رسم الأستاذ والناشط النقابي سيبويه صورة سوادوية لواقع التعليم في موريتانيا بدء بالافتتاح الدراسي الذي شهد وعودا وردية وهالة إعلامية والمزيد من الشعارات ، مرورا بماوصفه بالتوترات التي سببتها التحويلات الأخيرة للمدرسين وظروف المدرس الصعبة ماديا وتلكؤ الوزارة في التجاوب مع النقابات وانتهاء بالمشاكل التي هي عصية على الحصر مما جعل الآستاذ سيبويه يصف واقع التعليم بالبلد بأنه فوضى عارمة من الفشل وصناعة الفشل .
وهذا نصُّ المقابلة الكاملة:
الجديد نيوز: انطلق العام الدراسي في موعده المقرر، من وجهة نظركم ماهي أبرز الاستعدادات التي تميز بها هذا العام عن سابقيه؟
في الافتتاح الدراسي لهذا العام کانت الوعود وردية والهالة الإعلامية والشعاراتية على أوجها، كما كان دائما في الافتتاحات السابقة منذ سنوات، وتم تشكيل لجان جهوية من كل من الإدارة الإقليمية والمنتخبين وممثلين عن وزارة التهذيب لمباشرة التحضير للافتتاح، ويأخذ المدرسون الميدانيون عليها عدم تمثيلهم فيها...
وقد لاحظنا عدة إنشاءات مدرسية بمساعدة من وكالة تآزر، ورغم كل هذا كان الافتتاح اعتياديا؛ بل تم الإضرار به عن طريق تحويلات كانت قمة في التعسف والتأخير عن موعدها الطبيعي في التعليم الأساسي، والتي بموجبها تم تحويل مئات المعلمين إلى مناطق بعيدة دون النظر إلى أقدميتهم وظروفهم الاجتماعية. واعتمادا على معيار كاذب خاطئ يسمى الإزواجية.
وفي التعليم الثانوي كان الحرمان من التحويل سيد الموقف...كل هذا وذاك جعل الافتتاح الدراسي لهذا العام عاصفا ومليئا بالتوترات والتجاذبات.
نبارك للتلاميذ وآباءهم والزملاء المدرسين والمؤطرين وطاقم الوزارة وكافة الشعب الموريتاني السنة الدراسية الجديدة، ونرجو من الله أن يوفق الجميع لما فيه خير البلاد والعباد..
أوصي بالجد والمثابرة وبذل كل الجهود لإنجاح العملية التربوية ولن يتأتى ذلك إلا بمثابرة التلاميذ ومضاعفة الجهود من الآباء والمدرسين وجعل الأخيرين في ظروف تسمح لهم بالعمل الجاد.
لم توفق الوزارة في التحويلات التي قالت إنها جاءت لسد العجز والتوازن ، فلم تراع
الظروف الاجتماعية المتزعزعة أصلا للمدرسين، وأقدمت على ترتيبات لم يتم الاتفاق عليها مع ممثلي المدرسين ونطالب بإلغائها من الأساس.
الجديد نيوز: يلاحظ هجر كبير للتعليم العمومي؛ حسب رأيكم ماهي الأسباب؟
على كل حال الإقبال على التعليم الخاص مبرر بالنسبة لي من عدة نواحي من بينها الأمن المدرسي، وميزة اختيار المدرسين الذي سيدرسون طفلك، والقرب الجغرافي في بعض الأحيان.
وخاصة تجميع أطفال الأسرة الواحدة في مجمع واحد لتسهيل النقل عموما، وكان التعامل مع التعليم الحر منذ البداية نهاية عقد الثمانينيات يتميز بشيء من الحذر في نواكشوط، وسرعان ما فرض نفسه كبديل عن التعليم النظامي في فترة تميزت تقريبا باستقالة الدولة عن التعليم بشكل شبه كامل، والتسيب الذي طبعه والتركيز على الكم على حساب الكيف في التمدرس..
