مع دخول العام الدراسي الجديد شهره الثاني مازالت حالة الشد والجذب بين الوزارة والنقابات متواصلة
ولتقييم عمل الوزارة خلال 100 يوم الأولى من تشكيل الحكومة الحالية يمكن القول عموما إن قطاع التربية ليس من القطاعات السريعة الإنجازات وهذه المدة لاتعني شيئا يذكر في حساب عمله الزمني .
على الرغم من ذلك سنحاول رصد النقاط المضيئة في مسيرة القطاع حتى الآن ونعرج على مكامن الخلل ضمن العرض التالي :
افتتاح دراسي في أجواء متفائلة
يوم 7 أكتوبر الماضي تم الافتتاح الدراسي في أجواء متفائلة من طرف الأسرة التربوية بتعيين الوزيرة الجديدة "هدى منت باباه" مضت مراسم الافتتاح عادية وتمت التحويلات ونقل المدرسون الخريجون لأماكن عملهم وكان الحضور بنسبة معتبرة للتلاميذ في الأيام الأولى ،ولا ننسى أن نذكر أن أعمال الصيانة وتجهيز المؤسسات المدرسية قد تمت في الموعد المحدد وأشرفت عليها لجان تربوية وحكومية مع حضور آباء التلاميذ .
تقول الوزيرة في خطاب الافتتاح :ندخل مع بداية العام الدراسي الجديد مرحلة مهمة من مراحل مشروع المدرسة الجمهورية، ونحن نخطو بثقة نحو ثالث خطواتنا الكبرى، لنقطع نصف المسافة نحو استعادة المدرسة الابتدائية لمكانتها ودورها، كحضن جامع لكل الموريتانيين، بكل أعراقهم ومكوناتهم، ليجتمع أبناؤنا – كل أبنائنا – في الفصول نفسها، وتحت الأسقف نفسها، ويتلقون نفس البرامج والمقررات على نحو أكمل وأنجع وأشمل .
وأكدت أن حلم المدرسة الجمهورية الجامعة، والذي شكل لعقود أملا لكل الموريتانيين، ما كان له أن يتحقق، ويقطع هذه الخطوات الواثقة والمهمة، لولا رؤية واهتمام فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وإصراره على إصلاح قطاع التعليم، بدءا من تعهده بتوفير تعليم نوعي وشامل لجميع الأطفال الموريتانيين، ومرورا بإشرافه السامي على تسريع مسار الإصلاح لتنفيذه في الآجال المرسومة وبالجودة المطلوبة، ووصولا إلى قيام مدرسة جمهورية تضمن تكافؤ الفرص في تعليم نوعي شامل، وتحقق تطلعاتنا إلى تكوين أجيال ذات كفاءة علمية، متشبثة بهويتنا الأصيلة وثوابتنا الحضارية والثقافية، قادرة على النهوض بالبلد وإمداده بالخبرات الوطنية المؤهلة والمؤتمنة على استغلال مواردنا والنهوض بنا نحو مدارج الرقي والتطور والازهار.
ونوهت بالقول: لقد كان الاهتمام بالتعليم وإصلاحه، في مقدمة أولويات رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، وقد أخذ هذا الاهتمام ملف التعليم بكل مكوناته وتفاصيله، حيث أعطى فخامته توجيهاته السامية للحكومة بحشد الموارد الضرورية، وكان حريصا على المتابعة الدقيقة لتنفيذ خارطة طريق الإصلاح؛ مما مكن القطاع من إحراز حصيلة معتبرة في مجال جودة العرض المدرسي، وتوفير الخدمة التربوية بالكم والكيف المطلوبين..
وقد تمثلت هذه الحصيلة، في قفزات نوعية على مختلف المستويات:
– فزادت أعداد المعلمين الميدانيين من 9607 معلمين سنة 2019، إلى 17222 معلما، سنة 2023.
وزاد عدد الحجرات المدرسية بـ3698 حجرة دراسية ما بين أغسطس 2019 وأغسطس 2023؛
كما اقتنى القطاع ما يربو على 85 ألف طاولة؛
* وقفزت أعداد المدارس المستفيدة من الكفالات بنسبة 233%، ما بين سنتي 2019 و2024.
