المفتش هو العين الناقدة ، وصاحب الرؤية البصيرة بقطاع التعليم..قبل يوم من الافتتاح وَضَعَ القطاع تحت المجهر، ليؤكد أن التعليم في موريتانيا مازال يعاني جملة كبيرة من المشاكل من أهمها: ظروف المدرس والاكتظاظ وغياب الوسائل وهيمنة النظرة السياسية على الإصلاحات التربوية، وتهميش دور المفتش المحوري في تقويم العملية التربوية.
بخصوص المدرسة الجمهورية؛ يرى ضيفنا أنها فكرة جيدة من حيث المبدأ، لكنها من حيث التطبيق تعاني من الارتجال والتسرع، مؤكدا أن جلب الكفاءات للقطاع يتطلب جعله في ظروف جيدة ومغرية؟
وإليكم نصّ الحوار كاملا:
الجديد نيوز: بعد أيام قليلة ينطلق العام الدراسي الجديد؛ ماهي أفضل طريقة للاستعداد لذلك ؟
بداية أشكركم على هذه السانحة، وأودّ قبل الإجابة عن أسئلتكم أن أوجه التحية لكل الطواقم التربوية التي تستعد لاستقبال عام دراسي جديد، نرجو أن يكون مليئا بالجد والنجاحات..
بالنسبة لسؤالكم عن أفضل طريقة للاستعداد لافتتاح السنة الدراسية أعتقد أن التحضير عملية تكاملية: فهناك دور الطواقم الإدارية في تجهيز الفصول واللوازم والجداول، ودور الأهالي في تحضير أبنائهم للتسجيل وحضور الحصص الأولى، وقبل هذا وذاك يأتي دور المدرسين من خلال الحرص على الحضور منذ الأسبوع الاول.
الجديد نيوز: المفتشون في التعليم الثانوي هم المعنيون بالرقابة على تدريس البرنامج وحسن وضعه؛ هل يقومون بهذا الدور كما يجب؟
لايقتصر دور المفتش في التعليم الثانوي على متابعة تقدم البرامج فقط، بل يتجاوز ذلك إلى مهام عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر: التأطير والإشراف والتكوين والبحث والتصور...لكن القيام بكل تلك المهام يتطلب تمكينه من الوسائل الضرورية لذلك...
الجديد نيوز: أغلب الإصلاحات التربوية تمت وفقا لرؤية سياسية، ولم تحظ بالمساهمة من الخبراء في صياغتها؛ لماذا وماهي أضرار ذلك ؟
للأسف يمكن القول إن التعليم في بلدنا مجرد لعبة سياسية تمارسها الأنظمة المتعاقبة، فلا يوجد نظام مرّ على حكم البلد إلا وادعي السعي إلى إصلاح التعليم، لكن تطبيق تلك الشعارات عمليا يقتصر غالبا على القشور والشكليات كتغيير البرامج وإقامة الورشات التي لا تتجاوز تمرير صرف الميزانيات، بينما بقيت المعضلات الحقيقية تراوح مكانها كظروف المدرس وغياب التكوين المستمر وظاهرة الاكتظاظ وغياب الوسائل من مخابر وقاعات للمعلوماتية، والأهم من كل ذلك استمرار تَحكُّم المفسدين بالجانب الإداري للعملية التربوية...
الجديد نيوز: مع الإصلاح الأخير 1999 ثار جدل كبير حول زيادة الإعدادية بسنة وحول تدريس المواد العلمية بلغة أجنبية؛ كيف ترون هذا الموضوع ؟
الحقيقة أن إصلاح 1999 كان محاولة لتجاوز مشكلة لغة التدريس خاصة أننا في بلد متنوع من حيث المكونات الاجتماعية، لكن مخرجات ذلك الإصلاح أثبتت فشله تماما إذ تسبب في ضعف غير مسبوق في مستويات التلاميذ وأنتج لنا أجيالا لاتتقن أي لغة...
الجديد نيوز: تم العدول هذه السنة ورجعت الاعدادية لثلاث سنوات كما كانت؛ ماهي فوائد هذا القرار؟
عودة الإعدادية إلى نظام الثلاث سنوات بدل أربع أراها خطوة إيجابية؛ فالعبرة ليست بكم المعارف التي يشحن بها ذهن التلميذ لتحضيره للمرحلة الثانوية بل العبرة بنوعيتها.
