د.خالد السامرائي
كانت زيارتي الأولى إلى موريتانيا تجربة مميزة وعميقة، زاخرة بالكرم الإنساني والتجارب الثرية. برفقة إخوتي من "شباب السلم"، حظينا بشرف حضور المؤتمر الأفريقي الخامس لتعزيز السلم، وهو تجمع فريد يجمع نخبة من العلماء والمفكرين لتعزيز قيم السلم والوئام في القارة الأفريقية، ما أتاح لنا فرصة لتوسيع رؤانا حول أهمية هذه القيم في بناء المجتمعات.
دفء الاستقبال وعمق النقاش
منذ اللحظة الأولى لوصولي إلى موريتانيا، شعرت أنني بين أهلي وإخوتي. الكرم الموريتاني ليس مجرد صفة، بل هو أسلوب حياة. لقد استقبلنا الشعب الموريتاني بابتسامات دافئة وحفاوة أخلاقية مبهرة، عكست عمق ثقافتهم الأصيلة.
وفي أمسيات مليئة بالدفء الإنساني، جمعتنا جلسات ودية مع أشقائنا الموريتانيين، حيث امتزج الحديث عن السلم والسلام بنقاشات غنية حول الثقافة والتاريخ الموريتاني. هذه الحوارات لم تتوقف عند حدود موريتانيا، بل امتدت لتسلط الضوء على العلاقة العميقة التي تربطها ببلدان العالم العربي. تميزت هذه النقاشات باستحضار التراث المشترك والتقاليد الإسلامية الجامعة، مما عمّق فهمي لدور موريتانيا كحلقة وصل بين أفريقيا والعالم العربي.
فكر الشيخ عبد الله بن بيه ودوره الملهم
من أبرز محطات الرحلة كان اللقاء مع مولانا المجدد الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، وأحد أبرز رموز السلم في العالم الإسلامي. رغم أن اللقاء اقتصر على السلام بسبب كثرة الضيوف، إلا أن وجود الشيخ في المؤتمر كان كافيًا ليترك أثرًا عميقًا في نفسي.
فكر الشيخ عبد الله بن بيه يُمثل منارة ملهمة لتعزيز السلم والتعايش في عالمنا المعاصر. رؤيته ترتكز على الجمع بين الفهم العميق للنصوص الشرعية والوعي بالواقع، ما يجعلها رؤية عملية قادرة على التعامل مع التحديات الراهنة. وجوده في المؤتمر كان شهادة حية على التزامه بنشر قيم السلم والحوار، ليس فقط في العالم الإسلامي، بل على نطاق عالمي.
الإمارات.. نموذج ريادي في تعزيز السلم
الدعم الذي تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة لجهود الشيخ عبد الله بن بيه ولمبادرات السلم يعكس رؤيتها المتقدمة كدولة رائدة في تعزيز التعايش والحوار. الإمارات لا تكتفي بإطلاق المبادرات، بل تسعى لأن تكون نموذجًا عالميًا يُحتذى به.
من خلال دعمها لـمجلس حكماء المسلمين ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، إضافة إلى مبادرات عالمية مثل "وثيقة الأخوة الإنسانية"، تؤكد الإمارات التزامها الراسخ ببناء عالم أكثر انسجامًا وتسامحًا. فكر الشيخ عبد الله بن بيه ورؤية الإمارات يجتمعان في تحقيق هدف مشترك: جعل السلم أساسًا للتنمية والاستقرار في المجتمعات.
انعكاسات الرحلة
هذه الزيارة، التي حملتني إلى قلب موريتانيا لأول مرة، لم تكن مجرد تجربة شخصية، بل كانت درسًا عميقًا حول أهمية التعاون والعمل المشترك لنشر السلم. برفقة "شباب السلم"، أدركت أن رسالتنا كجيل شاب هي أن نستلهم من فكر القادة، مثل الشيخ عبد الله بن بيه، وأن نعمل على بناء جسور التواصل بين الشعوب.
الجلسات والنقاشات التي شهدتها أكدت لي أن تعزيز السلم ليس مجرد هدف نبيل، بل ضرورة لتحقيق مستقبل أفضل للجميع.
ختام الرحلة
في ختام هذه التجربة، عدت محملاً بالكثير من الدروس والعبر. موريتانيا بالنسبة لي أصبحت رمزًا للكرم والثقافة، والشيخ عبد الله بن بيه تجسيدًا للفكر الناضج والقيادة الحكيمة، والإمارات نموذجًا رياديًا للسعي نحو التعايش والسلام.
هذه الزيارة أكدت لي أن السلم ليس فقط مسؤولية الحكومات أو المؤسسات، بل هو مسؤولية كل فرد منا. وأنا ممتن لهذه الفرصة التي سمحت لي بأن أكون جزءًا من هذه الرسالة النبيلة، متطلعًا إلى العمل المستمر من أجل نشر قيم التعايش والسلم في منطقتنا والعالم.