وشاعت مختلف الأساليب من دروس التقوية الجماعية إلى الدروس المنزلية كضرورة عند البعض لتحضير التلاميذ بشكل جيد للأقسام الإشهادية والتنافس بين بعض أهل الدثور ومحاولات لملء فراغ الأبناء مع انشغال الوالدين بالعمل أو بالترفيه..
الجديد نيوز: يعاني التعليم العمومي من مشاكل معيقة كغياب اهتمام الوكلاء والاكتظاظ في الفصول وغياب الرقابة الصارمة، ما هي أبرز المشاكل الأخرى التي يعانيها؟
مشاكل التعليم العمومي عصية على الحصر، بل يمكن أن نؤكد أن التعليم في موريتانيا يعاني من كل المشاكل البنيوية والاجتماعية والقانونية التي يمكن أن يتصورها متابع.
فعلى مستوى المسابقات كنا نعتمد على الكم أكثر من الكيف، إلى أن وصل بهم الأمر إلى محاولة ( العدالة) في الاكتتاب على حساب الكفاءة، مثل قرار إنشاء مدارس تكوين المعلمين في مناطق محددة للمحاباة.. واعتماد الدفعات السريعة التي قد لا تتلقى تكوينا جيدا بما يكفي من المعلمين والأساتذة علاوة على غياب الرقابة التربوية والتأطيرية وغياب التكوين المستمر للطواقم..والتسيب في تخطي الطلاب لمراحل دراسية دون إجراء امتحانات أصلا...بالإضافة إلى الغش الممنهج المتفق عليه من طرف الجميع مما ولد ضعف المستويات وعدم الاهتمام بالتحصيل وفوضوية الخريطة المدرسية التي بددت المقدرات المالية والبشرية.
ولعل الأدهى والأمر غياب مبدأ المكافئة والعقوبة، بل إنه في بعض الأحيان يكافأ المسيء على إساءته ويعاقب المجد على كده ومثابرته؛ إنها فوضى عارمة من الفشل وصناعة الفشل .
الجديد نيوز: المدرسة الجمهورية خيار رسمي ولكن تطبيقه يواجه صعوبات كثيرة، ماهي الأسباب؟
المدرسة الجمهورية خيار استيراتيجي مهم من حيث الفكرة، والفكرة مستوحاة من ضرورة إيجاد حل لتخريج مجتمعين منفصلين في دولة واحدة، وكان ذلك بعد الأيام التشاورية الثانية للتعليم .
ولكن تنفيذ مشروع "المدرسة الجمهورية" وقفت في طريقه عدة عوائق منها: بروز تمييز واضح بين طبقات المجتمع بالتركيزعلى فئات معينة والتدخل بالامكانات الفردية لتوفير طابعات وأجهزة إلكترونية ـ مثلا ـ وتوفير المياه والظل للتلاميذ في ساحة المدرسة من جيوب بعض الخواص، وهو ما يفقد المدرسة الجمهورية إحدى أكبر مميزاتها.
بالإضافة إلى استثناء بعض المدارس الحرة وإن بطابع قنصلي أو دبلوماسي أو غيره من قرار منع المدارس الخاصة من سنوات المدرسة الجمهورية بالتدرج، وهو القرار الذي سبب الكثير من الاحتجاج واللغط بالتزامن مع العام الدراسي الجديد
ويعتبر هذا الإجراء من طرف الجميع وأدا للمدرسة الجمهورية.
الجديد نيوز: تحسين ظروف المدرسين هو حجر الزاوية في العملية التربوية، أين وصلت مفاوضاتكم حوله مع القطاع؟
بالنسبة لتحسين ظروف المدرسين فهو موضوع ملحّ، وكان سببا في الاحتجاجات والاضطرابات في السنوات الماضية، فالمدرس الموريتاني يعد مظلوما حتى بالمقارنة مع حاملي نفس الشهادات من قطاعات الوظيفة العمومية الأخرى .
