سيد المختار ولد إسماعيل في مقابلة مع "الجديد نيوز": "الطب التقليدي والحديث كل منهما مكمل للآخر"

 ظل التداوي في هذه البلاد بواسطة الطب التقليدي حتى بعد عقود من الاستقلال ومازال مقصدا للكثير من المرضى . بيد أنه مع تقدم الطب الحديث وكثرة سكان المدن وتعدد الأمراض بدأ الإقبال على الطب الحديث وانحسر الاهتمام بالطب التقليدي . 

على الرغم من ذلك أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن 65%إلى 80%من سكان العالم يعتمدون على الطب البديل شڪلا أساسيا للرعاية الصحية. ورغم المنافسة الشديدة بينهما، مازال الطب التقليدي يحظى بعدد معتبر من المرضى بسبب قلة التڪاليف المادية، ورواده في أغلبهم من محدودي الدخل ، كما أن خوف الكثيرين من الآثار الجانبية للأدوية الحديثة يدفعهم إليه دفعا. 

الفرق أساسا بين الطبين، هو في وسائل التشخيص ففي حين يعتمد التقليدي على الحدس والتجربة والنظر، لايؤمن الطب الحديث إلا بالتشخيص عبر الأجهزة . أسر كثيرة معروفة، كانت ومازالت تمارس الطب التقليدي، الذي ورثته عن الأجداد، وهي متمكنة من أسباب التشخيص وتحديد العلاج التقليدي وصرفه للمريض .

 الطب التقليدي مازال قطاعا غير مصنف ويسعى القائمون عليه بالتعاون مع الجهات الحكومية لتنظيمه وتنقيته من الدخلاء . 

لمزيد من الإنارة حول هذا الموضوع نستضيف لكم الطبيب التقليدي سيد المختار ولد إسماعيل مدير عيادة "تاتاه" للطب التقليدي . 

نص المقابلة: 

الجديد نيوز: كثيرون يفضلون العلاج عند "الطب التقليدي" رغم تطور الطب الحديث؛ ماهي الأسباب برأيكم؟ 

أهلا وسهلا بكم في موقع "الجديد نيوز" للجواب على سؤالكم، من الأسباب التي جعلت الكثير من الناس يفضلون العلاج لدى الطب التقليدي أكثر من الطب الحديث، رغم تطوره هو أن الطب التقليدي في متناول الجميع، ويعتمد على التغذية والمواد الطبيعية المأخوذة من الطبيعة التي هي بيئة الإنسان، وليست لها أضرار. كما أن قلة التكاليف المادية، تدفع بأصحاب الدخل المحدود إلى تفضيل هذا النوع من العلاج نظرا لأن جيوبهم لا تسمح لهم بتحمل تكاليف التحاليل الطبية التي عادة ما تكلف أثمانا باهظة كـ"التشخيص بالمغناطيس والصدى (أسگانير) الذي يكون مجحفا بمن لا يمتلك تأمينا صحيا يساعده في التخفيف من الأعباء.

 وقد أصبح الطب التقليدي وجهة مفضلة للمثقفين بل وحتى بعض الأطباء العصريين، الذين يمتلكون قناعة لا تتزعزع بأن من يمارسون هذه المهنة في بلادنا يمتلكون من الخبرة والتجربة ما يؤهلهم لممارسة الطب بكل جدارة واستحقاق. 

الجديد نيوز:نحن نعيش أجواء شهر رمضان الفضيل، هل من وصفة غذائية صحية مناسبة للصائمين؟

 رمضان شهر كريم، نزل فيه القرآن على سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهر للعبادة، والتخفف من الأكل حتى تستريح أجهزة الجسم، وتستعيد نشاطها، خاصة الجهاز الهضمي المتعب. 

يحتاج الصائم للتركيز على السوائل والابتعاد عن شهوة الطعام التي قد تفسد عليه صومه، من الأغذية المناسبة للصيام الإفطار على التمر والماء والحساء الدافئ، ووجبة متوازنة بعدها شاي ثم نشاط رياضي لمدة 40 دقيقة تعين الجسم على امتصاص الطعام والجسم على الحيوية والنشاط. وبخصوص وجبة السحور فمن منظوري أن الأفضل لها كوب من الحليب رطب قليلة أو كوب من عيش "التشيشة" الممزوج بالحليب. 

الجديد نيوز: هنالك أمراض مزمنة ينصح أصحابها بعدم الصوم أصلا، ماهي أبرزها؟ 

من توفيق الله ـ عز وجل ـ أن بعضا من الأطباء التقليدين يدرك عن طريق الحدس الذي وهبه الله حالة مريضه، وهل هي حالة مفطرة أم لا؟ 

وكثير منهم لا ينصح مريضه بالإفطار، إلا إذا وقف على حالته الصحية وتأكد أن الصوم سيفاقم من مرضه. 

