أسباب التوتر الدائم على الحدود الموريتانية الشمالية….. القضية الصحراوية.

العقيد المتقاعد أنَّه ولد الصوفي

 إن التاريخ علمنا أن النزاعات والحروب، غالبا ما، تنشب بين الدول، بسبب الطموحات التوسعية، ورغبة بعضها الهيمنة على البعض الآخر ومحاولة ابتلاعه. وجدير بالذكر، أن هذا النوع من التصرف العدواني يعتبر مرضا سياسيا يصيب بعض الأفراد، تحت تأثير، جنون العظمة، أو الرغبة في توسيع ساحة النفوذ، أو الطمع في خيرات الآخر، أو التأثيرات الثلاثة معا. وعبر تاريخها، لم تكن المنطقة المغاربية بمعزل عن إفرازات هذه الحالات المرضية وحتى اليوم. فبعد حرب الرمال بين الجزائر والمغرب، والمحاولات الفاشلة المغربية لضم موريتانيا إلى المملكة، جاء الدور على الصحراويين. وما أن تمت تصفية الاستعمار الاسباني من هذا الاقليم حتى بدأت مرحلة التحضير لغزوه من خلال نسج قصص وروايات حول الانتماء التاريخي للصحراويين. ثم انتهت هذه المرحلة باحتلال الاقليم، حيث احتوى المغرب على نصيب الاسد من الشعب الصحراوي وأرضه، وعاد إلى موريتانيا الجزء اليسير من الاقليم. وقد تمت هذه العملية على مرأى ومسمع من العالم ودون أي اكتراث بالمواثيق الدولية، وعلى وجه الخصوص القانون الدولي الذي ينص، وبدون لبس، على حق الشعوب في تقرير مصيرها. وما لبث هذا التقسيم الجائر والمشين طويلا حتى فجر الصحراويون مقاومة شرسة ضد الدولتين. وبعد أكثر من سنتين من المعارك العنيفة، خلفت، بالنسبة للأطراف كلها، للأسف الشديد، فاتورة باهظة الثمن، من حيث الخسائر في الأرواح والعتاد، بادرت نخبة من الضباط الموريتانيين، برئاسة المرحوم المصطفى ولد السالك، بالاطاحة بنظام المرحوم الرئيس المختار ولد داداه، يوم ال10 يوليو 1978، وذلك على الرغم من أن هذا القائد حقق أشياء رائعة للبلد وأصاب في أمور كثيرة، لكنه أخطأ في حرب الصحراء الغربية بالذات. وبدون انتظار، وضع هؤلاء الانقلابيون حدا لمشاركة موريتانيا في الحرب، معلنين للجميع أن موريتانيا “لا ناقة لها ولا جمل في الصحراء الغربية”. وعلى ضوء ذلك، قررت موريتانيا سحب قواتها من جزئها على عجل، دون أن تضع الترتيبات اللازمة لانسحابها منه، وذلك بسبب إكراهات أمنية داخلية وخارجية، ناجم عن وضعيتها الجديدة. وفور إعلان موريتانيا لهذا الموقف، سارع المغرب باحتلال الجزء الموريتاني! وبفضل مبادرة هؤلاء الضباط، تأسست مرحلة جديدة، بين موريتانيا وجبهة بوليزاريو، مبنية على التعايش السلمي والاحترام المتبادل. وطويت، إلى غير رجعة، صفحة مؤلمة من تاريخ الشعبين الشقيقين. واتباعا، تواصلت جهود ترميم العلاقات بين الطرفين حتى تكللت باعتراف موريتانيا بالجمهورية العربية الصحراوية سنة 1984. وتولدت عن هذه الأجواء الإيجابية، تفاهمات تقضي بالسماح لكلا الطرفين بعبور أراضي الآخر. واستمر الأمر على هذه الشاكلة حتى تأزمت الأمور مؤخرا، بسبب التفاهمات الأخيرة حول الربط الكهربائي المزمع تشييده بين موريتانيا والمغرب، علما أن المغرب لا يتمتع أصلا بحدود مع موريتانيا. واعتبارا لذلك، فلا بد لهذا الربط أن يمر بالأراضي الصحراوية التي يسيطر عليها المغرب ويعتبرها جزءا من مملكته، على الرغم من أن الكثير من دول العالم يرفضون الاعتراف بهذا الأمر الواقع ويتحاشون أيضا إبرام العقود والصفقات في هذه الأراضي المتنازع عليها. وللتذكير، فإن المغرب أصر على إنشاء هذا الربط الكهربائي، لا للمنافع المتوخاة منه، وإنما من أجل صب الزيت على النار بين الموريتانيين والصحراويين، ونسف مبدأ الحياد الايجابي الذي انتهجته كل الحكومات الموريتانية المتعاقبة، منذ ما يربو على أربعين سنة، كسياسة ثابتة للدولة الموريتانية. وبهذه الإستراتيجية الماكرة، يكون المغرب، عين على قطع العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا وكل من الجمهورية الجزائرية والجمهورية الصحراوية، وعين أخرى على جذب موريتانيا إلى الاصطفاف معه في محوره الابراهيمي. هذا، وإن كان ولا بد من الاصطفاف، فإن الغالبية من الشعب الموريتاني تفضل محور الجزائر على محور المغرب الرسمي. وفي هذا السياق بالذات، يجب أن لا ننسى أن الجمهورية الجزائرية لم تبخل في أي وقت على موريتانيا، من حيث الدعم السياسي والاقتصادي. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، إبان توليها لرئاسة مجلس الجامعة العربية سنة 1973، دعمت الجزائر وبقوة المعركة الدبلوماسية التي كانت تخوضها موريتانيا، آنذك، للانضمام للجامعة، ودحض المزاعم المغربية، حول انتمائها التاريخي للمغرب. هذا بالاضافة إلى دعمها للقرارات السيادية الموريتانية، كسك العملة الوطنية، وإنشاء ميناء انواكشوط، وقرار تأميم شركة ميفرما المنجمية، الذي كان محفوفا بالمخاطر وكاد أن يؤدي إلى عمل عسكري فرنسي ضد موريتانيا. ومؤخرا، مشروع الطريق الجزائري- الموريتاني قيد التنفيذ الآن والذي يمثل، وبحق، لؤلؤة الصحراء. ويبدو أن هذا المشروع الذي منافعه لا تعد ولا تحصى، بالنسبة لكل المنطقة، قد أغضب الحكومة المغربية مما جعلها تفكر في هذا الرد الكيدي. وعلى كل حال، فإني شخصيا، اعتقد أن فخامة السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لن يحيد قيد أنملة، عن الحياد الايجابي، مهما عظمت الضغوطات التي تمارس عليه من هنا وهناك. فهو يعي أين تكمن مصلحة شعبه، ويعي كذلك المخاطر التي قد تنجم عن التخلي عن سياسة الحياد الايجابي.

