ارتفاع الأسعار..مشهدٌ مُـتحـــرّك وحلولٌ متنوعة ــ الجديد نيوز

تقرير / محمد ولد سيدناعمر


نهض الأطفال باكرا وهم يتضورون جوعا :"ماما..ماما " نريد الإفطار ... نظرت الأم المفجوعة ، بدأت تبحث عن بقية نقودها المخبأة ...
بخطوات متثاقلة وصلت الحانوت المجاور ..عادت بفطور أقل من المعتاد .. كانت نظرات الأطفال تلاحق الأم الحزينة فتترجم أسئلة مكبوتة.
غادر الأطفال إلى المدرسة.. بقيت الأم تصارع هواجس  آلام البحث عن مصروف الغداء ..
أغلقت المنزل وتوجهت للسوق القريب  كانت الخضروات والفواكه متوفرة  ..بدأت تقلب بصرها في صنوفها المتنوعة.. تسأل عن الأسعار كان المبلغ المتبقى لديها غير كاف  لوجبة الغداء .. ماذا عساها تفعل .. الأسعار غالية ولهيبها أحرق أحلام البسطاء..
 جلست  على دكة حانوت مجاور.. الأسئلة الحائرة تحاصرها  كانت تنظر بقلق لعقارب الساعة التي تتسارع مثل دقات قلبها الملهوف على صغارها..
اقترب موعد عودتهم للمنزل وهي ما تزال تائهة في أزقة السوق لإعداد وجبة غداء عـَـزّ إعدادها في أيام لهيب الأسعار.


                                                          
مــرارة ...ونــدم 


تمر الأيام على المواطنين..يطحن لهيب الأسعار محدودي الدخل، تبخــر دخلهم المحدود بفعل فوضى المضاربات وغياب الرقابة .
(زينب) ربة أسرة في حياة جديدة تقول والعبرات تخنق صوتها:" والد الصبية حارس يتقاضى راتبا متواضعا كان يكفي لبعض الضروريات لكنه ومع ارتفاع الأسعار لم يعد يكفينا  وأصبحنا عالة على الآخرين" 
المصاريف كثيرة تؤكد "زينب" وهي حائرة في رحلة البحث  عن تلك الضروريات اليومية التي لا تنتهي .


(عمر) سائق سيارة أجرة كان يفاوض صاحب حانوت على تخفيض سعر قنينة زيت من فئة 5 ليتر رد على سؤالنا حول ارتفاع الأسعار وهو غاضب: الأسعار أصبحت لا تطاق  الأرز واللحم والزيت.. ولم نعد ندري ما نفعل، ثم أردف في  لهجة حادة تكاد الأسعار تصيبنا بالجنون ، الدخل ضعيف ويتناقص مع ارتفاع أسعار البنزين "


(مريم) موظفة عمومية كانت في سوق الخضروات تشتري وجبة الغداء أكدت وهي تلملم في حسرة بادية ما تبقى لها من نقود.. ثم تساءلت في تعجب مشوب بالمرارة ألا يجب ضبط الأسعار حتى نعيش بكرامة أليس من الإجحاف أن تكلف وجبة غداء متواضعة 300 أوقية جديدة.
وتابعت بحسرة مشوبة بخوف من المجهول نحن الموظفون من أكثر محدودي الدخل تضررا  من ارتفاع الأسعار حيث أن الرواتب متجمدة منذ فترة والمصاريف كثيرة (مدارس، لباس ، سكن ، صحة ) واليوم أصبح سعر الحصول على الوجبات الرئيسية عقبة كبيرة في وجوهنا بفعل موجة الغلاء الحالية.
وختمت مريم حديثها بمرارة على الدولة أن تغيث مواطنيها وتضبط الأسعار كي نستطيع العيش بكرامة.


نـقـطــة ضــوء ..


موجة لهيب الأسعار مقلقة ... السلطات سعت لإخمادها ..حوانيت مخفضة الأسعار فُـتحت هنا وهناك تزودها يوميا بالمواد الأساسية.. أسعار في متناول الجميع.
في الصباح الباكر يصطف المواطنون في انتظار الحصول على مؤونتهم  اليومية.
(مسعودة) بائعة خضروات  مجاورة لدكان يبيع بأسعار مخفضة تقول وهي تشعر بالتعب: أخذت مكاني في الطابور باكرا لأحصل عل حاجتي اليومية من  المواد الغذائية الأساسية وهي بأسعار جـدّ مناسبة لنا نحن محدودي الدخل.


