المرتضى محمد أشفاق
جمعتني والأخ الخليل ولد الطيب أيام صداقة صافية، ولحظات زمالة لم تطل..
جمعنا العمل السري، وتقاسمنا فيه الإيمان الصادق بالمبادئ، والالتزام المطلق بخيارته..
عرفنا مفاعلات الصناعة البشرية، صناعة الأفكار، وحلق التربية السياسية المعروفة بالتكوين العقدي، في مدينهR، ومدينهG، ومدينه سيداتي..
من تلك الأحياء، في محيط جغرافي يمتد بين مدينه3، وبولي كلينك، وحي سوسيم، والدور المحيطة ببيت محمد فاضل ولد محمد الأمين، وشرطة الحوادث، غرب منزل محمد سالم ولد عدود، واستيديو مونديال افوتو للتصوير، وقيادة أركان الحرس، شمال إعدادية البنين، والثانوية العربية، والمعهد العالي، تخرج القادة، والعلماء. والساسة، وحملة الفكر، وفيها نشأت وترعرعت الطبفات الكادحة..
هناك تعلمنا الانضباط الحركي، وتعلمنا التعالي على الانتماءات الضيقة، والأفكار التجزيئية الإقصائية، كالقبلية، والجهوية، والقطرية.. مارسنا ونحن في عز مراهقتنا السياسية طرق الوقاية، والتعامل مع زوار العتمات، وبغاة أخذ الناس في غفلاتهم..
كنا ننتمي إلى تنظيم فقير مستقل، وكنا نمول نشاطاته بوسائلنا الخاصة، والتزاماتنا الشهربة التي بدأناها ونحن تلاميذ في مؤسسات التعليم الثانوي، لا منة لبد خارجية، أو جهة داخلية على ذلك التنظيم..
ورغم تواضع الوسائل وفر التنظيم لفقراء منتسبيه مساكن أجرها لنفعين، للاجتماعات الدورية لبعض خلاباه، ولسكن أسر بعض المنتسبين الفقيرة النازحة من موريتانيا الأعماق…ما زلت منبهرا بهذا التكافل الجميل، وما زلت منبهرا بتحملنا رغم صغرنا تلك المسؤوليات الاجتماعية، والسياسية النبيلة..
وبعد: فرقت بيني والخليل سبل الحياة، فيممت أرض الخفاء، والاضمحلال، واستقررت حيث تغرب النجوم التي لا تعمر طويلا..ابتلعتني صحاري النسيان، واستأنست بالآفلين، وتلمست طريقي يبسا بين الوهاد المنسية..
واصل صديقي وزميلي الخليل ولد الطيب صعوده، فله من وسائل التحليق النبيلة ما لا أملك، وله من الطموح والصبر والوعي ما لم أمنح..
وكأن القدر قدر أن لا نجتمع أبدا فقد استقلت من النسخة الأولى من التحالف الشعبي التقدمي، ليلتحق الخليل به في نسخته الثانية..
بقي الخليل معرفة، علما في الحياة السياسية، وقواميسها، وظللت ضميرا مستترا عائدا إلى مجهول..
لذلك ما زلت أذكره كما عرفته في محطاتنا الجميلة تلك، حيث آمنا بالثاوبت الحضارية، ونادينا بالحرية، ووقفنا ضد الاستبداد..
كان خبز السياسة الذي تقاسمناه حافيا، لكنه كان مغموسا في الكبرياء..
ولا شك أنني خرجت من ذاكرته، كما خرجت من ذاكرات كثيرين رغم علمية اسمي، فهو لا يشبه الأسماء..طرفة بين قوسين، مرة اتصلت بأحد زملاء الدراسة، والسياسة، للسلام عليه، ولما ذكرت له اسمي، قال: فلان ابن من؟ فأجبته أن اسمي لا يحتاج إلى انتساب، ثم أردفت(آن اطفيل ذاك لي كنت تتريش اعليه النحو والفرنسية فلنس عام 1981)..
ما كنت أخال ونحن نغرق في طوفان الامتداد الأفقي لذلك التيار الجارف أن الزمان غدار، وأننا سنعيش يوما حال ابن زبدون:
وقد نكون وما يخشى تفرقنا
واليوم نحن وما يرجى تلاقينا
لن أنسى أن أشهد لصديقي، وزميلي الخليل ولد الطيب أيام عرفته بالنبل، والوفاء لما يؤمن به من قيم ومبادئ..
ولن أنسى أن تجربتي السياسية الهزيلة علمتني أن السياسة أذواق، وخيارات حرة، ولا وصاية فيها لأحد على أحد، وليس في السياسة صراط مستقيم من سلكه نجا ومن حاد عنه هلك، وليس في السياسة زعيم برتبة نبي يقود أتباعه إلى مرضاة الله والجنة..
حفظ الله صديقي الخليل، كم أنا مشتاق إلى قراءة مذكراته..
المصدر: الفيسبوك – صفحة المرتضى محمد أشفاق.