى الآن أبناء عمومته، "دياغراف" أي أمراء الفلان، الذين يشرفون على تسيير الأراضي الزراعية(1).

كان سيدي نيانغ رحمه الله، أحد الشباب الموريتانيين الكثيرين الذين أجبروا طوعا أو كرها على الانخراط في أسلاك الجيش الفرنسي، وكان هؤلاء الموريتانيون وغيرهم من الأفارقة يدفع بهم في غالب الأحيان دفعا إلى الخطوط الأمامية في تلك المعارك والحروب، وقد مات الكثير منهم في بقاع شتى كما سنرى، ونجا بعضهم، لكن أخبارهم ظلت شحيحة، فضلا عن أنهم لم يحظوا، على الأقل من جانب الدولة المستعمرة، بما يستحقون من تكريم.

في هذا المقال سأتناول مشاركة الموريتانيين في الحرب العالمية الأولى، ما حجمها؟ ما طبيعتها؟ وما مصير من شارك من الموريتانيين في تلك الحرب الكونية الفاجعة؟ وكيف لم تقتصر تلك المشاركة على القتال تحت ألوان العلم الفرنسي، بل إن من بين الموريتانيين من شارك في تلك الحرب مع العثمانيين، وفيهم من قاتل الأتراك في المشرق إلى جانب أشراف الحجاز فيما يعرف بالثورة العربية التي قادها الملك الحسين بن علي وابناؤه عبد الله وفيصل وعلي.

أولا: موريتانيون في الجيش الفرنسي.. سياسة احتواء شباب المستعمرات

 

نشرت وزارة الجيوش الفرنسية على موقعها الرسمي في الشبكة قاعدة معلومات متنوعة وشاملة لجنود المستعمرات الفرنسية الذين ماتوا في الحربين العالمتين الأولى والثانية، وسنقتصر في هذا المقال على الجنود الموريتانيين الذين توفوا -رحمهم الله- في الحرب الأولى(2).

هذه المعلومات التي شاركتها وزارة الجيوش الفرنسية تعرض للقارئ أخبار جميع الجنود الموريتانيين بواقع ملف شخصي لكل جندي، وفي كل ملف عشر خانات وهي: الاسم، ومكان الميلاد، وتاريخ الميلاد، ومكان التسجيل في الجيش، وتاريخ الالتحاق بالجيش، ورقم التسجيل، والرتبة العسكرية، وسنة الوفاة، ومكانها، وسببها، وفيلق الجندي.

وبعض هذه المعلومات مذكور دائما كالاسم والسلك وتاريخ ومكان الوفاة ورقم التسجيل، وبعضها مذكور غالبا كسنة الميلاد وسبب الوفاة، والباقي من المعلومات قد يذكر وقد لا يذكر. ومهما يكن، فإن هذه المعلومات تبقى ثمينة ومفيدة، وتعطي للباحث الكثير من العناصر التي تمكنه من وضع اليد على جانب مهم من تاريخنا العسكري.

قمت بترجمة هذه القاعدة المعلوماتية من الفرنسية إلى العربية ملفا ملفا، وجعلتها كلها في ملف من برنامج "أكسيل" لتسهيل التعامل معها، ولتوليد رسوم بيانية من مختلف أعمدتها، ولقراءة تلك الرسوم استتنتاجا واستنباطا.

وقد بلغ عدد الجنود الموريتانيين الذين ماتوا في الحرب العالمية الأولى، والذين نشرت وزارة الجيوش الفرنسية ملفا عن كل واحد منهم: 273 اسما، لكن عند الفحص نرى أن العدد الفعلي للموريتانيين المذكورين في هذا الموقع هو 264 شخصا؛ لأن هنالك أربعة فرنسيين وسنغاليا مذكورين غلطا أو لسبب أجهله ضمن هذه الملفات، كما أنه تكررت أربعة أسماء بنفس المعلومات.

وفيما يلي رسوم بيانية توضح جوانب معلوماتية حول هؤلاء الجنود:

أولا: حول أسماء الجنود