تتسارع التحضيرات الجارية لمهرجان مدائن التراث، خصوصا المكونة التنموية، والأشغال الجارية على منصة وموقع فعاليات المهرجان والعروض المقامة بالمناسبة.
مهرجان "مدائن التراث" في نسخته الثالثة عشرة ينظم بمدينة شنقيط التاريخية التي حملت مشعل الاشعاع العلمي والثقافي وكانت البلاد تعف بها لقرن خاصة في دول المشرق العربي.
"لقب الشناقطة" مازال يحيل إلى نبل صاحبه وحمله لأمانة العلم والأخلاق من تلك الربوع أينما حل وارتحل.
هذه السنة المكونة التنموية للمهرجان رصد لها غلاف مالي كبير يصل 3مليارات أوقية قدية سيتم ضخها في مشاريع تنموية هامة.
لإنارة مختلف جوانب التحضير للمهرجان وأهدافه ونشاطاته "االجديد نيوز يستضيف لكم مدير المؤسسة الوطنية للمدن القديمة الأستاذ عدنان ولد بيروك
الجديدد نيوز: يسعى مهرجان "مدائن التراث" إلى المحافظة على المدن القديمة وتوطين سكانها من خلال المكونة التنموية ما لجديد في نسخة شنقيط 2024؟
تستفيد شنقيط للمرة الأولى من المكونة التنموية، في هذه النسخة والتي أطلقها رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في مهرجان "وادان" 2021 إذن ـ كما قلت آنفا ـ ستستفيد شنقيط من غلاف مالي يزيد على 3 مليار أوقية في مشاريع مهمة جدا وكبيرة وسيستفيد منها الساكنة.
ويعتبر الطريق الرابط بين المدينة التاريخية وعاصمة ولاية آدرار أطار والذي تم الشروع في تعبيده أهم الإنجازات.
الجديد نيوز: مرّ المهرجان باثني عشرة نسخة حتى الآن؛ ماذا قدم للمدن القديمة وساكنتها؟
قدم هذا المهرجان الكثير مما يصعب حصره لهذه المدن، لأن المهرجان في حد ذاته يعتبر قافلة للتنمية لهذه المدن، وقد استطاع أن يعيد لهذه المدن مكانتها وألقها وإشعاعها العلمي، كما يساهم في توطين الساكنة بعودة الاستثمارات والانتعاش الاقتصادي.
ومع المكونة التنموية التي انطلقت 2021 أصبح المهرجان يستفيد من تدخل 15 قطاعا وفي هذه النسخة سيتدخل 17 قطاعا كل يهدف إلى تنمية المدينة والعمل على تحسين ظروف ساكنتها وتطوير البنى التحتية فيها.
فالمهرجان كان وما زال مهما لتنمية هذه المدن الأربعة المصنفة كتراث عالمي من العام 1996
الجديد نيوز: يعتقد البعض أن مثل هذه المهرجانات لا تتعدى مظاهر كرنفالية وأموالا عامة مهدورة؛ كيف ترودن على ذلك؟
الكثير من الناس يسمع ذكر المليارات، ولكن الواقع بكل شفافية فإن ميزانية المهرجان تناهز 500 مليون أوقية قديمة تزيد أحيانا وتنقص في أحايين أخرى حسب الحاجة.
نصف المبلغ يذهب للمدينة المستضيفة وللمدن التاريخية الأخرى الضيفة، ويبالغ بل يصل حد الافتراء من يعتقد أن هناك تبذيرا وهدرا لهذا المال.
ولولا هذا المهرجان لما كانت هذه اللفتة الكريمة من رئيس الجمهورية للمدن القديمة، وحضور رئيس الجمهورية للافتتاح مهم جدا لأن وجوده محفز للقطاعات أن تعطي الأهمية القصوى للمدينة التي تستضيف المهرجان وتشرع في حلحلة جميع مشاكلها، وأكد لكم أنه لا يوجد هدر للمال العام لأن كل مكونة لها بندها وطريقة الصرف.
ويخطئ من يقول إن إحياء الفلكلور غير مهم، بل إن إحياءه مطلوب للمحافظة على تراث هذه المدن وهذا لا يمنع من مسابقات وتشجيعات لأصحاب المجالات الأخرى كـ: القرآن الكريم والحديث النبوي والسيرة العطرة وأخرى في الشعر والألعاب التقليدية ومسابقات للإبل والرماية التقليدية ... من أجل المحافظة على تراث الأجداد، فلا بد من نفض الغبار عن تراثنا ويجب أن يهتم الجميع به، هذا طبعا دون إغفال الجانب التنموي الذي يعتبر هدفه الأسمى المحافظة على تراثنا وانتشاله من الضياع
الجديد نيوز: تم إنشاء لجنة وزارية متعددة القطاعات للإعداد للمهرجان؛ هل من إنارة على أبرز الاستعدادات للنسخة الجديدة؟
فعلا تم تشكيل لجنة وزارية يترأسها معالي الوزير الأول يوم الجمعة المنصرم بحضور 17 قطاعا متدخلا، والاستعدادات جارية على مستوى وزارة الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان، والبعثات زارت المدينة عدة مرات وقد تم الشروع في أعمال الترميم لبعض المنشآت الإدارية الموجودة هناك، وسينظم المهرجان في ظروف حسنة وفي التوقيت المحدد له إن شاء الله ربنا، والقطاعات تدخلها قيم جدا ومهم جدا وكل منها في مجال تخصصه.
