حمود أحمد سالم محمد راره
لا يخفى على أحد أن العالم يشهد في العصر الحديث تغيرات متسارعة وجذرية في شتى المجالات، من تكنولوجيا وابتكار، إلى اقتصاد وثقافة وأنماط حياة جديدة. وفي قلب هذه التحولات، تبرز الحاجة الملحة لتغيير العقليات الجامدة، التي لم تعد صالحة للتفاعل الإيجابي مع واقع متجدد لا يتوقف عن التطور. فالعقليات التقليدية، الرافضة للتغيير، والمتمسكة بما اعتادت عليه، لم تعد فقط غير مناسبة لهذا العصر، بل أصبحت عائقًا حقيقيًا أمام التقدم والتنمية المستدامة.
إن تغيير العقليات ليس ترفًا فكريًا أو خيارًا ثانويًا، بل هو ضرورة وجودية لضمان الالتحاق بركب الحضارة العالمية، والمساهمة الفاعلة في صياغة مستقبل واعد. ومن هنا، يمكن تحديد عدد من المحاور الحيوية التي تبرز الحاجة الملحة لهذا التحول الذهني:
الثورة التكنولوجية والعقلية المتوجسة:
نعيش اليوم في عالم يتغير بسرعة فائقة بفعل الثورة الرقمية، التي جعلت من الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والبيانات الضخمة، والأنظمة الذكية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. ومع ذلك، لا تزال الكثير من العقليات في مجتمعاتنا تخشى هذا الانفتاح، وتتعامل مع هذه التقنيات بنوع من الريبة أو حتى الرفض، لهذا، لا بد من ترسيخ ثقافة الابتكار، وتبني التعليم الرقمي منذ المراحل المبكرة، ودعم البحث العلمي كرافعة أساسية لبناء مجتمع معرفي قادر على المنافسة.
الاقتصاد التقليدي وتحديات التنوع:
يعتمد اقتصادنا الوطني إلى حد كبير على الموارد الطبيعية مثل الحديد والمعادن والنفط، مما يجعله رهينًا لتقلبات السوق العالمية. لتجاوز هذه الهشاشة، ينبغي تبني عقلية اقتصادية جديدة تركز على التنويع، وتشجع ريادة الأعمال، والاستثمار في الصناعات التحويلية والتكنولوجيا والخدمات الحديثة. وهذا لن يتم دون تجاوز النظرة الكلاسيكية للاقتصاد، والانفتاح على أنماط إنتاج أكثر استدامة وتطورًا.
التعليم وتطوير رأس المال البشري:
لا يمكن الحديث عن التغيير دون التطرق إلى التعليم، باعتباره أداة التغيير الأولى. فالنظام التعليمي التقليدي، الذي يركز على التلقين والحفظ، لم يعد مناسبًا لاحتياجات سوق العمل الحديث. نحن بحاجة إلى نظام تعليمي مرن، يهتم بتنمية المهارات، وتعزيز التعليم المهني والتقني، ويفتح المجال أمام الإبداع والتفكير النقدي. فبناء العقول يبدأ من المدرسة، والنهضة لا تأتي إلا بتعليم يُخرّج أجيالًا قادرة على التفاعل مع متغيرات العصر.
الانفتاح الثقافي وتعزيز الحوار:
في زمن العولمة، لم يعد الانغلاق خيارًا. بل أصبح الانفتاح على الثقافات الأخرى، وتبادل الخبرات، وتعزيز قيم الحوار والتسامح والتعايش، ضرورة لبناء جيل عالميّ التفكير، واسع الأفق، قادر على التفاعل مع الآخر بإيجابية دون أن يفقد هويته. هذا الانفتاح لا يعني الذوبان، بل هو سبيل لبناء شخصية قوية مرنة قادرة على التكيف والإبداع.
الإعلام والمناهج: أدوات للتغيير:
يلعب الإعلام دورًا حيويًا في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات. لذا، يجب توجيه الإعلام ليكون شريكًا فاعلًا في نشر ثقافة التغيير، والتوعية بأهمية مواكبة العصر، وأكثر دعمًا لمهارات الحياة والابتكار.
تمكين الشباب: أساس البناء الحقيقي:
الشباب هم عماد المستقبل، ولا يمكن تغيير العقليات دون إشراكهم بفاعلية في التنمية. دعم المبادرات الشبابية، وتوفير فرص التدريب والتوظيف في مجالات التكنولوجيا والصناعات الجديدة، وتسهيل دخولهم إلى سوق العمل، كلها خطوات حيوية لبناء جيل واثق، منتج، ومشارك في صياغة المستقبل.
وفي الختام نلاحظ أن تغيير العقليات ليس مهمة سهلة، لكنه ضرورة لا مفر منها. إنها مسؤولية جماعية تتطلب إرادة سياسية، ووعي مجتمعي، وجهودًا متكاملة من الأسرة والمدرسة والإعلام ومؤسسات الدولة.،فإما أن نغيّر طريقة تفكيرنا، لنعيش عصرنا ونبني مستقبلنا، أو نظل نراوح امكنتنا حتي يتجاوزنا الزمن، فنفقد فرصتنا في النهوض.