ولعل من أبرز الأمراض المفطرة عند الأطباء التقليدين: 

ــ ارتفاع الضغط الشرياني الحاد ؛

ــ أمراض الكلى ؛

ــ القرحة الحادّة المؤدية للاڪتئاب والوسواس القهري.؛ 

ــ الأمراض الجلدية كـ"القوباء الحادة والآڪلة الإڪزيما والصدفية.؛ 

ــ السڪري الحاد تراڪميا. وفي أحيان كثيرة ننصح المريض بإجراء فحوص لوضعيته الصحية، ومقابلة الطبيب المختص، ليكون له القول الفصل في تحديد أهليته للصوم من عدمها وذلك هو الأرحج. 

الجديد نيوز: الطب التقليدي كان هو الأصل في هذه البلاد، ومع تطور الطب الحديث وانتشاره تقلص دوره لماذا؟ 

تاريخ الطب التقليدي ضارب في القدم، فهو حصيلة مجمل المعارف والمعتقدات والممارسات القائمة على النظريات المعتدلة والخبرات المتأصلة في مختلف الثقافات، سواء كانت قابلة للشرح والتفسير أم غير قابلة له، وتستعمل في صيانة الصحة والوقاية وتشخيص المرض وتخفيفه ومعالجته، تماشيا مع رغبة الإنسان في حفظ حياته وإزالة الألم الذي يعكر صفوه.

 بدأ الطب الحديث في التطور منذ منتصف القرن 19 ليصل إلى ماهو عليه اليوم من رقي واكتشافات، مع أن هذا التطور لا يتعارض البتة مع اللجوء إلى الطب التقليدي أو الشعبي لمرتگزاته المفيدة، والتي أهملت من طرف أغلب الممارسين للطب الحديث. الطب التقليدي كان هو الاصل فعلا، وقد تقلص دوره بعد انتشار الطب الحديث فترات، لڪن الناس بدأت الرجوع للعلاجات التقليدية بالمواد الطبيعية والأغذية المناسبة التي ليست لها أضرار جانبية، ويعتبر هذا وعيا صحيا مهما. 

الجديد نيوز: في بلادنا أسر معروفة بممارسة الطب التقليدي ـ قديما ـ ومازالت، ماهي وضعية المهنة لديها؟ 

من خلال البحث الذي أحرزت من خلاله شهادة "الماجستير" والذي كان عنوانه "الطب التقليدي الموريتاني، الطبيب عبدالله ولد أوفى (نموذجا) تطرقت لفصل خاص بالأسر المعروفة بالطب التقليدي في بلادنا والممارسة له، ومن أبرزها :أسرة أهل أوفى الألفغيين التي ميزها لمرابط أوفى بكتابه في الطب المسمى "عمدة الطبيب" بالإضافة إلى قواعد التدبير وعلاجه، كذلك أهل المقري العلويين وأهل آچه التنواجويون وأهل أباه العلويين وأهل احمذيّ الحسنيين.. وأسر أخرى متنوعة من البولار والولوف والسنونكى... الخ

 أما في ما يتعلق بوضعية المهنة لديهم فتختلف من أسرة إلى أخرى، خصوصا في التداوي وطرقه حسب قناعة الناس، فڪل "يغني على ليلاه" ومن أشهر تلك العيادات "العيادة العبدلية" والأوفائية بلكصر وعرفات، وعيادات أبناء المقري الواقعة على شارع الشرطة بعرفات وتن إسويلم وتوجنين وعيادة رئيس رابطة الأطباء التقليديين الطبيب محّم.. 

الجديد نيوز: الطب التقليدي والحديث يرى البعض أن بينهما منافسة حامية الوطيس بدلا من التڪامل لماذا؟ 

ليكون الجواب واضحا لابد من ذكر التشخيص عند كل من الصنفين، في الطب التقليدي يكون التشخيص بوسائل بسيطة كـ" جسّ لنّبض والاعتماد على الرؤية البصرية، والملاحظات المعتمدة على التجربة والحدس، فقد وثق ذلك جدي لمرابط أوفى رحمه في عمدته عن النبض والقارورة. 

النبض: 

والحال يدرڪ بڪل حـــــس* 

أما الذي تدرڪه باللمــــــــس * 

فظاهر الطبع على الأبـــــــدان* 

والنبض بالقبض على الشريان* 

فڪل داء ضر بالقلب ظهـــــر*

 في نبضه مصداق ذلك الضرر* 

وماسواه ڪالصحيح واختلف*

 بالسن والمزاج عند من سلـف*

 فنبض ذي الحر ڪثير مسرع* 

مما به إلى المزاج يــــــــــرجع* .... إلخ.

