المختار السالم أحمد سالم
*شاعر وإعلامي
لدى الناطقين بالعربية الحسانية أو الصحراويين كما يسمون جغرافياً أو "البيظان" كما يسمون اجتماعيا بوصلتهم، لديهم في هذه الصحراء المترامية الأطراف إبرتهم المغناطيسية التي لا تخطئ أبداً. وعُمْر هذه البوصلة هو عمر خبرتهم بهذه الرمال والتلال. هذه المفازة، الأدغال، القفار المهيبة؛ بكرًا كانت أو ثَــيّباً، فهي ولودة بالتّيهِ والضّياع، لكن ليس على ذلك الملثّم الجسور الذي طالما افترش روحَهَ جسراً لتستمرّ الحياة بالعبور في هذه الأرضِ!
تلك البوصلة لم تكن إلا شجرة الطّلح، إذ لا ينبت الطلّح في هذه الصحراء إلا مائلاً إلى جهة الجنوب، ومن تحديد جهة يمكن بسهولة تحديد باقي الجهات. هكذا كانوا في هذه البلاد حين تهبّ العاصفة مثلا أو ينتشر الغمام والضباب فهم لا يفزعون من الضياع، لأنّ أول شجرة طلح يصادفونها سوف تدلّهم على معرفة جهتهم، ومن طريقة انحنائها تحديداً.
لكن ذلك في التعامل مع القفر بغيلانهِ وغوائلهِ وغدره ومصاعبهِ. فماذا عن تعاملهم مع السياسة؟
إنّ دور الكُتَّاب ليس مجاملة الجمهور ولا مجاملة السلطة، ولا مجاملة الشعب ولا مجاملة الدولة، ولا مجاملة الرأي الرسمي ولا مجاملة الرأي الشعبي، دور الكاتب هو فضح كل عتمة وتوجيه النظر إليها كي تضاء. ثم إنّ منْ تحترق داره فمن الجنون أن يبقى مستلقيا مسترخيا على الأريكةِ يحلم أن الحرائق الملتهبة لن تقضي على كل غرف الدار أو يُطمئن نفسه بأن المشاكل مهما تكن ليست "أكبر من قدرها".
إن الحروف التالية ليست استبصاراً، فالصحراء برغم أنها مُنجبة الأنبياء، فهي بارعة في اقتلاع كلّ عين زرقاء.
إنني أرى أهل الصحراء أو "البيظان" في موريتانيا وفي المغرب والجزائر وفي الشتات الآن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التحديق في "الطلح" ولو لم يكن نضيدًا. فالمفازةُ تزدادُ خطرا، والخياراتُ تقتربُ من تجسير النّهاياتِ نحو ما لا تحمد عقباه.
بداية، دعونا نتساءل مع الذين تساءلوا خلال السنوات الأخيرة: "هل الكتابة عن "البيظان" تمييزية؟"
إن الكتابة عن الصحراويين أو "البيظان" مثل الكتابة عن المكونات الثقافية أو الاجتماعية الأخرى، تكون واجبة ما استهدفت الخير، ما سعت إلى ما يجمع وما ينمي وما يحفظ الجسم كلّه، وما كانت في صالح الإقليم وحضارته، ثمّ ما كانت في خدمة الأهداف العليا التي تناقض كليّا المشروع الاستعماري بمشارطه وحدودهِ.