قراءة في مسار التشويش على زيارة الرئيس

الشيخان سيدي

 

ختم الرئيس الموريتاني زيارة للولايات المتحدة الأمريكية التقى خلالها بالرئيس اترامب في لقاء حضره فقط خمسة رؤساء أفارقة تم اختيار غزواني ليكون واحداً منهم.
وفي أول ظهور لرئيس الجمهورية خلال اللقاء الأفريقي - لأمريكي المصغر أظهرته عدسات الصحافة وهو يجلس وجها لوجه مع الرئيس الأمريكي الذي كان يتحدث أمام الحاضرين بأسلوبه المعهود، ويدعو الأفارقة لشراء السلاح من أمريكا وتطوير العلاقات معها حتى لا تكون علاقات مساعدات فقط.
ختم اترامب كلمته طالبا من فخامة رئيس الجمهورية التفضل بالحديث مخاطبا إياه "لنبدأ معك سيدي" ثم أردف قائلا: "بالمناسبة هو رجل عظيم".
كل هذا التبجيل لرئيس الجمهورية من اترامب المعروف بخروجه على الأعراف الدبلوماسية وتوبيخه لنظرائه حين يستدعيهم في بيته الأبيض تجاوزته الصحافة الموجهة، كما تجاهلت دلالات البداية بالرئيس الموريتاني، وتقديمه على نظرائه الحاضرين في رسالة ودية من الرئيس الأمريكي، وهي الرسالة التي أكد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أنها وصلت، وأنه استقبلها.

 في الاجتماع المصغر فرض الرئيس الموريتاني على اترامب الاستماع له طيلة ثمان دقائق وهو يستعرض ضرورة الأمن، وحتمية توقف الحرب على غزة؛ ومقدرات بلادنا الاقتصادية وما تحويه من معادن.
وتعرفون جميعا أن اترامب رجل ثرثار، يتحدث أكثر مما يستمع، ويقاطع جلساءه ونظراءه من دول العالم في كل خرجاته التي تجمعه بهؤلاء؛ لكن مقاطعته هذه المرة كانت مختلفة وتحمل لمسة احترام وتقدير حيث أشار اترامب مرات للرئيس الموريتاني طالبا الإيجاز وهي الإشارات التي لم يعرها الرئيس غزواني اهتماما كبيرا فيما يبدو؛ لأن اترامب بدأ إشاراته بضرورة الإسراع عند الدقيقة الخامسة من حديث الرئيس الذي استمرّ لقرابة 8 دقائق؛ ما يعني أن الرئيس غزواني واصل الكلام 3 دقائق بعد طلب اترامب التوقف؛ فتحدث عن عظمة موريتانيا رغم عدد السكان، واستعرض مقدرات البلاد، وما تزخر به من معادن وثروة سمكية.

مع نهاية حديث الرئيس الذي ختمه بالقول إنه لا يريد أن يطيل على الحاضرين خاطبه اترامب: "أقدر ذلك جيدا" معللا إشاراته لطلب الإيجاز بجدول العمل المشحون؛ ثم التفت إلى رئيس غينيا بيساو عمر سيسكو إمبالو وطلب منه التعريف بنفسه وببلده قبل الحديث.
هنا جاءت الصحافة الموجهة أيضا لتقول إن اترامب قاطع الرئيس الموريتاني وقال له: "عرف باسمك وببلدك"! وهذا عار من الصحة والحقيقة أن اترامب كان ينظر يساره لمخاطبة رئيس غينيا بيساو الذي يجلس بجانب الرئيس الموريتاني. 

تجاهلت هذه الصحافة الثناء الذي تلقاه الرئيس قبل بداية حديثه "هو رجل عظيم" والشكر الذي تلقاه بعد نهاية كلمته، وذهبت لتلفيق أنباء أخرى عارية من الصحة وينكرها العقل! 
فما هي أسباب هذه المغالطة ومحاولة التشويش؟! 

سكت الموريتانيون بل صدق بعضهم ما تداولته بعض القنوات والمواقع، والغريب أنها كانت تابعة لدول تعتبرها موريتانيا شقيقة وصديقة؛ فهل حاد المحررون عن خط التحرير؟ أم أن النجاحات الدبلوماسية والحضور الوازن للرئيس الموريتاني لم يرق للبعض؟!
حين خرج الرئيس منتصرا من لقائه مع اترامب عرف الآخر أن الرئيس الأمريكي لم يعامل رئيس موريتانيا بما عامل به رؤساء وقادة العالم الذين التقاهم من قبل؛ لم يوبّخه كما فعل مع الرئيس الأوكراني، ولم يقاطعه كما فعل مع الرئيس الفرنسي؛ والأهم من كل ذلك أنه لم ينظر له بدونية كما فعل مع عدد من الزعماء العرب. 
بعد هذا التألق كان لا بد من سلاح جديد للتشويش على هذا النجاح المشهود فجاءت فكرة اللقاء المزعوم مع "النتن ياهو" وبدأ الحديث عن "مصادر خاصة" و"مراقبين"؛ وهذه العبارات نستخدمها كصحافة حين نود التعبير عن رأينا دون أن يكون الأمر مكشوفا للجمهور.
في الوقت الذي كان الرئيس يعقد اجتماعات مهمة بغرفة التجارة الأمريكية لإنعاش التبادلات التجارية والعلاقات الاقتصادية الموريتانية - الأمريكية بدأت الصحافة "الموجهة" تتحدث عن وقفة لعدد محدود من الشباب المعارض في أمريكا؛ فتم قطع الطريق أمامهما باستضافة هذه المجموعة في لقاء صريح مع رئيس الجمهورية، وخرج الشباب يشيدون بتعاطي الرئيس مع القضايا التي طرحوها، ما اضطرّ هذه الصحافة للعودة خطوات إلى الوراء والحديث من جديد عن لقاء مزعوم نفته السفارة بواشنطن والحكومة بنواكشوط، ففشل المرجفون لتواصل قافلة الرئيس طريقها للارتقاء بالدبلوماسية الموريتانية وهذه المرة من مالابو.