وهناك نقطة هامة وهي الكهرباء التي يعتبره أهل شنقيط أولية، فقد تعهدت الوزارة المعنية ببناء محطة جديدة كلفتها تناهز مليار أوقية وستكون خارج المدينة لظروف أمنية وتوسعتها وتهجينها حتى تكون قادرة على العمل بالطاقة الكهربائية وفي نفس الوقت بالطاقة الشمسية المتوفرة هناك.
الجديد نيوز:: يهدف المهرجان بمكونته التنموية إلى توطين السكان، وفي الجانب الثقافي لإظهار الإشعاع التاريخي والعلمي للمدينة ماهي سبل تحقيق كل ذلك؟
المكونة التنموية والأنشطة الثقافية هدفه الوحيد هو الساكنة وتثبيتها في هذه المدن التي كانت تشهد هجرة كبيرة بمشاريع كبرى ومشاريع صغرى تتدخل فيها القطاعات وبالعمل الدائم الذي تقوم به وزارة الثقافة ومؤسسة المدن القديمة وباقي المؤسسات التي تتدخل في نفس المدن.
إنه أمر هام حيث يمكن من ترميم دائم للمساجد والمحاظر ودعم وترميم وتزويد المكتبات الأهلية التي تضم المخطوطات بجميع اللوازم للمحافظة عليها وتشجيع مسريها في المدن التاريخية الأخرى، وهذا مما يساهم في تثبيت الساكنة.
وبإمكاننا القول بأن المدن القديمة منذ بدء المهرجان بدأت يتسع محيط المدن بما يناهز 30% من الجانب العمراني، ورجع إليها كثير من الساكنة الذين هجروها، وتم ترميم الكثير من الدور التي كانت مهجورة.
وهنا أشير إلى أن الوزارة سنويا تدعم بقيمة أكثر من 40 مليون أوقية الدور في المدينة التي ستستضيف النسخة، والهدف من ذلك هو أن تكون قادرة على استضافة ضيوف المهرجان، ويمكننا القول بأنه من بداية المهرجان استفادت 2600 أسرة على الأقل من ترميم منازلها في المدن القديمة، بقيمة تناهز 800 مليون علاوة على ذلك الدعم السنوي من طرف الوزارة للمساجد العتيقة في المدن الأربعة خلال المهرجان وتستفيد منه أيضا المكتبات التي تحوي المخطوطات وكذلك المتاحف وجميع التعاونيات الحرفية التي تعمل في مجالات متخصصة جدا مثل: الحجارة والطين والزخرفة الولاتية والنسيج ومنتجات النخيل والوجبات التقليدية المحلية.
الجديد نيوز:: مدينة شنقيط أهم معلمة تاريخية وثقافية بالبلد؛ ما هي مساهمة المهرجان المرتقبة في نفض الغبار عن إشعاعها الحضاري وسبل فك العزلة عنها؟
فعلا تدخلات القطاعات المختلفة والتدخل من طرف وزارة الثقافة من خلال مؤسساتها هيئة المدن القديمة، يهدف أساسا إلى حماية هذا التراث الإنساني الذي لم يعد موريتانيا صرفا بل أصبح تراثا عالميا، ويهدف إلى التعريف بالعلماء الأجلاء والمخطوطات وفي شنقيط وحدها ما يناهز 3000 مخطوط موزعة على 15 مكتبة أهلية، وهذا مهم جندا وهناك الجوانب الأخرى العلمية المهمة: المحافظة على الحرف التقليدية التي تعتبر أساسية جدا لبناء المدينة والمحافظة على طابعها التقليدي.
ويضاعف هذا الاهتمام أثناء المهرجان، لكنه عمل متواصل تقوم به الوزارة طيلة السنة.
من المنتظر طباعة عدة كتب من أمهات الكتب الموريتانية بعد أن تم تصحيح المخطوط منها، وستكون عادة سنوية للمهرجان.
الجديد نيوز:: الندوات الأدبية والسمر الموسيقي والمعارض التقليدية للتراث من أهم مكونات المهرجان ما الإضافة الجديدة هذه السنة؟
بالنسبة للندوات فإن هذه النسخة تضم "مكونة علمية" وتمت دعوة ما يقارب 20 خبيرا دوليا كل واحد منهم له أعمال عن موريتانيا وسيكون المهرجان مناسبة لعرض أعماله العلمية، بعضهم وافق على الدعوة وأرسلت إليه التذاكر وسيكون حاضرا في المهرجان.