وفي النهاية، فليعلم قادة الدول في هذا الربوع من الوطن العربي، أن شعوبهم، لا تحتاج إلى مزيد من الصراعات والحروب، وإنما تحتاج، بكل تأكيد، إلى الوحدة السياسية والتكامل الاقتصادي، في ظل جو من السلم الأهلي، والعيش الكريم، ودولة القانون، ينعم كل مواطن فيها بكافة حقوقه، بدلا من ديمقراطية عرجاء، لا تخدم إلا الحكام الذين يجعلون منها أداة في أيديهم، ويستعملونها لقطع أعناق وأرزاق من يخالفهم في الرأي. والمدخل لهذه البوابة الحميدة، يمر حتما بتسوية الصراعات البينية وفي مقدمتها مشكلة الصحراء التي تشكل ثنائية الخير والشر في المنطقة، وذلك حسب ما يراد لها من حل. وعليه، فإنه على المغرب، النزول من أعلى الشجرة، والرضوخ لإرادة الشعب الصحراوي، وإرادة الأمم المتحدة التي قد طالبته مرارا وتكرارا بإتاحة الفرصة لهذا الشعب المبتلى ليعبر عن إرادته الجماعية، عبر تنظيم استفتاء عادل ونزيه، لا يستثني أي مواطن صحراوي، أيًا كان وأين يكون. وعلى جميع الأطراف الالتزام التام بنتائجه.