قصبة الترفيه.. التمكين الثقافي للحاجة التنموية

 

محمد الشيخ باب أحمد

لا تحُسب المسافة - قياسا - بين عين بنتيلي و ميناء انجاكُّو مثلا بترقيم الكيلومترات الممتدة عبر جمود فيافي المساحات فحسب !
و لا حتى بتنوع الأثر الأركيولوجي من تسلسل جبال آدرار إلى حيث أرادت جغرافية هذه الربوع أن ينسكب آوكار- فجأة -على زرقة الأطلسي.

ثمة حِسبة أخرى حيَّة و أشمل،  يفرضها التأمل و قد صنعتها خطوات الإنسان أوان سعيه إلى جودة المكوث، و قد عبر! 
حسبة الخطوات الباردة على أديم المشقة و الإنجاز، بين طيَّآت تعبيره إفشاء السلام أو عزمه الذود ساعة الصراع .

و لئن كانت الثقافة هي تمكين هوية هذه الخطوات القديمة بمفاهيمها الكبيرة  و تكييف نمطها المميز لهذا الإنسان، وأثره عبر امتداد تاريخه المتشعب، فإن مسألة الترفيه هي وقع برودة هذه الخطوات على تراكم صيرورة تعايش الجنس البشري أين ما كان .
لعل هذا يحيلنا و إن بصغة مركبة إلى تعريف الباحثين للترفيه على أنه [ الإثراء النفسي للنشاط البشري ]

لقد مرَّ هذا الإثراء النفسي الواعي عبر اعتماد أهمية تقنينه و معالجاته بمراحل زمنية عدة حتى صيره تقدم ذات الوعي، إلى ركيزة أساسية في بناء سلم التنمية المستدامة و جودة الحياة

ففي الوقت الذي يعتبر أحدنا أن الترفيه كمال حياتي خارجي بوضعه في خانة معزولة عن منافذ يومياته!

تعمل المنظومة العالمية و قد أرست قواعد الترفيه  في كل جوانب الحياة، من التعليم القاعدي إلى جدولة الأعمال في المستشفيات و الثكنات العسكرية إلى تقنين فرضه قياسا على عدد ساعات العمل في الأسبوع و خلق بيئة قادرة على تبني المفاهيم الترفيهية في العمل إلى جانب الفضاءات المعهودة مذ تحضَّر فعل الإنسان كالمسارح و دور التسلية و العروض.

بل و تنشط هذه المنظمومة العالمية خصوصا في شقها الإقتصادي الجامع منذ مطلع نفاذ الرقمية في العقد الأخير من القرن المنقضي تنشط في ميادين التخصصات العلمية المواكبة للاقتصاد الخدمي  لتطوير الترفيه على أساس مستدام نظرا للإرتباط السببي بين قطاع الخدمات كقطب اقتصادي حديث ينافس الصناعة و الزراعة و الإستهلاك المتزايد في ظل الرقمنة و الإتصال.

لقد صرف العالم في النصف الأخير من عام 2022 أكثر من ترليون دولار على تأمين الترفيه وحده!
في الوقت الذي رصدت دولة واحدة هي المملكة العربية السعودية مبلغ 40 مليار دولار للترفيه كسقف متوقع يمتد إلى حلول العام 2030

لا يمكن الحديث عن الترفيه في عالم اليوم دون الإشارة إلى دوره الكبير في التعريف بالبلدان و إنعاش السياحة و خلق فرص العمل و جلب الاستثمارات الخارجية. 
حيث تعتبر الأمم المتحدة أن الترفيه العالمي المشترك أقدر على المحافظة على السلم في مناطق الصراعات و انجع السبل لتمكين الإستقرار من مبدأ الحفاظ على المصالح المشتركة.

على الصعيد الوطني، فإن موريتانيا لا تزال في أمس الحاجة إلى خلق نظريتها الترفيهية على أساس تنوعها الثقافي الغني و المحفز للمسألة و كذلك على أساس ما تنشد من تقدم على الصعيد التنموي ، فلن يكفي ما تشهده البلاد موسميا من مهرجانات ترفيهية و مسابقات ثقافية لتضمين هذه الحاجة المتطورة، إذ لا يمكن اعتماد استراتيجية للترفيه دون تقنين الروابط و توجيه الإهتمامات و استغلال السوق لصالح هذا الهدف.

يمكن ملاحظة تزايد الإهتمام الشعبي ببعض النشاطات الترفيهية كالرماية مثلا أو المهرجانات الموسيقية بمختلف أنواعها او حتى سباقات الجمال ( المسابقة الوافدة إلينا حديثا من دول الخليج ) إلا أن النقص الكبير على مستوى السياسات المستديمة لخلق نمط ترفيهي ناضج كإنشاء دور للسينما و بناء فضاءات حقيقة للتسلية و دمج قيم الرياضة و استثماراتها و مراعاة هذا الجانب في اقتناء بنية تحتية سميكة كل ذلك يبقى من التحديات المجحفة بحق الترفيه بالفهوم العالمي و إسهاماته التنموية.