في خطوة مفاجئة ومثيرة للشكوك، أطلق أحد مالكي المنصات الإعلامية استفتاءً غير رسمي تناول شخصيات وطنية بارزة تحت عنوان "من الشخصية السياسية الأكثر شعبية؟"، وذلك خارج أي إطار قانوني أو مؤسسي، ودون علم أو موافقة الجهات المختصة.
اللافت في هذا الاستفتاء، الذي انتشر بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أنه لم يكن بريئًا في مضمونه ولا في توقيته، بل حمل في طياته رسائل مبطنة ومؤشرات مقلقة، توحي بأن الهدف منه يتجاوز مجرد "جسّ نبض الشارع"، ليصل إلى التأثير – عمدًا أو خلسة – على موازين القوى في المشهد الوطني، وربما إحداث نوع من البلبلة السياسية أو التهيئة الممنهجة لاختيار مبكر للمرشح الرئاسي القادم.
خرق للأطر القانونية وابتذال للمسار المؤسسي
إن تنظيم استفتاء من هذا النوع حول شخصيات في موقع المسؤولية، دون وجود جهة رسمية أو مؤسسة علمية محايدة تشرف عليه، يمثل تجاوزًا صريحًا للقواعد المنظمة للعمل السياسي والإعلامي في الدولة. فالرأي العام لا يُقاس بمنصات أو مواقع ...دون رقابة وترخيص ، ولا تُدار المسارات السياسية الحساسة عبر صفحات التواصل أو استمارات التصويت غير المراقبة.
وإذا أضفنا إلى ذلك احتمال توظيف نتائج هذا الاستفتاء – أو تضخيمها – بغرض التأثير على مركز بعض الشخصيات أو إحراجها أو حتى محاولة "حرق أوراقها" مبكرًا، فإن المسألة تصبح أشبه بلعبة خطرة تهدد التوازن داخل النظام، وتُربك أداء مؤسساته.
المستهدفون ليسوا بالضرورة كل من زُجّ بأسمائهم في الاستفتاء.
ثمة احتمال قوي بأن يكون هذا الاستفتاء موجّهًا بالأساس ضد بعض الشخصيات التى تم الزجُّ بأسمائها ضمن لائحة طويلة لخلق انطباع بالمنافسة الواسعة، بينما الهدف الحقيقي هو محاولة إضعاف هذه الشخصيات معنويًا أو تحييدها سياسيًا. ولعل ما يُعزز هذا التوجّه هو كثافة التفاعل السلبي الموجَّه ضد بعض هذه الشخصيات في الأيام خيرة لهذا الاستفتاء ، وكأن الأمر مقصود ومبرمج لخدمة جهة غير معلنة.
خطأ التوقيت وخطورة التنافس المصطنع
إن أخطر ما في هذا الاستفتاء ليس فقط خروجه عن الإطار القانوني، بل توقيته أيضًا، حيث ما يزال فخامة رئيس الجمهورية في بداية مأموريته الدستورية الثانية، يحظى بثقة الناخبين ودعم مؤسسات الدولة، ويقود مشروعًا وطنيًا متماسكًا.
من هنا، فإن خلق جوّ تنافسي بين أركان النظام ....في هذا التوقيت ليس سوى استدراج لمعارك جانبية تهدف إلى التشويش على رأس الدولة، وخلق شرخ في وحدة السلطة التنفيذية، أو على الأقل إضعاف لحمتها الداخلية.
الرئيس في موقع المسؤولية... والبعض يصنع جدلًا سابقًا لأوانه.
من المؤسف أن أنصار بعض الشخصيات المشمولة بالاستفتاء انجرّوا بحسن نية إلى هذا النقاش الوهمي، وبدأوا حملات للدفاع والترويج ...، وكأننا فعلاً أمام سباق رئاسي مبكر، يتجاهل بشكل تام حقيقة أن رئيس الجمهورية هو رأس الدولة المنتخب، وأن المأمورية لم تنقضِ بعد، وأن طرح البدائل أو الترويج لها في هذه المرحلة يُعد خروجًا عن السياق الوطني، وإضعافًا غير مباشر للسلطة الشرعية القائمة.
وإنه لمن اللازم، بل من الواجب، تحميل صاحب الاستفتاء ومن يقف خلفه – إن وُجد – المسؤولية الكاملة عن هذه الفتنة الناعمة التي تتسرب إلى الفضاء العام تحت غطاء حرية الرأي، بينما حقيقتها تندرج ضمن محاولات التشويش على مقام الرئاسة وزعزعة الثقة بين أركان النظام. فمثل هذه التصرفات لا يمكن اعتبارها اجتهادًا فرديًا بريئًا، بل هي تدخل في صميم الحسابات السياسية المريبة، التي قد تكون مدفوعة بأجندات شخصية أو مصالح خارجية.
حذار من العبث السياسي المغلف بثوب "الاستفتاء"
ما نحتاج إليه اليوم ليس "تصويتًا شعبيًا" عبثيًا على المنصات، بل تعميقًا لثقة المواطن في المؤسسات، ودعمًا لمشروع الدولة بقيادة رئيس الجمهورية، والعمل على توحيد الصف بدل تمزيقه بمنافسات وهمية.
إن الدفاع عن الدولة لا يكون بالصمت أمام التشويش، ولا بتمرير الرسائل المبطنة التي تتخفى خلف شعارات "الحرية" و"الرأي العام"، وإنما بالوقوف الصريح مع الشرعية، ضد كل محاولة لإرباك المشهد أو اختراقه بأدوات مستوردة أو مسمومة.
حنن عبد الله محامٍ