وإذا ماقارنا دخل المدرس مع نظرائه في الدول المجاورة نجد بونا شاسعا بينه وبينهم ،فالفرق ـفي أقل الأحوال ـ الضِّعف وفي أكثرها الضعفين أو أكثر
وبالمقارنة مع نظرائه عالميا حدث ولا حرج...
وبالنسبة لعلاوات المدرسين فهي "ميكروسكوبية" بحيث لا تصدق وليست شهرية في أكثرها.. وقد حدثت فعلا زيادات لكنها هزيلة جدا أمام الوضع المأساوي للمدرس ..
وفيما يتعلق بالحوار الجاري مع الوزارة هناك تلكؤ واضح وتعثر رغم استئنافه بعد تعيين وزيرة التربية الجديدة ..
لكن النقابات لاحظت عدم ذكر الحوار من طرف السيدة الوزيرة في خطاب الافتتاح مما يشي بثانويته عند سيادتها.
الجديد نيوز: يعاني التعليم العمومي من نقص المدرسين خاصة في المواد العلمية واللغات، ما هي الأسباب في نظركم؟
نقص المدرسين عموما شيء غير مبرر في بلد شاب يمتلك قاعدة هرمية عريضة.. ولن أتحدث هنا عن إكراهات المعاملة مع "البنك الدولي" وما لذلك من تأثير على كتلة الأجور المتعلقة بالقطاعات الخدمية بل سأركز قليلا على النقص الحاصل في المدرسين العلميين واللغة الفرنسية عموما.
فبالنسبة للمعلمين يرد ذلك النقص حسب وجهة نظري إلى البطالة الفنية التي وقع ضحيتها المئات من الأساتذة العلميين المكونين بالعربية، بعد اعتماد تدريس المواد العلمية بالفرنسية والذين اضطرت الدولة إلى تسريب الكثيرين منهم واستخدام الآخرين كمراقبين وفي الإدارات..
هذا إضافة إلى عزوف الشباب العلني عن مسابقات التعليم نظرا لتدني الرواتب وأمام منافسة القطاع الخاص، وحتى القطاع العام في بعض الأحيان لنفس السبب.
والنقص الحاصل في اللغات وخاصة الفرنسية هو نقص اهتمام شريحة واسعة من المجتمع عن الشعب الأدبية بالفرنسية وتقسيم أفراد الشريحة الأخرى بين الأدب الفرنسي والمواد العلمية بالفرنسية التي هي أكثر جاذبية في سوق العمل.
الجديد نيوز: يرى البعض أن التعليم العمومي يحتاج خريطة مدرسية جديدة تقربه من التلاميذ، ما هي أسرع الطرق لذلك؟
لا أظنه يحتاج خريطة مدرسية جديدة تقربه من التلميذ، بل على العكس خريطة مدرسية قادرة على خلط الكثير من التلاميذ المتباعدين لتكوين وحدات ومجموعات تعليمية تتحد فيها الجهود من أجل توفير خدمة أجود بإعداد اقل ووقف محاباة السياسيين والقرى الميكروسكوبية (الصغيرة) على حساب ترشيد النفقات والاستفادة العظمى من المصادر البشرية.
وبالنسبة لأسرع الطرق لذلك؛ هي كما أشرت آنفا وقف المجاملات وصراعات المجموعات المحلية التي تجعل من الخريطة المدرسية مصدر تبديد لا ترشيد.
الجديد نيوز: يرى البعض أن التعليم العمومي يعاني من ضعف الحكامة التربوية وغياب المؤشرات الدقيقة؛ لماذا؟
ضعف الحكامة التربوية كلمة قليلة في حق ما يعانيه التعليم العمومي في موريتانيا؛ فلا المؤشرات مؤشرات أصلا حتى تكون دقيقة او غير دقيقة، فكل ما يتم هو خلق شعارات مرحلية كاذبة خاطئة في مجملها سرعان ما تتبدل بتبدل الوزير أوغيره وسرعان ما يبدع المصفقون حيلة أو شعارات أخرى لمجرد الإلهاء فمثلا لمعالجة نقص نسب النجاح في البكالوريا اعتمدوا سياسة تقليل المترشحين، وهو أشبه بسياسة النعامة..
