بابه ولد يعقوب ولد أربيه
في إحدى المرات، صرّح رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أن نشأة حركة أمل الشيعية كانت مبنية على تفاهم ضمني يقوم على أن نظام حافظ الأسد سيتكفل بتأطيرها سياسياً، بينما يتولى نظام القذافي تمويلها. ثم أضاف بري بابتسامة ساخرة أن الأمور انقلبت رأساً على عقب، حيث أصبح القذافي منظّرهم السياسي، فيما انتقلت المسؤولية المالية إلى نظام الأسد الذي كان يعاني وقتها من أزمة مالية خانقة.
ما حدث لحركة أمل يمكن وصفه في لغة الفيزياء بـ”الدوران 180 درجة”، وهو ما قد نجد له مثيلاً اليوم في الساحة السياسية الموريتانية. فبينما من المعتاد أن تكون المعارضة الجادة هي التي تطالب بالحوار في مواجهة نظام يرفضه، مبرراً ذلك بانشغاله بتنفيذ البرنامج الذي اختارته أغلبية الشعب على أساسه، نجد اليوم واقعاً مغايراً. فالنظام هو من يدعو للحوار، في حين أن المعارضة الجادة هي التي ترفض.
لست معنيًا بما أصبح جزءًا من تاريخ لبنان وسوريا، لكن ما يشغلني اليوم هو واقع بلدي، ولذلك أجد نفسي أمام سؤالين مهمين: ما الذي يدفع النظام في هذه اللحظة إلى الدعوة الملحة للحوار؟ وما الذي يجعل المعارضة الجادة ترفض هذه الدعوة؟
الإجابة الوحيدة التي تطرأ على ذهني للسؤال الأول تشبه قصة قريب لي يخفي مرضه ويتعايش معه بصبر، لكنه حين تعصف به نوبات الألم يضطر، مكرهاً، إلى زيارة طبيبه الذي يطلب منه كالعادة سلسلة من الفحوصات والتحاليل ثم ينتهي الأمر بالوصفة الطبية ممزقة عند باب صيدلية الحي التي يشتري منها قريبي ما يخفف عنه الألم دون مواجهة السبب الحقيقي للمرض .
أما جواب السؤال الثاني فيأخذني إلى سلسلة من الأسئلة الفرعية التي تطرح نفسها بقوة: أليس التفاوض على ترخيص أحزاب تستوفي كافة الشروط المنصوص عليها دليلاً واضحاً على صورية تجربتنا الديمقراطية؟ أليس التفاوض على حق الولوج إلى الإعلام مؤشراً على تراجع حرية التعبير؟ أليس التفاوض على حقوق المواطنين الأساسية، مثل الحصول على الأوراق الثبوتية، والتسجيل في اللوائح الانتخابية، واعتماد التقطيع الانتخابي المناسب ، دليلاً على وجود شلل في العملية الانتخابية برمتها؟
ذات مرة نصحت أهل قريبي نصيحة أحتفظ بها لنفسي لأنها لا تعني لك شيئا عزيزي القارئ ، أما نصيحتي للقوى الحية في موريتانيا فهي أن تقاطع الحوار تاركة بين النظام وبين الشعب الذي تعهد له .
فهي بمشاركتها تعطي للنظام وقتا هاما يريد كسبه وتعطي للشعب مهدئات قد يؤدي إلافراط فيها إلى مشاكل لا تخدم أحدا .