مؤسسة المحظرة الشنقيطية الكبرى.. الفرص والتحديات

 

سيدي محمد محمد المصطفى/ أستاذ القانون والفقه المقارن
مؤسسة المحظرة الشنقيطية الكبرى

أثار حديث معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي محمد ولد أمين في مقابلته الأخيرة حول واقع التعليم في أفق افتتاح العام الدراسي الجديد 2024/2025 عدة تساؤلات حول أسباب ضعف الإقبال على مؤسسة المحظرة الشنقيطية الكبرى باكجوجت مشيرا إلى أن  29 طالبا فقط هي التي اختارت المؤسسة من ضمن ما يزيد على 16 ألف طالب توزعت على مؤسسات التعليم العالي الوطنية، وأن الأمر يحتاج إلى دراسة ومعرفة الأسباب، ولكوني أحد المؤسسين لهذا الصرح العلمي أردت أن أشخص واقع المؤسسة ليتضح السبب.

أولا: نشأة المؤسسة
بعد اعلان ميلاد المؤسسة بموجب المرسوم رقم 099/2019  الصادر بتاريخ 22 مايو 2019  كان من المتوقع أن ينتهي التحضير  وتبدأ الدراسة فيها مع بداية العام الجامعي 2019/2020 الأمر الذي لم يتم لأسباب عدة منها أن المؤسسة نشأت في مرحلة انتقالية حيث غادر الوزير الوصي الذي خطط للمشروع وجاء وزير جديد لم يكن له علم سابق بالمؤسسة ولا بظروف نشأتها، إضافة إلى ظروف جائحة كورونا وما صاحبها من تعطيل في الحياة العامة، مما أدى إلى توقف مشروع اكتتاب 22 أستاذا تم الحصول على اعتمادات مالية لهم، وتوقفت كذلك مسابقة الطلاب الدفعة الألى التي نظمت اكتوبر 2019 وتم الاحتفاظ بنتائجها سنة كاملة حتى شهر اكتوبر من السنة الثانية 2020 ، وفي شهر اكتوبر من نفس السنة 2020  اعلنت المؤسسة عن تنظيم مسابقة جديدة للطلاب تكملة للناجحين من العام الماضي، وعن تنظيم مسابقة للتعاقد مع عشرة أساتذة للتدريس، بعد أن ضاعت الاعتمادات المالية السابقة، وبالفعل نظمت مسابة الطلاب، ومسابقة التعاقد مع الأساتذة، وبدأت الدراسة عن بعد استجابة لقرارات الدولة في تلك الظروف الاستثنائية بسبب جائحة كورونا، وبعد أن بدأت الدراسة في المقر المؤقت للجامعة المعد من قبل الإمارات العربية المتحدة يوم 11/ يناير 2021،  ظهرت الحاجة لعشرة أساتذة جدد فتم استدعاؤهم من لائحة انتظار مسابة التعاقد المنظمة.

ثانيا: اكراهات النشأة:
باشرت المؤسسة التدريس دون ادنى مقومات مما ضاعف الجهد في سبيل تأديتها لمهامها:
بدأت عملها بتأجير مبنى شعبيا عاديا كمكاتب إدارية، وبالتنسيق مع  السلطات الإدارية المحلية تم الحصول على مبنى مملوكا لوزارة الصحة (مقر الإدارة الجهوية للصحة سابقا) فكان هو المقر الرئيسي لإدارة الجامعة.
ومع بداية العام الجامعي الثاني استقبلت الجامعة ما يزيد على 100 طالب موجهة من وزارة التعليم العالي إضافة إلى 70 طالبا بالمسابقة، فضاقت قاعات التدريس في المبنى المؤقت للجامعة فكان لا بد من البحث عن مكان آخر للتدريس فتم الحصول على مبنى لوزارة التربية وإصلاح النظام التعليمي فاتخذت منه مقرا للإدارة التربوية وفصولا للتدريس.
وفي العام الثالث وبعد اكتمال مرحلة ليصانص ظهرت الحاجة لمبنى ثالثا فتم الحصول على مبنى للمجلس الجهوي توسعت فيه الجامعة.
اكملت الجامعة عامها الثالث لم تحصل على اكتتاب رسمي، مما انعكس على سمعتها وضاعف عليها الجهد، ومع بداية السنة الدراسية 2022/2023  اجرت اكتتابها الأول فحصلت على 19 أستاذا رسميا، لكن مشكلة المقر ما زالت قائمة.

