مؤتمر السلم بإفريقيا .. الأسباب والأهداف  ــ الجديد نيوز

يعقد منتدى أبو ظبي للسلم مؤتمره الخامس بنواكشوط ويتساءل كثيرون عن أهمية هذا الملتقى بل ويشككون في فعاليته في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها القارة الإفريقية.


المعروف أن القارة الإفريقية توصف في العالم المتقدم بأنها "قارة المآسي والفقر والحروب" ومع أنها ـ فعلا ـ  تعيش واقعا صعبا؛ لكنه للأسف من فعل التدخلات الخارجية التي ما فتئت تعمق جراح القارة تارة بمساعدة حاكم دكتاتوري على قمع شعبه مرورا بنهب خيراتها بالتعاون مع الغرباء وانتهاء بتفقير أبنائها ودفعهم للهجرة غير الشرعية قسرا بحثا عن ملاذ آمن وعيش كريم صار رابع المستحيلات في بلادهم.


التحليل التالي يعالج أسباب وأهداف تنظيم مؤتمر إفريقيا للسلم من طرف مندى أبو ظبي للسلم .


الإمارات وموريتانيا ...الوساطة والحياد


تشترك موريتانيا والإمارات في عدة خصائص اولها الدور الحيوي في الوساطات لفض الخلافات العقيمة والكثيرة في القارة، وإن كانت موريتانيا الآن تترأس الاتحاد الإفريقي ويملي عليها المنصب ذلك، فإننا مازلنا نذكر الدور الريادي والتاريخي لأب الأمة المؤسس المختار ولد داده الذي ساهم بفعالية بوساطات في القارة وحمل الكثير من همومها وكان من المؤسسين الأوائل لمنظمة الوحدة الإفريقية" الاتحاد  الإفريقي حاليان وحرصه على استقلال دول القارة واستتباب الأمن وازدهار التنمية فيها، وقد حمل المشعل من بعده في هذه الأبعاد النبيلة الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني فاجتمعت دول القارة على تزكيته رغم الخلافات البينة بين بعض دولها.


أما العامل لثاني فيتلخص في كون دولة الإمارات تؤهلها للوساطة مكانتها الدولية والإقليمية واقتصادها القوي ووجودها الفاعل في مختلف المحافل والساحات الدولية، وتركة رئيسها الراحل زائد الخير الذي طالما عرف بالنبل وحب مساعدة الدول الضعيفة والعطف على شعوبها وهو منوال يسير عليه رئيس الدولة الحالي محمد بن زائد .


 العامل الثالث الذي يؤهل البلدين للوساطة هو رئاسة العلامة المتبحّر الشيخ عبد الله ولد بيّه للمنتدى وهو علامة مشهود له بالعلم والورع ورحابة الباع والفهم العميق لمقاصد الشريعة وقد ساهم برؤيته المستنيرة والإنسانية بعد أحداث 11 سبتمر. في حماية مساجد  وجماعات الدعوة الإسلامية بمختلف توجهاتها والأقليات الإسلامية في القارات  الخمس من الإبادة والتدمير الممنهج في ديار الغرب وحواضر الغُربة.


لماذا المؤتمر الآن؟


يحمل عقد المؤتمر في التوقيت الحالي دلالات هامة نظرا لجملة من الاعتبارات السياسية والاقتصادية، بالنظر إلى طبيعة المشهد في القارة الإفريقية يوضحه عنوان النسخة الحالية "القارة الإفريقية: واجب الحوار وراهنية المصالحات" لأعمال هذا الملتقى، وهو عنوان ينطوي على دلالات كثيرة وأبعاد متنوعة، لاسيما في هذا التوقيت الذي يتسم بتزايد الصراعات في القارة الإفريقية ويستجيب لتوصيات إعلان نواكشوط 2020 التي دعى إلى اعتماد آلية الحوار واعتباره الوسيلة المثلى في تسوية النزاعات.


 
النفوذ الإماراتي في إفريقيا ... الأهداف والمبررات


تشير بعض الدراسات إلى أنه بعد عام 2004، أصبحت إفريقيا من أهم دوائر السياسة الخارجية الإماراتية، وتعاظمت مصالح هذه الدولة وأهدافها فيها، وتنوعت وسائلها وأدواتها، وبهذا استطاعت الإمارات تنمية علاقاتها الإفريقية على نطاق واسع، حيث أقامت علاقات دبلوماسية رسمية مع عدد كبير من الدول الإفريقية، وصلت مؤخراً إلى (37) من أصل (54) دولة، وقد عمّ نشاط الخارجية الإماراتية الأقاليم الإفريقية الخمسة .


وضمن التنافس الدولي على إفريقيا، تعددت أهداف الإمارات ومصالحها في إفريقيا، وتراوحت بين المصالح العادية والكبرى والحيوية، وتنوعت بين السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والأيديولوجية، وقد أتاحت القفزات المالية الكبيرة التي يحققها الاقتصاد الإماراتي، في تنويع وسائل تحقيق هذه الأهداف والمصالح وأدواتها.


من الأسباب ـ أيضا ـ سعى الإمارات عَبْر تمتين علاقاتها الإفريقية تعزيز حضورها ومكانتها في النظام الدولي فالكتلة التصويتية الإفريقية في الأمم المتحدة وكافة المنظمات والهيئات التابعة لها، كفيلة بترجيح كفّة أصحاب المصالح التصويتية، وهو ما يُؤمِّن دعماً كبيراً للقضايا العادلة التي تتبنّاها الإمارات في المحافل الدولية، وبخاصة أن الإمارات تحاول ممارسة أدوار فاعلة إقليمياً ودولياً.
كما أن المصالحَ الاقتصاديةَ التي تستهدفها الإمارات في إفريقيا هدفان: أولهما تعظيم الاستثمارات الإماراتية الخارجية، وبخاصة في ظل تعطُّش الدول الإفريقية للاستثمار الأجنبي المباشر في كل المجالات، وثانيهما تأمين التبادُل التجاري، في مجالي الأمن الغذائي والسلع الاستراتيجية مثل السلع النقدية والمعادن الثمينة، نظراً لأن الأسواق الإفريقية تُمثِّل مصدراً وفيراً ورخيصاً للمواد الأولية، سواء الزراعية أو الحيوانية أو التعدينية، ومن هنا عظَّمت الإمارات استثماراتها في هذه المجالات في غالبية الدول الإفريقية.

 

مؤتمرينفع الناس ...


من خلال ما سبق تتضح أهمية عقد مثل هذا المؤتمر الذي يدعو لتوفير بيئة استقرار وتنمية تخدم سكان القارة من جهة وتساهم في الاستقرار العالمي وتحقيق الأمن والازدهار المنشودين بإلحاح من طرف قادة القارة وأصحاب الرأي فيها بعد عقود طويلة من الاقتتال والاحتراب والتمالؤ مع القوى الخارجية التي لا ترعى في سكان القارة وخيراتها "إلاّ ولا ذمة