وبخصوص سؤالكم عن المدرسة الجمهوية أرى أن الفكرة جيدة من حيث المبدأ، لكن تطبيقها يواجه تحديات كثيرة لم تتم مراعاتها قبل البدء في تطبيقها، وهناك نوع من الارتجال والتسرع رافق المراحل التي قطعتها حتى الآن..
الجديد نيوز: التعليم الثانوي تعاني برامج التعليم الثانوي من القدم في بعض المواد خاصة الأدبية، ويعاني ـ كذلك ـ نقصا كبيرا في المراجع في المواد العلمية، كيف يتم التغلب على هذه النقاط؟
لا أعتقد أن مشكلة برامج التعليم الثانوي خاصة منها الأدبية تكمن في القدم، فقد خضعت تلك البرامج لمراجعات عديدة على مستوى المضامين والمناهج، لكن غياب الرؤية الاستراتيجية حال دون تقييم حقيقي لتلك المراجعات، فقد كان التحول يتم من مقاربة لأخرى والأولى مازالت في طور التجريب أو بدايات التطبيق في أحسن الأحوال...
الجديد نيوز: يلاحظ نقص كبير في المدرسين للمواد العلمية باللغات الأجنبية، وهو ماطرح مشاكل للقطاع في تدريس تلك المواد؛ ماهي مقترحاتكم لسد ذلك النقص؟
ربما يكون النقص مرتبطا بما تحدثنا عنه سابقا من مشاكل في مخرجات إصلاح 1999، ینضاف إلى ذلك أن الكثير من خريجي التخصصات العلمية يعزفون عن مسابقات التعليم وذلك عائد بطبيعة الحال إلى ضعف رواتب المدرسين وظروف عملهم، ولتجاوز ذلك لابد من جعل المدرسين في ظروف تجعل من مهنة التدريس مهنة جاذبة للمتميزين وأصحاب الكفاءات...
الجديد نيوز: طريقة تدريس اللغات بموريتانيا عتيقة ولاتساعد على إتقان المهارات المطلوبة في تدريس اللغات؛ مالحل بنظركم؟
أرى أن تدريس اللغات يجب أن يواكب الطرق الحديثة في تعلم اللغة، ولن يحصل ذلك إلا من خلال تكوين مستمر لأساتذة اللغات يمكنهم من الاطلاع على تلك الطرق والتدرب على تطبيقها...
الجديد نيوز: من المقرر إضافة مادتين جديدتين في التعليم الإعلادادي هما: المعلوماتية والتنكلوجيا؛ هل تعتقدون أن القطاع بتوفر على الوسائل اللوجستية والبشرية التي تساعده على تطبيق هذا القرار؟
الجديد نيوز: على العكس تماما فالمؤسسات التي تتوفر على قاعات للمعلوماتية عددها محدود، إضافة إلى نقص التكوين والكادر البشري المتخصص...
الجديد نيوز: نلاحظ ضعفا كبيرا في دور المفتش في السنوات الأخيرة، مما أضعف الحكامة والقيادة التربوية بشكل عام؛ ماهي أسباب هذا الخلل؟
تراجع دور المفتش يعود إلى عوامل عديدة لعل أهمها: تهميش هذا الدور من قبل مسيري القطاع فلم تمنح له حقوقه وامتيازاته المرتبطة بسلكه ولم توفر له الوسائل اللازمة لأداء مهامه، وحتى لو حاول وأنجز خلاصات وتقارير، فغالبا ما يتم رميها في سلة المهملات دون أدنى استغلال لها في الخطط التربوية...
الجديد نيوز: كثيرا مايشكو المفتشون من انعدام الوسائل للقيام بعملهم الهام؛ ماهي أهم العراقيل التي مازالت تحول بينكم مع القيام بمهامكم ؟
أهم العراقيل التي تحول دون قيام المفتش بمهامه تتمثل أساسا في غياب الوسائل: فيكفي مثلا أن نذكر أن هناك مؤسسات يعجز المفتشون عن زيارتها لمدة عام دراسي كامل وربما أكثر، أضف إلى ذلك غياب التكوين، وإهمال التقارير التي يرسلها المفتش مما يصيبه بالإحباط، ويجعله يشعر بعبثية ماينجزه...
الجديد نيوز: نرجو أن يكلل العام الدراسي الجديد بالنجاح؛ ماهي توقعاتكم في هذا الخصوص ؟
ربما هي تمنيات أكثر من كونها توقعات: أتمنى أن تلتفت سلطات البلد التفاتة جدية إلى المشاكل الجوهرية التي يعاني منها القطاع؛ بدل التركيز على الشكليات والقشور..