محمد ولد عمار
إلى السادة الفاعلين السياسيين، من الموالاة والمعارضة، ومن كافة مكونات المجتمع المدني والمشاركين في الحوار الوطني المرتقب…
إن اللحظة التي تعيشها موريتانيا اليوم، بكل ما تحمله من تحديات اجتماعية، وانقسامات صامتة، وتفاوتات صارخة، تُحتّم عليكم مسؤولية تاريخية تتجاوز الحسابات الضيقة والمكاسب العاجلة، نحو مشروع وطني يُعيد بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، ويُرمّم ما تصدّع في الوجدان الجمعي.
لقد أصبح المواطن العادي يشعر أن السياسة لم تعد وسيلة لخدمة الناس، بل ميدانًا للتنازع على النفوذ. وتنامت بين فئات واسعة مشاعر الإقصاء والتهميش والغبن، في ظل ضعف الإنصاف، وتكريس الامتيازات، وغياب العدالة الاجتماعية. فلا يكاد يمر يوم دون أن تتجلى مظاهر الفقر، والبطالة، وانسداد الأفق، في المدن كما في القرى، بين الشباب كما بين النساء وكبار السن. وهو ما يعكس اختلالًا عميقًا في التوازن المجتمعي، لا تُعالجه الخطابات، بل تتطلب إرادة صادقة لإصلاح جذري.
أيها السادة…
إن الحوار ليس مجرد لقاء موسمي لتبادل الآراء أو تقاسم السلطة، بل هو فرصة أخيرة لاستعادة المعنى الحقيقي للوطن، حيث يشعر كل مواطن بأنه معنيّ، ومسموع، ومُحتَرم، بغض النظر عن قبيلته، لونه، طبقته، أو انتمائه السياسي.
نحن بحاجة إلى التقاء حول قيم لا غلبة فيها إلا للعدل، ولا صوت يعلو فيها فوق صوت الإنصاف، ولا هدف يسبق المصلحة العامة. فما فائدة أي توافق لا يضمن كرامة الناس؟ وما جدوى أي تسوية لا تصلح ما أفسدته سنوات من الإقصاء والتهميش؟
ينتظر الشعب منكم اليوم ما هو أعمق من الاتفاقات الشكلية:
– ينتظر أن يُعاد الاعتبار للمواطنة كهوية جامعة لا تُختزل في بطاقة تعريف،
– ينتظر أن يُضمن التعليم للجميع، والعمل للشباب، والرعاية للفقراء،
– ينتظر أن يُحترم القانون، ويُحاسب المفسد، ويُكرّم الشريف،
– ينتظر أن يشعر بأنه في وطنه… لا في بقعة من الأرض يقتسمها الأقوياء.
الحوار المرتقب هو امتحان في الوطنية، في النبل، في السموّ فوق الاصطفاف. ولن تكون له جدوى إذا لم ينطلق من القناعة بأن موريتانيا لكل أبنائها، وأن مستقبلها لا يُبنى بالعصبيات والأنانيات، بل بالإيثار، والتضحية، والمسؤولية المشتركة.
كونوا على قدر الأمل، فالوطن يناديكم لا لتتقاسموا مغانم، بل لتؤسسوا لمرحلة جديدة من المصالحة الحقيقية، والتنمية العادلة، والسياسة النظيفة.
إننا لا نخاطبكم بلغة الحياد، بل بلغة الوجدان، لأن ما على المحكّ ليس مجرد نظام أو حكومة، بل هو مستقبل وطن بكامله، في مرحلة تتسارع فيها التحولات داخليًا وخارجيًا.
فليكن حواركم بصيرة لا مجاملة، وبناء لا استعراضًا، وتاريخًا يُكتب لا يُنسى.
ولكم من الشعب عين تنتظر، وقلب يتأمل، وأمل لا يريد أن يُخذل مرة أخرى…
والله من وراء القصد.