بالنسبة للجانب العلمي والأدبي فإن السهرات مهمة لأنها تبرز إنتاجا أدبيا جديدا وهذا أساس للحفاظ على تراثنا الشعبي، بالإضافة إلى أماسي مهمة والغالبية لا تعطيها أهميتها، وأقصد أماسي تذوق الأطعمة التقليدية على سبيل المثال مدينة ولاتة لديها جانب لفن الأكل التقليدي متميز جدا، ويعتبر نتاج التلاحم بين الوجبات العربية والإفريقية التي تعايشت في هذه المدينة منذ أكثر من 1000 سنة ومازال الكثير من هذه الأطباق التقليدية وخاصة في ولاتة يعبر عن هذه الحضارة القديمة وهذا التلاحم الثقافي بين ثقافات مكونة للمجتمع الموريتاني.
الجديد نيوز:: تثبيت السكان في هذه المدينة يتطلب خلق بنية تحتية ومصادر دخل دائمة للسكان ومساهمة الفاعلين من رجال أعمال ومنتخبين في ترقية المدينة والعيش فيها؛ ماذا بهذا الخصوص؟
تدور المكونة التنموية حول هذا الجانب وتناهز هذه السنة ما يقارب 4 مليار أوقية وهدفها هو بناء منشآت وأولها الطريق الذي سيربط المدينة بمدينة أطار والكهرباء كما ذكرت آنفا وتوسعة شبكة المياه وترميم المدارس وبناء أخرى جديدة وهناك تدخلات في مجال الطب والرقمنة والأمن الغذائي والشباب والرياضة حيث يجري بناء فضاء شبابي وتمويل مشاريع صغرى للشباب والتعاونيات النسوية ..مما يوفر دخلا يساهم في تثبيت الساكنة بالإضافة إلى المنشآت الكبرى التي تقوم الدولة دائما بإنجازها في هذه المدن وبصفة خاصة فترة المهرجان، كل هذا من شأنه أن يساعد في تثمين تراث المدينة الذي ينتظر الاندثار والتلاشي ما لم يكن هناك عمل اقتصادي مهم.
والمجال السياحي في مدينة شنقيط لا بد له من بنى تحتية وطرق ممهدة وكهرباء ومياه حتى تكون رغبة للحفاظ على هذا التراث، هذا ما سيقام به في مجال المكونة التنموية وتدخلات القطاعات وبصفة خاصة وزارة الثقافة الذي يعتبر هذا عملها الدائم .
وتلاحظ عودة رجال الأعمال فمن يعرف مدينة شنقيط خلال السنوات المنصرمة وحضر إليها في هذه الأيام فسيرى الفرق الشاسع.
بدأت الساكنة تعود إلى مدنها القديمة بعد عودة الاستثمار إليها وكمثال على ذلك لم يكن بالإمكان الحصول على عامل ورشة كهربائية ولا مكان للتزود بالوقود ولا ميكانيكي يصلح لك سيارتك المتعطلة، هذا في شنقيط القريبة نسبيا فكيف بأخواتها النائيات، واليوم أصبح كل هذا متوفرا وـ لله الحمد ـ هناك تضافر جهود بين الدولة ورجال الأعمال استطاع أن يؤتي أكله وأعاد لهذه المدن ألقها الذي كاد ينطمس.
فقد كان أهل ولاتة ينزحون إلى النعمة وأهل تيشيت إلى تجكجة وأهل شنقيط ووادان إلى أطار أو ازويرات وحتى العاصمة نواكشوط.
الجديد نيوز:: كثيرا ما يثار جدل بعد مثل هذه المناسبات حول ظروف السكن والضيافة للوافدين خاصة من الضيوف والإعلاميين فما أعددتم في هذا الشأن، وماذا عن التغطية الإعلامية المحلية والدولية للمناسبة؟
فعلا نعترف جميعا بأن ما يحدث ليس تقصيرا وإنما له أسبابه الوجيهة ومن أهمها تضاعف أعداد الزائرين للمدن المستضيفة مما يشكل ضغطا على الخدمات.
كل الناس التي تتم دعودها تحصل على السكن والضيافة، فمثلا نسخة هذا العام في شنقيط عدد المدعوين لها 1000 شخص لكن سيحضرها على الأقل 3000 وهذا يصعب السيطرة على مثل هذه الحالات لكن دائما والحمد لله ليست هناك مشاكل كبيرة.
بعد اليومين الأولين من المهرجان يتحسن كل شيء، ونحاول في هذه النسخة أن نتغلب على ذلك، فالوزارة أجرت 220 منزلا لضيوف المهرجان وثلاث نزل للضيوف الكبار وبعض الضيوف الأجانب، وبعملية حسابية بسيطة إذا كان كل منزل فيه 7 أشخاص يكون العدد 1400 شخص وهذا يزيد على اللائحة المدعوة بما يقارب النصف.