* أما أعداد التلاميذ المستفيدين من الكفالات المدرسية فارتفع بنسبة 284%، حيث انتقل من 63025 سنة 2019 إلى 242548 سنة 2024؛
وقالت أنتم أكثر من يدرك أن العملية التربوية عملية تشاركية بامتياز، وأن الخطوات الجبارة التي قطعناها معا على درب الإصلاح تتطلب مزيدا من مضاعفة الجهود وتلاحم مكونات الأسرة التربوية وكل الشركاء في الحقل التعليمي مهما كانت مواقعهم للمحافظة على المكتسبات ورفع جملة التحديات التي تعترض سبيل مسيرة الإصلاح.
وانسجاما مع ما أعلن عنه معالي الوزير الأول السيد المختار ولد أجاي في السياسة العامة للحكومة أمام الجمعية الوطنية، ستستمر الحكومة في تعزيز وتكريس الإجراءات الكفيلة بتحقيق تعليم نوعي، منصف وشامل، وذلك من خلال الصرامة في التصدي للفوضوية الناتجة عن التقري العشوائي من أجل إنشاء خريطة مدرسية عصرية .
– وسنستمر في محاربة التسرب المدرسي والانقطاع المبكر بالتعاون مع شركائنا، بتوفير ظروف مساعدة وجاذبة للوسط المدرسي والاستمرار في تحسين العرض المدرسي؛
– إعداد سياسة وطنية للتكوين المستمر من أجل تحسين وتحيين خبرات المدرسين؛
- صيانة المنشآت والحفاظ على الأدوات واللوازم المدرسية؛
مكافحة التغيب واستحداث آليات لتحفيز الانتاجية والابداع؛-
مصاعب كثيرة بعد الافتتاح ...
بعد شهر من الافتتاح برزت مصاعب كثيرة أولاها تمثلت في الاكتظاظ الذي سببه سحب السنة الثالثة من التعليم الخاص إلى التعليم العمومي دون توفير حجرات كافية، والثانية مذكرة تحويل من الوزارة ترى النقابات أنها كانت "تعسفية" .
وتؤكد النقابات أن الوزارة لم تسع لتعزيز المساعي البناء على الحوار الذي كان قائما معها أيام الوزير السابق ولد داهي الذي يقولون إن الوزيرة الحالية لم تقبل التوقيع على التفاهمات التي كانت بين الوزارة في عهده والنقابات .
وقد لجأت النقابات إلى الإضراب عن العمل يوما واحدا في كل المدارس الحكومية .
وقال الأمين العام لـ"النقابة الوطنية المستقلة للمعلمين الموريتانيين" هارون محمد امبارك إن "إضراب المعلمين يأتي من أجل جملة من المطالب بينها التراجع عن قرار زيادة أيام العمل من 3 إلى 4 أيام"
وتابع "الإضراب يهدف أيضا للضغط من أجل التراجع عن تحويلات تعسفية في صفوف المعلمين". وأوضح أن من بين مطالبهم كذلك زيادة الرواتب والعلاوات وتوفير سكن لجميع المعلمين".
وأشار إلى أنهم بصدد اتخاذ خطوات أخرى من ضمنها تصعيد الإضراب وتنظيم المزيد من الاحتجاجات، إذا لم تستجب الحكومة لمطالبهم.
ووفق معطيات رسمية، يبلغ عدد المعلمين والأساتذة في المرحلتين الأساسية والثانوية بموريتانيا نحو 11 ألفا و449.
وكان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد أعلن سنة 2022 زيادة رواتب موظفي الدولة المدنيين والعسكريين بمن فيهم المعلمون بنسبة 20%
وهنالك مصاعب أخرى تتعلق بالمدرسة الجمهورية التي يعول عليها الرئيس كأحد أهم محاور برنامجه الانتخابي تتعلق بتوفير الزي المدرسي والحجرات الدراسية من جهة، وسوء توزيع الخريطة المدرسية الحالية التي لا تساعد آباء التلاميذ على جلب أبنائهم للدراسة حيث أن هنالك أحياء كثيرة بالعاصمة ـ مثلا ـ لا توجد بها مدرسة ابتدائية عمومية وان وجدت تكون بعيدة، في حين أن المدارس الحرة تعتمد سياسة القرب الجغرافي من التلاميذ فهي في كل الأحياء.