 

 القارورة: 

 

فالبول إن جعل في الزجاج *

 أثر المنام نمّ بالمــــــــــــزاج* 

بول الصحيح لونه ڪالمــاء*

 إلا لتغيير من الغـــــــــــــذاء* 

وبول ذو داء يضر بالڪبــد * 

فلون مايضره فيه وجـــــــد* 

فالأصفر اللون من الصفـــراء* 

والأسود الڪمد للســـــــوداء* 

ثم السواد بعد الاحمــــــــــرار*

 لسوء الاحتراق في المـــــــرار* 

والأبيض الغليظ بول البلغـــم* 

والأحمر القاني لڪثرة الـــدم* إلخ.... 

بينما الطب الحديث لا يقف على حقيقة المرض عن طريق الأجهزة المتطورة التي تنفثذ إلى ڪل خلايا الجسم (تحاليل الدم والأشعة ڪالصدى اسكانير، والتشخيص المغناطيسي وهذا أمر طبيعي جدا نتيجة للتطور التڪنولوجي. وتبقى النتيجة والغاية واحدة هي حصول العلاج والوقاية، فڪل منهما مڪمل للآخر فهناڪ أمراض لايمڪن أن تعالج تقليديا كالآلام الحادة والحمى التي بلغت درجة حرارتها 40 ويمكن أن تؤدي إلى فقدان الوعي أو الغيبوبة وأمراض أخرى ڪثيرة تجب إحالتها بسرعة للطب العصري، بينما هناڪ أمراض يمڪن أن تعالج تقليديا بأدوية طبيعية وإرشاد غذائي ڪأمراض المعدة والجهاز الهضمي مثلا الحموضة القرحة درجتها القصوى القلون بأنواعه القلون المستعرظ والنازل والعصبي والإمساك والبواسير غير الدامية، والكبد بنوعيه (أ وب) مادامت لم تتليث، وڪذلك امراض الحساسية والصدفية والسعفة داء الثعلب وأمراض الصدر.. ڪل هذه الأمراض يمڪن أن تشفى بإذن الله على يد طبيب تقليدي متمڪن ناصح بالتغذية المناسبة والأدوية الطبيعية، ومعلوم أن الأدوية الحديثة والعصرية لها أضرار تنجم عنها تعالج تقليديا. وبالمجمل فإنه لا منافسة حامية" كما ورد في سؤالكم بين الطبّين بل الواقع أن كلا منهما يڪمل الآخر ويغنيه ويثريه. 

الجديد نيوز: سمعنا عن أمراض شفيت عن طريق الطب التقليدي، وڪانت مستعصية على الطب الحديث، هل من بسط بهذا الخصوص؟ 

العديد من الأمراض المستعصية على الطب الحديث، شُفي أصحابها بحمد الله على يد الطب التقليدي ومن أمثلة تلك الأمراض: أمراض الڪبد اليرقان الأصفر والأسود، وقد ذڪرهما جدي لمرابط أوفى في عمدته: 

واليرقان بعضه صـــــــفراوي*

 والبعض منه هڪذا سوداوي* 

سببه ڪثرة ذين في الجســد*

 فامتزجا في الدم بڪل الجلد*

 بصفرة المقل والأبـــــــــــوال*

 يعرف الأول مع الهــــــــــزال*.

 وقد عالج خالي المرحوم عبدالله ولد أوفى حالة من "السيدا" ونشرت الخبر حينها جريدة "الشعب"

 الجديد نيوز: يحتاج الطب التقليدي لمزيد من المأسسة والضبط القانوني لإبعاد الدخلاء عن مهنتڪم، ماذا تم في هذا المجال؟ 

الطب التقليدي الموريتاني يعتبر من القطاعات الغير مصنفة، ويحتاج إلى بذل جهود من أجل النهوض به، فهو طب المستقبل، وقد أنشئت تشڪلة لمڪتب تنفيذي لرابطة الأطباء التقليديين في نواڪشوط يوم 29 ذي الحجة 1432ه‍ الموافق 2 مارس 2003م وانتخبت الجمعية العمومية التأسيسية للرابطة تشڪلة مؤقتة: 

الرئيس: الطبيب محمد المامي ولد آچه؛

 النائب الأول: الطبيب الشيخ محمد ولد عبدالله ولد أوفى؛

 النائب الثاني: محمد الزين ولد محمد يسلم المقري؛

 النائب الثالث: أحمد حيدره ولد أباه ؛

الأمين العام: الشيخ التجاني چكو ؛

أمين التنظيم: محمدو ولد محمد شيخنا أوفى؛

 أمين العلاقات العامة: الدڪتور في علم النبات عبدالله ولد محمد فال.