ثالثا: المنهج العلمي للمؤسسة:
أريد للمؤسسة أن تكون مؤسسة علمية رصينة تمثل الاسم الذي أطلق عليها –المحظرة الشنقيطية الكبرى- وبالفعل وضعت مناهج علمية كبيرة يمكن أن تمكن من ذلك إضافة إلى بعض المواد المعاصرة، ومن تلك المواد:
1.    مختصر خليل في الفقه المالكي
2.    مراقي السعود في أصول الفقه
3.    المنهج المنتخب للزقاق في القواعد الفقهية.
4.    بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد
5.    ألفية ابن مالك
6.    ألفية البيان
7.    ألفية العراقي في مصطلح الحديث
8.    الشاطبية في القراءات
9.    إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة
10.    نظم الغزوات للبدوي
11.    الاقتصاد الإسلامي
12.    القانون
13.    الفرنسية
14.    الانجليزية 
15.    المعلوماتية
وبعض المواد الأخرى حسب التخصص
لكن عند تطبيق الضوابط والشروط المحددة في النظام الأساسي للمؤسسة وبعد أول إعلان للمسابقة تبينت صعوبات الأمر  حيث نصت المادة 18 من المرسوم المنشئ للمؤسسة على شروط القبول ونظام الدراسة، على أنه (تفتح الدراسة أمام الموريتانيين الحاصلين على شهادة البكالوريا الوطنية والحائزين على سند بروايتي ورش وقالون عن نافع  صادرا عن شيخ محظرة معروفة، مع دراية بالنصوص المحظرية المتداولة موثقة في إفادة).
وبعد المسابقة الأولى والثانية تم التوصل إلى أن اشتراط الإجازة مع شهادة البكالوريا أمر في غاية الصعوبة، في ظل عدم وجود امتيازات كبيرة محفزة تعادل الخروج من نواكشوط وتجاوز كل المؤسسات لنيل تلك الامتيازات، الأمر الذي لم يتحقق حيث المنحة مساوية لمنح التعليم العالي العادية، والسكن غير موجود، وزاد الأمر حين استقبلت المؤسسة أول دفعة من حملة البكالوريا الموجهين من التعليم العالي، وأصبح المتسابق بالشروط الصعبة السابقة والموجه ربما الناجح في الدورة التكميلية الجميع في مستوى واحد من حيث الامتيازات، أثر ذلك على سمعة الجامعة، إضافة إلى إكراهات المناطق الداخلية عموما.

رابعا: الحالة الراهنة:
نتيجة لحرص فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني  على زيادة فرص التعليم لكافة المواطنين خصوصا ما يتعلق بالتعليم الأصلي شهدت ميزانية المؤسسة تزايدا ملحوظا خلال السنوات الماضية مما مكن الجامعة من مزاولة مهامها وتأدية رسالتها كمؤسسة للتعليم العالي رغم الظروف الصعبة والإكراهات سابقة الذكر، فهي تحتضن اليوم ما يزيد على 600 طالب، موزعين على ثلاث تخصصات:
1.    تخصص الدراسات الإسلامية
2.    تخصص أصول الدين
3.    تخصص اللغة العربية وآدابها.
وقد تخرجت منها الآن دفعتان  الأولى  2023 والثانية 2024 ، ونالوا حظهم في المسابقات الوطنية وحصلت نسبة معتبرة منهم على وظائف في القطاع العام والخاص، وحصل بعضهم على منح الماستر  من التعليم العالي في تونس والمغرب، ومنح في الإمارات وغيها.
توفر المؤسسة منحة شهرية  1350 أوقية جديدة لكل الطلاب الناجحين في المسابقة، ونفس المنحة لمن توفرت فيهم شروط المنحة من الموجهين من التعليم العالي.
توفر المؤسسة كذلك مطعما بوجبتين يوميا بمبلغ رمزي 50 أوقية لوجبات أسبوع، إضافة إلى توفير النقل للطلاب والطالبات من وإلى الجامعة.

تضم المؤسسة الآن 19 أستاذا رسميا، و 30 أستاذا متعاقدا من ضمنهم 10 شيوخ متخصصين في حفظ ومراجعة المتون المحظرية، يقومون بما يعرف أكاديميا بالأعمال التطبيقية (TD).

وفي مجال البحث العلمي أسست الجامعة مجلة علمية محكمة نصف سنوية 2022 صدرت منها أعداد، وتنظم موسما ثقافيا سنويا، وأنشطة رياضية ومسابقات ثقافية لساكنة الولاية، وانتهت المؤسسة الآن  من تحضير ملف وصفي لمناهج الماستر في الدراسات الإسلامية واللغة العربية، وأصول الدين، وفي انتظار انتهاء الموافقات لتنطلق قريبا.
وقد ابرمت المؤسسة عدة اتفاقيات تعاون أكاديمي مع عدة جامعات دولية كجامعة الزيتونة في تونس، والأزهر في مصر، وجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية بالسود، وكان آخرها جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بدولة الإمارات العربية المتحدة، وغيرهم، تسمح هذه الاتفاقيات بتبادل الأساتذة ومنح الطلاب، والبرامج العلمية والأكاديمية.

خامسا: إصلاحات تزيد من رغبة الطلاب في المؤسسة:
1.    تعديل الاسم إلى جامعة أو معهد بدلا من مؤسسة ليسهل تصنيفها أكاديميا ويزول خوف الطلاب على سمعة شهاداتهم.
2.    بناء مقر للجامعة وسكن للطلاب، وزيادة المنحة الجامعية نظرا للخصوصية فيما يتعلق بحفظ المتون ذات الشأن الكبير  والأثر الطيب على الفرد والمجتمع، على غرار الأنظمة الخاصة كمجمع بول تكنيك والمعاهد التابع له.
3.    مساندة الجامعة بفتح مركز من مراكز  شعبة الآداب الأصلية في ثانوية اكجوجت، مما يسهل على طلاب معهد شنقيط الإسلامي، والمنحدرين من ولايات الشمال عموما الحصول على شهادة تتوفر لها فرص التعليم الجامعي في المنطقة.
4.    النظر في فك الترابط بين المسابقة السنوية للمؤسسة والموجهين من التعليم العالي والاكتفاء بأحدهما.
5.    تحسين ظروف الأساتذة المتعاونين المؤسسين ودمجهم انطلاقا من القواعد القانونية المتعلقة باعتبار السلك الوظيفي الجديد.
6.    تنشيط مصالح الجامعة المعنية بالإعلام والعلاقات العامة، والاستفادة من برامج التواصل الاجتماعي (فيس بوك اتويتر، واتساب)، واستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال التروجي.
7.    المشاركة الفاعلة في الأنشطة السنوية لإدارة المنح والتوجيه (كالصالون التوجيهي) وغيره.