هنالك أيضا التوتر الذي سببته مذكرة سمحت لبعض المدارس الأجنبية بالاحتفاظ بكل سنوات الابتدائية مع منعها على المدارس الحرة الوطنية وقد بررت وزارة التربية ذلك القرار بأن تلك المدارس قنصلية تتبع لدولها ولا علاقة لها بالمنظومة التربوية ، كما أن إصدار مذكرة بغلق باب التبادل بين المدرسين كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس.
حصيلة اجتماع الوزيرة بالنقابات
ضمن سياسة التشاورالمستمر، ونهج الحوار الدائم بين وزارة التربية وإصلاح النظام التعليمي والنقابات، عقدت الوزيرة هدى باباه الجمعة الماضية اجتماعا مع ممثلي نقابات التعليم، وكان اللقاء مثمرا ومفيدا، وشهد نقاشا صريحا حول القضايا التي تم التطرق لها
أولا: كشفت الوزيرة خلال اللقاء عن مكاسب جديدة سيتم تنفيذها لصالح المدرسين، من بينها:
- استفادة العقدويين الذين نجحوا من مسابقة مقدمي خدمة التعليم من علاوة الطبشور ابتداء من السنة المقبلة
- صرف علاوة قدرها عشرون ألف اوقية قديمة لصالح المعلمين المعنيين بتطبيق ما يسميه المعلمون بقرار 5+2
وفي هذا الإطار، أكدت الوزيرة أن هذا القرار لم يأت من فراغ، فالمعلم في الأصل ملزم بتدريس 30 ساعة أسبوعيا، والوزارة لم تلزمه بأكثر منها،
وأكدت الوزيرة أن إقبال المواطنين على تسجيل أبنائهم في المدارس العمومية أدى إلى توسع البنية التربوية، وخلق حاجة لا بد من سدها، لذلك تم اللجوء إلى هذا القرار، وتم صرف علاوة خاصة بالمعلمين المعنيين به تشجيعا لهم.
ثانيا: بخصوص مطلبي مضاعفة الرواتب، وتوفير السكن، أكدت الوزيرة أن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني قام فعلا بزيادة الرواتب والعلاوات، خاصة لمنتسبي التعليم، والحكومة تعمل بجد لزيادة الرواتب كلما كان ذلك متاحا، لكن من غير الممكن حاليا إعطاء التزام بزيادات محددة مربوطة بفترة زمنية بعينها، أو الحسم بشأن توفير السكن لأن ذلك يتطلب نقاشا موسعا مع القطاعات الحكومية المعنية، وليس شأنا خاصا بوزارة التربية وإصلاح النظام التعليمي حتى تعطي فيه التزاما محددا.
ثالثا: بخصوص التحويلات الأخيرة للمعلمين، نوهت الوزيرة أن تلك التحويلات أملتها ضرورة العمل، وجاءت وفقا لمعايير واضحة وشفافة، وأكدت أن الوزارة فتحت باب التظلم وسيتم إنصاف أي حالة ثبت تعرضها لظلم، كما سيتم فتح باب التبادل ولم الشمل خلال العطلة الفصلية المقبلة.
قطاع حساس ... وصعب
يعتبر قطاع التعليم حساسا وصعبا، حساس لأنه معني بوظيفة تكوين الأجيال المقبلة وصعب نظرا لما فيه من مشاكل معقدة ، بيد أن ما لا يدرك كله لا يترك كله فعلى الوزارة والنقابات أن تواصلا سياسة التشاور وتدركان أن الهدف ليس الصراع بينهما بل خلق أجواء ودية تساعد على تأدية الواجب التربوي وانصاف التلاميذ وترك العام الدراسي يمضي بسلاسة ونجاح ... وان غدا لناظره قريب !