 لذلك أرى أنه من الضروري، التعجيل بإخراج قانون ينظم الطب التقليدي وڪذلك إنشاء مراڪز ومؤسسات تڪوينية تشرف عليها الوزارة الوصية لتطوير هذا النوع من الطب ومن خلال منبركم أناشد السلطات العليا في البلد للفتة ڪريمة لهذا الطب، وإلى إنشاء لجان متحفزة للعمل على تطوريه، من رابطة الطب التقليدي للتوعية الصحية وإرشاد المواطنين لڪل ماهو نافع. 

الجديد نيوز: وزارة الصحة هي المسؤولة عن القطاع الطبي، ماعلاقتڪم بها؟ وكيف تتدخل في مهنتكم؟ 

أولا الهدف واحد هو التوعية الصحية وتوفير العلاج عند الطبين التقليدي والحديث، وهي الوزارة المسؤولة عن التنظيم والتسيير. علاقتنا بها علاقة رسمية جيدة تصب في ما يعزز من تطوير المهنة ومحاربة الداء. وهنا لا بد من إبداء نبعض  العتب، وهو أن الوزارة تتعامل مع الطب التقليدي بنوع من التهميش، فلا إشراك لأصحابه في الحلقات التثقيفية والسهرات الرمضانية، وكثير من الممارسين للطب التقليدي يعرفون الحكم الطبي والشرعي ومنهم من عزز ذلك بدراسة العلوم التجريبية والطبية. 

الجديد نيوز: أدويتڪم في معظمها شربات وخلطات ماهي مصادرها؟ وڪيف يتم إعدادها؟ وماهي طرق الرقابة على ذلك؟ 

السؤال يشمل اربعة أجزاء الشراب والخلطات والمصادر والرقابة ، رحم الله الخال عبدالله ولد أوفى لم يحتكر أي معلومة عني ومازالت معلوماته محفورة في ذهني لا تبارحه، حدثني عن تجربته وعن الدراسات التي طالع من خلال ڪتب الطب والموسوعة الطبية، أن عصير المادة الدوائية هو الأفضل والأهم والابتعاد التام عن المسحوق لأن له مخلفات وتأثيرات جانية ليست هي الغرض فابتكر الڪميات والجرعات الدوائية باحترام المقدار والوزن حسب العمر. فمثلا شراب (الونكل) وشراب (الصمغ) وجرعة السنا (افلجيط) خلطة من مادة السنا واللبن والصمغ والسكر سماها (السنا اللبني) ولاتستعمل إلا بشروط مڪتملة. الطبيب هو حامي المريض مما يضره، وهو المسؤول عنه شرعا وقانونا فالخطأ الطبي غير مغتفر لذلك على الطبيب سواء ڪان تقليديا أو عصريا أن يتأنى ويتأڪد من التشخيص بالحضور الڪلي والأسئلة للمريض أو ملازمه، والتخفيف عليه فالعامل النفسي قبل العلاج العضوي ولا بد من التحري حتى تفك طلاسم علة المريض ليكون العلاج ناجعا. أما مصادر الأدوية فهي طبيعية إما حيوانية أونباتية أو معدنية، الونڪل مثلا معدن حجر أصفر غني بالحديد والبتاسيوم والمنغنزيوم، تقدر فيه نسبة الحديد بـ 48% ويستخرج من السباخ الشاطئية يقول جدي لمرابط أوفى في عمدته :

وانسب جميع نفعه للونگـــل *

 وعند بعضنا اعتداله جــــــلِ *

 يحسن اللون وينفع البـــــدن * 

من الصفار و هو هاضم اللبن* 

الصمغ العربي "العلك" يثمر في شجر القتاد "أوروار"، قال فيه جدي لمرابط أوفى: 

والعلك يوصف بالاعتـــــــــدال* 

والنفخ للصفـــراء ذو إسهــــال* 

يطرد ريحها ويدفع ضـــــــــرر* 

ڪل الحبـــوب ومع اللحم غرر*

 أما الجزء المتعلق بإعداد الأدوية والرقابة عليها، يقول لمرابط أوفى في مقدمة عمدته: 

اعلم بأن الطب علم وعمــــــل*

 والعلم في ثلاثة قد اڪتمــــل*

 علم الطبيعي من الأمــــــــــور* 

أولها فالعــــــــــــلم بالضـــرورِ*

 ثالثها معرفة الأمــــــــــــــراض* 

والعلم بالأسبـــــاب والأعراض* 

وعمل الطب يڪون باليــــــدِ*

 أو بالدواء والغـــــذاء الأفيــدِ* 

إذن إعداد الأدوية باليد التي جعل الله فيها الحڪمة، والرقابة بالعين للنظر في الدواء، والشم بالأنف للتأڪد من عدم الرائحة، والذوق باللسان للطمأنينة على الطعم.