كما أن السياسات تتبدل لمجرد وجود تمويل خارجي من صندوق ما أودولة ما...
فليست هنالك سياسة عامة ذات ثوابت واضحة لا تتغير مع تغير الأشخاص...
الجديد نيوز: التفتيش جزء أساسي من العملية التربوية لتقويم الاختلالات؛ لماذا تدهورت قيمته في الأعوام الأخيرة؟
التفتيش جزء أساسي من العملية التربوية فعلا كما ورد في السؤال لتقويم الاختلالات ومتابعة العملية التربوية في كل مراحلها.. أما تدهور قيمته كما ذكرتم فهو ناتج عن نقص الوسائل اللوجستية والمالية في مفتشيات التعليم الأساسي وانعدام سيارات لدى المفتشيات .
وفي التعليم الثانوي هناك العديد من المشاكل من أبرزها الانتشار، فقد كان إلى زمن قريب يتم عن طريق ابتعاث المفتشين إلى الداخل في بعثات خاصة عادة ما تكون زيارتها لبضع ساعات كي لا أقول دقائق..
وقد تم إنشاء عدة أقطاب مناطقية مؤخرا للتخفيف من ضعف الانتشار، وحسب وجهة نظري مازال الإخفاق يراوح مكانه.
هذا إضافة إلى قلة الزيارات التفتيشية، فقد تجد مدرسا منذ عشر سنوات لم يتعرض لحصة تفتيش من ساعتين..
الجديد نيوز: ارتفعت نسبة النجاح في المسابقات الوطنية لهذا العام خاصة في الباكلوريا، حسب رأيكم كيف نحافظ على هذا التقدم الذي يحدث لأول مرة
كانت نسبة النجاح هذا العام غير مسبوقة في المسابقات الوطنية، وأجد شخصيا صعوبة في الخوض في هذا النوع من المؤشرات، فهل هو من نقص الترشيحات أو على الأصح تقييد ترشيح الكثيرين و إجراء امتحان تمهيدي، أم أنه ناتج عن تبسيط في مواضيع الامتحان سواء كان صدفة أو عن سبق إصرار وترصد.
وعلى كل حال كانت هنالك أسئلة في بعض المواد شابها بعض الخلل، مما اضطر لجان التصحيح إلى إعادة تقسيم نقاط تلك الأسئلة أوحتى منح نقاطها للجميع بحذف ذلك السؤال.
وعلى كل كانت الزيادة في نسبة النجاح كبيرة، مما يجعل الحسم في أسبابها يحتاج تحقيقا استقصائيا يسبر غور تلك التناقضات ويقدم الإجابة الشافية عن الأسئلة الصعبة لأن زيادة النسبة هذا العام كانت كبيرة من 13أو 15 في المائة إلى قرابة الأربعين.
الجديد نيوز: لكم تجربة طويلة في الميدان، ما هي أفضل وأقصر الطرق لإصلاح قطاع التعليم في بلادنا؟
إصلاح التعليم يتطلب الكثير من الجهود حسب وجهة نظري، ومن ناحية الترسانة التنظيمة فقد تم تخطي الكثير باعتماد القانون التوجيهي مؤخرا...
ومن ناحية المصادر البشرية يجب توفير الموارد المالية إلى طواقم التدريس والتأطير، وبصفة صريحة لا لبس فيها زيادة الرواتب بصفة لا تدع مجالا للشك وترفع من شأن الطواقم ماديا ومعنويا وذلك بتخصيص نسبة كبيرة من الميزانية تقارب الثلث...بالإضافة إلى الجدية وتطبيق مبدأ المكافأة والعقوبة بصفة قطعية لا تتضمن مجاملات ولا محاباة التوزيع الشرائحي للمكافآت بالإضافة إلى اعتماد خطط واضحة في الترقية والتحويلات.