(أحمد) عامل في  ورشة  يقول مستغربا:"الأسعار في متناول الجميع لكن الكسل لدى البعض هو ما يدفعه لعدم البحث عن حاجته في الحوانيت المخفضة "


(عيشة) ربة أسرة جاءت من حي مجاور لأحد حوانيت السعــر المخفض، تؤكد في حديثها معنا وهي  متفائلة  لا نجد هنا مشكلة، فأنا أجد حاجتي من المواد الأساسية كل يوم في هذا الحانوت، المشكلة التي نعاني منها هي التعب الناتج عن الوقوف في الطابور والفوضى التي قد يعرفها في بعض الأحيان وتأخر بعض العمال المشرفين أو نفاد بعض المواد الأساسية.
 الأسعار هنا في متناول الجميع والبضاعة ذات جودة مقبولة.


(عثمان) سائق حافلة خصوصية  كان يشترى بعض حاجياته من حانوت مدعوم الأسعار وهو يبدو منهمكا  في  حفظ ما شتراه بعناية؛ يقول أنا: حريص على بضاعتي هذه فقد اشتريتها من هذا الحانوت الذي يبيع بسعر مخفض عكس حوانيت الحي، المواطن لم يعد يستطيع العيش منها بسبب الغلاء
نشكر الدولة واتحاد أرباب العمل عل جهودهم في خفض الأسعار.


(المختار) أستاذ تعليم ثانوي قابلناه في حانوت الحي حيث  كان يشري بعض الحاجيات قال بنبرة الواثق من حديثه:  إن  الأسعار التي فرضتها الدولة مؤخرا على التجار مقبولة ولكن يجب على أصحاب حوانيت التجزئة خاصة  تطبيقها. 
وبنظرة يسودها التفاؤل،  أكد المختار أنه يجب عل السلطات إلزام الحوانيت  بلائحة الأسعار الجديدة وتطبيقها ومعاقبة  المخالفين ، كما يجب أن تحرص الدولة على خفض الأسعار لأن ارتفاعها يضر بكثير من المواطنين. 


تخفيض .. ولكن؟


كانت السعادة تعلو وجوههم وهم فرحون بخطوات السلطات العمومية الأخيرة في  سبيل حماية لقمة عيش المواطن؛ فريق من حماية المستهلك كان منهمكا في مراقبة الأسعار؛ باعة وزبائن بأحد المحلات سألناهم عن رأيهم في جهود السلطات العمومية حول تخفيض الأسعار فأكدوا أنهم مرتاحون بهذه الخطوة الأخيرة إلزام التجار بخفض الأسعار حتى يحصل المواطن على قوته اليومي.
وأضافوا ـ وهم يتفحصون لائحة الأسعار الجديدة ـ  نــشــدّ على يد السلطات العمومية،  فهذا قرار صائب وجاء في وقته ونحن عون لها في مراقبة فرض هذه الأسعار ولكن يجب على السلطات المعنية بالتـنفـيذ التعاون معنا والسعي في تطبيق صارم لهذا القرار بتشديد الرقابة على الحوانيت بكل أنواعها.
وختموا حديثهم بتثمين هذا القرار الشجاع.
لفت انتباهي التعاطي الإيجابي في الحانوت بين الباعة والزبناء والتاجر حول الأسعار الجديدة.


الحكومة ..جهود تذكر 


في إطلالاتهم المتكررة يحرص المسؤولون على أن المواطنين هم الأولوية في كل مناحي التنمية، تصريحات مختلفة حول العناية بالأسعار، رجال أعمال يفتتحون حوالي 300 متجر مدعومة الأسعار، الدولة توقع اتفاقية مع اتحادية التجارة على تخفيض الأسعار، إعداد لائحة موحدة بأسعار المواد الأساسية، المواطنون يهللون فرحا، اتحادية التجارة بدأت بشحن البضائع بالأسعار الجديدة ، السلطات الإدارية تتأهب للرقابة مع وزارة التجارة ،هيئات حماية المستهلك ترحب .
جهود حكومية في توفير البضاعة ، رقابة من وزارة التجارة على الجودة ، حرق للبضائع المزورة والفاسدة ، عقوبة شهرية للمتاجر المخالفة لشروط جودة البضاعة والأسعار.


معاناة هنا وهناك، مواطنون حائرون، حديث عن الغلاء، منظمات مستهلك غاضبة، تجار يدفعون بأسباب خارجية، الحكومة تبذل الجهود..تارة بالتعاون مع أرباب العمل، تارة أخرى مع اتحادية التجارة.
إنه مشهد متحرك، الثابت الوحيد فيه صفة الغلاء والمتغير أنماط معاناة المواطن.